أصعب فترة في تاريخ العالم قد جاءت !
لافروف: أصعب فترة في تاريخ العالم قد جاءت !
كريم المظفر
المؤتمر الصحفي الكبير الذي يضم جميع الصحفيين المحللين الروس ، والمراسلين الأجانب المعتمدين في وزارة الخارجية والذين يبلغ عددهم باكثر من 500 شخصية إعلامية ، والذي اعتاد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على عقده سنويا ، في بداية شهر ديسمبر / كانون الأول من كل عام ، ومنذ تسلمه مهام منصبه ، تزامن هذا العام ، بالإجراءات الاحترازية الطبية بسبب جائحة كورونا ، ليعقد عبر تقنية الانترنت ، وكذلك متزامنا ، مع افتتاح اجتماع وزراء خارجية الدول الأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، والمقرر في 1 و2 ديسمبر في مدينة لودز البولندية ، حيث رفضت بولندا منح الوزير لافروف تأشيرة الدخول بحجة عقوبات الاتحاد الأوروبي ، وهو ما دفع بالوزير لافروف الى مخاطبة الأوروبيين من موسكو بقوله ، ” ان بولندا حفرت قبرا لـ”الأمن والتعاون”.
وتؤكد الدبلوماسية الروسية، ان الغرب يحاول تنفيذ “استيلاء مهاجم على منظمة الأمن والتعاون في أوروبا” لسنوات عديدة، وأن سلطاتها وكفاءاتها تتآكل بكل طريقة ممكنة، ويتم تفكيكها في أشكال ضيقة وغير شاملة ، وعلى سبيل المثال ، من خلال جهود الاتحاد الأوروبي ، تم إنشاء المجموعة السياسية الأوروبية (EPC) ، وعقد أول اجتماع لها في 6 أكتوبر في براغ ، ولم تتم دعوة روسيا وبيلاروسيا فقط لحضورها ، وبهذا فقد أظهر الغرب برأي الوزير لافروف ، بهذه الطريقة أنه سيبني الأمن ليس مع الاتحاد الروسي ، ولكن ضده.
وثيقة هلسنكي النهائية (الوثيقة التأسيسية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا لعام 1975) ، كانت تعتبر في وقت التوقيع “نذير حقبة جديدة في العلاقات بين الشرق والغرب” ، ومع ذلك ، فشل التنظيم في تحقيق النجاح في إنشاء نظام أمني موحد في المنطقة ، وأضاف رئيس الدبلوماسية الروسية ، أنه تحسبا لنهاية الحرب الباردة ، كان الغرب يأمل في ألا تعود روسيا إلى مواقعها في أوروبا ، والآن سيتم ترتيب كل شيء وفقًا لقواعد الديمقراطية الليبرالية ، وعاد الناتو إلى أولويات الحرب الباردة ، وأشار لافروف إلى أن الغرب قد شوه أهمية منظمة الأمن والتعاون في أوروبا من خلال سياسة الهيمنة التي ينتهجها ، كما قيم الوزير احتمال عودته إلى الحوار مع روسيا الاتحادية بشأن الضمانات الأمنية ، وحدد موقف موسكو من عدد من التحديات الإقليمية.
ووزير الخارجية البولندي زبيغنيو راو ، وصف عام 2022 ، بأنه أصعب عام في تاريخ منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، وهي الآن تواجه للتو أزمة إجماع بسبب الخلافات في مواقف الاتحاد الروسي والغرب بشأن عدد من القضايا ، بما في ذلك ترشيح الرئيس لعام 2024 ، فموسكو لا توافق على أن هذا المكان يجب أن تحتلها إستونيا ، وهي واحدة من أكثر الدول غير الصديقة للاتحاد الروسي ، ويشكو دبلوماسيون غربيون من أن روسيا لم توافق على تمديد تفويض بعثة المراقبة التابعة لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا في أوكرانيا ، ومنعت اعتماد ميزانية المنظمة (138 مليون يورو) لهذا العام.
أن الولايات المتحدة برفضها النظر في المقترحات التي طرحتها موسكو في ديسمبر الماضي بشأن الضمانات الأمنية، قد فوتت فرصة لتفادي التصعيد وأعاد لافروف إلى الذاكرة ، وأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تقدم قبل عام تقريبا بمقترحات جديدة بشأن الضمانات الأمنية تتمثل في مشروعي اتفاقيتين مع كل من الولايات المتحدة وحلف الناتو ، ولكن ونظرا لسعي الغرب الواضح لضم أوكرانيا إلى الناتو، وهو كما كان معروفا للجميع، خط أحمر بالنسبة لروسيا، فقد اقترحت موسكو للدول الغربية التخلي عن توسيع الناتو والاتفاق على ضمانات أمنية محددة وملزمة قانونيا لأوكرانيا وروسيا وجميع الدول لأعضاء في منظمة الأمن والتعاون في أوروبا ، إلا أن الغرب رفض حتى بحث هذه المقترحات وظل يردد مقولة أن “كل دولة ولا سيما أوكرانيا لها الحق في الانضمام إلى الناتو”، متجاهلا مبدأ الأمن المتساوي وغير قابل للتجزئة وعدم جواز ادعاء أي منظمة بالهيمنة في أوروبا.وقال: “بذلك كانت واشنطن قد اختارت في ديسمبر الماضي عدم اغتمام فرصة حقيقية لمنع التصعيد”.
ولا يخفي السياسيون الغربيون حقيقة أنهم يشنون حربًا ضد روسيا ، مستخدمين أوكرانيا ومواطنيها كمواد قابلة للاستهلاك ، وإنهم يضخونها بأسلحة حديثة ، وتحريضها على محاربة روسيا حتى “النصر في ساحة المعركة” ، وقد أعلنوا علنًا ، كما فعل الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ في اليوم الآخر ، أن الطريق إلى السلام في أوكرانيا يكمن من خلال توفير مزيد من الأسلحة الحديثة لها حتى النصر الكامل ، ووفقا للوزير لافروف فإن هناك انقسام في الشخصية وانفصام سياسي ودبلوماسي ، وتعكس مثل هذه التصريحات فقط أن منطق الغرب حول القيم الإنسانية العالمية ، حول مساحة إنسانية واقتصادية واحدة ، حول الأمن من المحيط الأطلسي إلى جبال الأورال ، كان نفاقًا ، ولم يفكر الغربيون في أي علاقات متساوية مع روسيا ، وهذا بيان محزن ، ولكن مراقبة ما يحدث وكيف تتصرف الغالبية العظمى من الدول الغربية تجاه روسيا ، لا توجد استنتاجات أخرى .
أن أصعب فترة في تاريخ العالم برأي وزير الخارجية الروسي قد جاءت ، ولا يمكن إخفاء ذلك ، لكن لا يجب أن تخاف من ذلك أيضًا ، وتحفز المراحل من هذا النوع دائمًا الدبلوماسيين والسياسيين ورجال الدولة على تطوير مناهج جديدة لكيفية الاستمرار في العيش في العالم الحديث ، وبناءً على تقييم شامل لما يحدث ، فمن الواضح أن “العمل” المعتاد مع الغربيين لم يعد ممكنًا ، ويجب على الغرب إعادة التفكير في مكانته ليس فقط فيما يتعلق بالعلاقات مع الاتحاد الروسي ، ولكن أيضًا في السياسة العالمية بشكل عام ، ولا يمكن الادعاء بأن مجموعة من البلدان فقط – أقلية من المجتمع العالمي – هي التي ستحدد المعايير والمعايير والاتجاهات المحددة لحياة الكوكب بأسره ، وفي هذه الحالة ، تشعر روسيا بالقلق إزاء التطور السريع لحلف شمال الأطلسي ، بما في ذلك في سياق الحرب التي شنها الغرب في أوكرانيا والأمن العالمي.
حتى وقت قريب ، كان الجميع مقتنعين بأن الناتو هو تحالف دفاعي ، ولا يشارك إلا في حماية أراضي أعضائه ، وبعد اختفاء الاتحاد السوفياتي وحلف وارسو ، فقد معنى وجود الناتو أيضًا – فقد أرادوا “الدفاع” من المعسكر الاشتراكي بقيادة الاتحاد السوفيتي ، والآن يدعي الناتو أنه يتحمل مسؤولية عالمية ، ولم يعد أحد يتلعثم في الحديث عن “الشخصية الدفاعية” ، وعلى العكس من ذلك ، يُزعم أن الأمن في المنطقة الأوروبية الأطلسية لا ينفصل عن الأمن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ ، وقال سيرغي لافروف مازحا بمرارة: “الآن الناتو سوف” يدافع “في بحر الصين الجنوبي.
أن سياسة الناتو المتمثلة في التوسع الطائش هي التي داست على مبادئ منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وقللت من قيمتها ، وأن التحالف الآن يحرك خط الدفاع أكثر فأكثر شرقا ، وبالنظر إلى الخطاب الذي يبدو من واشنطن وبروكسل وأستراليا وكندا ولندن ، أصبح بحر الصين الجنوبي الآن إحدى تلك المناطق التي لا ينفر فيها الناتو ، كما فعلوا في أوكرانيا ، من تصعيد التوتر ، وأشار الوزير لافروف إلى استراتيجية الولايات المتحدة لتشكيل جمعيات عسكرية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ، وعلى سبيل المثال ، يتم الآن دعوة نيوزيلندا وكوريا الجنوبية واليابان بنشاط إلى AUKUS ، وأنه ردا على خلق الناتو وضعا متفجرا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ ، تعمل روسيا والصين على تعزيز التعاون العسكري وإجراء التدريبات المشتركة.
كما أن بكين وموسكو اليوم لا تعترفان بسياسة القوة الغاشمة، وكذلك بالهيمنة أحادية القطب ، وهو ما عبر عنه وزير الخارجية الصيني وانغ يي ، وتعمل الصين وروسيا معا على تعزيز عالم متعدد الأقطاب، وهما لا تعترفان بالهيمنة أحادية القطب، وتدعمان معا وبإصرار نظام العلاقات الدولية، التي تشكل الأمم المتحدة جوهرها، والنظام العالمي القائم على القانون الدولي، وهما لا تعترفان بسياسة القوة الغاشمة ، في حين اعتبر بيان وزارة الخارجية الصينية ، بان “هذا الموقف في الجانب الصحيح من التاريخ ويتوافق مع اتجاهات التنمية في الوقت الحاضر”.
ان احتمال عودة الغرب لمناقشة مقترحات روسيا بشأن الضمانات الأمنية ، تناقضها بشكل كبير الخطوات الحالية للتحالف مع احتمالات استئناف الحوار ، و “إذا أدرك الشركاء الغربيون أخطائهم” بحسب تعبير وزير الخارجية الروسي ، فإن موسكو ستكون مستعدة للعودة إلى الحديث ، لكن الوزير يشك في “أنهم سيجدون القوة والذكاء للقيام بذلك” ، لأن التعاون الأمني مع الدول الغربية لن يكون ممكنًا إلا بناءً على مبادئ جديدة أساسية للتفاعل.
وعلى ما يبدو، فإننا اليوم أمام حقيقة ،هي أن الصين وإيران وروسيا ، باتت تشكل “مثلثا جديدا” في الدبلوماسية الدولية ، وأن هذه الصيغة ، برأي مندوب روسيا الدائم في المنظمات الدولية بفيينا ميخائيل أوليانوف ، “يمكن أن تتوسع بسهولة”، لأن هناك كثيرا من الدول (بل ربما معظمها) تؤيد وجود عالم متعدد الأطراف وتعارض محاولات إبقاء العالم أحادي القطب على قيد الحياة بأي ثمن.