إقتصادفي الواجهة

ركود اقتصادي

مظهر محمد صالح

غاضت في قلب سعيد مشاعر الركود وزهق السعي وراء الرزق خموداً في نفسه وهو يجلس كعادته امام دكانه الذي بات فارغا من كل شيء الا اللاشيء وهو يتطلع الى المارة و يحدث نفسه لماذ نكدح في جمع المال؟. قلت له ماذا دهاك ياسعيد وانت تصر على تحميل نفسك آلام العزلة والقنوط وانا عهدتك مكافحاً تبحث عن ادامة العيش وانت مخلص لقوانين الحياة الاولية؟ اجابني بحزن لقد فقدتها وفقدت الاسباب التي تصلنا بحياة العيش في هذه السوق التي اصبحنا غرباءً فيها، وامسيت داخل مخزني كذرة غبار هائمة في فضاء من العدم. تنهدت من الاعماق متأسيا على صديقي سعيد وهو ينفخ محزونا قانطاً بعد ان تحجر قلبه ثم اضاف مسترسلاً :كيف استنام الى طمأنينة الاحلام ولذة العيش وانكُب على العمل وانا غافل عما يخبئه ليَ الغد..! انتبهت الى سعيد مرة اُخرى بعد ان ايقظ ذهولي وحزني ضجيج المارة ليوقفوا رغبتي في البكاء على ما حل بصديقي من ضيق في العيش وقلة في الرزق. استيقظ صديقي سعيد من قنوطه ،وهو ما زال معلقاً بخيط ضعيف يدق على وعيه، ليلمح فجأة في عرض الطريق رجلاً عملاقا يتخطى الرصيف، فأشار سعيد اليه باصبعه وهو يتحدث من فوره،بعد ان غاصت في قلبه مشاعر العمل جميعها، قائلاً انه هو..! قلت لسعيد من هو؟اجابني انظر اليه.. انه فائق. قلت له: من هو فائق؟ قال انه احد”حيتان السوق” الذي غدا اليوم احدى القوى المتحركة الوحيدة التي تبتلع ارزاقنا. قلت لسعيد لماذا تكنيه بـ”الحوت>”؟ فأجابني بصوت خافت وهو ينطق بالهمس: انه الحوت الوحيد القادر على ابتلاع ارزاقنا جميعاً ونحن في بحر هائج يعج بنا نحن الاسماك الصغيرة!!. غادرت سعيد متذكراً تلك الرواية الكلاسيكية للكاتب الاميركي هيرمن ميلفل التي صدرت في العام 1851 وكان عنوانها 🙁 الحوت الابيض) ثم تحولت اليوم الى دراما سينمائية حملت هي الاخرى عنوانا آخر اسمه:( في قلب البحر). حيث جسد الفيلم معاني الرعب في تلك السفينة التي غادرت جزيرة(نانتكر)قبالة مدينة بوستن الاميركية مبحرةً الى اعماق المحيط لصيد الحيتان. وبعد عام على ابحار تلك السفينة قاومها حوت ابيض عمل على تحطيمها ولم ينجُ في نهاية المطاف سوى خمسة من بحارتها حيث قَتل بعضهم البعض ليعتاشوا على جثث قتلاهم بعد ان نفد الطعام وشح الماء واصابهم الجوع والعطش والهذيان. كان الدافع وراء كل تلك المغامرة هو اصطياد الحيتان للحصول على دهونها وتصنيع لحومها وحتى عظامها. واللافت ان احد الناجين من كارثة الغرق اسس من فوره شركة مختصة بعمليات تمويل وتجهيز مستلزمات سفن صيد الحيتان وكانت من طلائع الشركات الاحتكارية الكبرى التي تاسست في ميناء بيدفورد الجديد في اميركا في العام 1859. اذ استطاع ذلك الاحتكار من تحقيق عائد سنوي سريع على رؤوس امواله بلغ 60 بالمئة. ختاما، ادركتُ لماذا اطلق سعيد( ذو الجيب الخاوي) على غريمه فائق (ذو الجيب الممتلئ) عبارة:انه حوت…!!!!!

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى