كن كُفْئًا ولا تبحث عن الشهادة

—-
*
رشيد مصباح(فوزي)
الجزائر
*
كأن الذين تولّوا تربيتنا لم يزوّدونا بما يلزم؛ فهم لم يعلّموننا كيف نفكّر خارج العلبة أو الصندوق، كأن مهمّتهم تقتضي الحفاظ على نمط التفكير ”العقيم“ الذي جعلنا ندور في حلقة مفرغة: [Cercle vicieux].
سنوات من الالتزام والاجتهاد، تحمّلنا خلالها أنواع الصّعاب حرصا على عدم الرّسوب، كانت الغاية من كل تلك تتلخّص في ”دبلوم“ أو ”شهادة“ تمكّننا من العمل. نبحث عن الشهادة ونتغاضى عن الكفاءة، وهي المعيار الأنسب في كل معادلة. الكفاءة هي المعيار الذي يجب أن نقيس به أيّ وظيفة نريد شغلها. وهي شرط كذلك لنجاحنا في الحياة الخاصّة؛ فلن تكون ناجحا داخل الأسرة وخارجها إلّـأ إذا كنت كُفْئًا.
كأن الذين تربّينا على أيديهم لم ينتبهوا لأمر الكفاءة التي هي الأساس في كل تقويم؛ في كل عمل نقوم به أو وظيفة نشغلها، إذا ما أردنا الاطمئنان على مستقبل أوطاننا، وكما يجب أن نلقّن الأشياء المفيدة مثل هذه الميزة لأبنائنا إذا كنا نتمنّى لهم حياةً أفضل وأكفأ.
الكفاءة تتعارض مع الأنانية وحب الذّات، وأنت لستَ كُفْئًا إذا تبنيّت رأيًا وتدرك أنّه يخالف الصّواب. وأنت لستَ كُفْئًا إذا كنتَ تعلم أن هناك من هو أجدر منك بالمكانة أو المنصب ولا تستقيل من منصبك هذا وتترك مكانك لمن هو أكثر منك كفاءة ونزاهة.
قد ننجر أحيانا لشغل وظيفة ما لمجرّد رغبة بعيدة عن الواقع، دون التفكير في العواقب؛ مثل ما حصل لي شخصيّا حين اقتادني النزق والغرور لشغل وظيفة أنا لم أكن أهلا لها فكانت النتيجة أنّني اليوم نادم على تمضية أعوام في العبث خسرتُ فيها كل شيء جميل. لتلتبِس عليّ الأمور فأغدو ”كمهرّج“ يناور داخل حلبة، يقفز هنا وتارة هناك إرضاءً لجمهوره.
”ليس علينا أن نتكلّف لنكون الأجمل.. فنحن بعفويتنا رائعون“ كما قال أحد المغرّدين في صفحته بتويتر (سابقا). تكلّفًا وريّاءً حتى يثبت ”المهرّج“ نجاحه ويقنع جمهوره بأنّه لم يفشل. ويفعل لأجل هذا الشعور بالنّجاح كل شيء، وقد يكون الجمهور في غنى عنه غير مهتمّ به وبما يقوم به من ”تهريج“ و”حركات بهلوانية“ متسبّبا في جلب أنواع الاستهجان والسخرية لنفسه.
أرفع قبّعتي لهؤلاء القوم الذين يسخرون منّا في كل مناسبة، لأنّنا نبحث عن الشهرة والزّعامة بكل الطرق، ونغيّر مبادئنا لأجل ذلك، أكثر من مرّة في اليوم الواحد. وتأمّلوا معي الفروق الواضحة بيننا وبين القوم الذي يسخر منّا؛ في تميّزهم وتواضعهم الجميل وتمسّكهم بمبادئهم… كي تدركوا سر تفوّقهم علينا. ولا تقحموا الدّين في المسألة لأن ديننا جميل و عظيم، لكنّنا لا نعمل به ولا نحكّموه فيما بيننا. بل نحن بعيدون كل البعد عنه، ولا يغرّنكم ما نقوم به من شعائر و”طقوس“ لا تعكس مفهومه الحقيقي.