أسباب رفض بشار الأسد اللقاء بأردوغان
د. محمود عباس
إشراك المعارضة في السلطة بالنسبة لبشار الأسد وحاشيته، تعني تغييره أو التحضير لذلك، وهي المرحلة السابقة للقضاء على نظامه، أي دمار المكون العلوي ومنطقتهم، بغض النظر عن الادعاءات الوطنية والتعامل مع بعض الشخصيات العلوية المعارضة تحت منطق: للضرورة أحكام، وهو ما لن يقبل به الرئيس المجرم والشريحة المحاطة، ولا المكون العلوي الداعم، وعلى أسسها يضع الشروط المسبقة قبل أن يقبل التطبيع مع أردوغان الداعم للمنظمات التكفيرية السنية والتي تخدم مصالحه في المنطقة.
وليحافظ على الشرخ بينه وبين أردوغان، الذي كان يصفه حتى قبل فترة بمجرم سوريا، يضع شرط خروج القوات التركية في مقدمة الطلبات؛ التي يجب أن تنفذ قبل البدء بالحوارات على مستوى الرئاسة، ولبلوغ هذه المرحلة؛ بدون سحب قواتها من سوريا وتبرير وجودها:
1- تستمر تركيا بالضغط وبمساعدة روسيا، والتواصل على مستويات إدارتي الأمن والخارجية.
2- تقوم تركيا بتصعيد القضية القومية، أو لنقل نقل الصراع على السلطة إلى حيث تقاطع المصالح القومية بينهم، المعادية للقضية الكوردية.
لكن بشار الأسد يرى أن الصعود الكوردي في غربي كوردستان يعني، بعكس المعارضة التكفيرية، التغيير في الدستور؛ وشكل النظام وليس حكما إسقاط السلطة، وكسلطة شمولية وحفاظا على وجوده، يفضل الأولى على الثانية، أي التعامل مع الكورد وليست المعارضة، لكنه وعلى خلفية الإملاءات الخارجية، ومنها الروسية والتركية حصراً، الباحثان في طرق القضاء على قوات قسد ومن ثم الإدارة الذاتية كمدخل للطعن في الوجود الأمريكي، الإشكالية التي تتقاطع على عتباتها المصالح التركية وسلطة بشار الأسد والروسية والإيرانية، على الأرجح سيقبل الطلب التركي، ويعوم الصراع القومي، مع ضمانات روسية إيرانية في عدم التعرض لسلطته وتعويم المعارضة التكفيرية، ورغم هذا التحشيد ضد الكورد تحت غطاء الإدارة الذاتية، لا تقدم أمريكا ما يتوجب عليها لمواجهة هذه المحور، إما لأنها لا تجد خطراً على حضورها ومصالحها، أو أنها لا تزال تأمل في إعادة العلاقات بينها وبين تركيا كدولة في الناتو.
الإستراتيجية التي يستند عليها المتربصون بالكورد وفي مقدمتهم تركيا وإيران، وهي أن الكورد انفصاليون، وأن حراكهم يعمل على تقسيم الدول الإقليمية، وتعني المحتلة لجغرافية كوردستان، ولتوطيدها قاموا بالدعاية لها طوال القرن الماضي، إلى أن أصبحت مسلمة في الشارع العربي والتركي والفارسي، بل وأقنعوا بها العديد من الدول الإقليمية والعالمية، دون دراستها في مدى صحتها ومصداقيتها، والأغرب أن الدول الكبرى تغاضت عن هذا المفهوم الخاطئ، بل واستندوا عليه ليضعوا ثلاثة أحزاب كوردستانية ضمن قائمة الإرهاب.
وعلى أثرها حجموا علاقاتهم مع الكورد، ولم يقتربوا من القضية إلا من خلال الأروقة السرية، وبحذر شديد، ورغم أن العديد من محلليهم قدموا دراسات فصلوا بين حق الأمة الكوردية في دولتهم، وبين ما ينشر من قبل أعدائهم، لكن مع ذلك فضلت إداراتهم السياسية والدبلوماسية مصالحهم على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وهو ما أدى إلى تعقيد القضية الكوردية مع الزمن، وتفاقمت الخلافات بينهم ومحتليهم، لتصبح إحدى أصعب القضايا القومية-السياسية في العالم، وعصية على الحل، على الأقل من خلال منظورهم.
وعلى الأغلب أن هذه الإشكالية كانت من العوامل التي دفعت بروسيا التحول من الدعم للكورد في السنوات الأولى من الحرب الأهلية السورية، إلى دعم النظام، وترجيح مصالحها مع تركيا وإيران على علاقتها مع الكورد، كما ونهجت أمريكا في البدايات تكتيكا مشابها رغم أنها لم تجد غير القوى الكوردية أداة متحالفة لتسيير مخططها ضد الإرهاب في المنطقة.
ومن الغرابة في البعد الإنساني وليس السياسي، رغم كل ما قدمته القوات الكوردية في هذا المجال والتي توقفت عليها أمن أمريكا وأوروبا، لا تزال مترددة في الاعتراف السياسي بها أو الاعتراض على الاعتداءات التركية المتكررة على المنطقة، ولم تعير أي انتباه للطلب الكوردي بوضع حظر جوي فوق غربي كوردستان، وتستمر بعدم المبالاة على جرائم أردوغان المستمرة، رغم احتمالية تعرض مصالحها الإستراتيجية إلى الطعن، والأسباب هي كما نوهنا في السابق.
ومن المؤسف هنا غياب الدبلوماسية الكوردية لتحث الدول المعنية بإعادة النظر في سكوتها الرمادي من مجريات الأحدث على جغرافية كوردستان، وتوضيح غاية تركيا وإيران من هجماتهما الإرهابية الشنيعة على جزأي كوردستان، وعرضهم قوات حماية الشعب وقسد والإدارة الذاتية حجج للتمادي في جرائمهم.
كما ولإتمام الخطة الإجرامية، يزيدون الضغوطات على بشار الأسد، ويخيرونه بين البقاء في السلطة أو عزله؛ ومعه حاشيته، ويدفعون به لإعادة حساباته وربما البحث عن الإشكالية التي نوهنا إليها. يأملون منه؛ ولئلا يضعف المكون العلوي، الرضوخ لمتطلباتهم، والتي لا تعترضها روسيا بشكلها العام من أجل مصالحها الإستراتيجية، فيتوقعون أن يتنازل عن البعد السياسي، مع البقاء في السلطة، وترجيح القومية العربية، وهو ما تريده روسيا كمادة للتمدد في الشرق الأوسط، أي بما معناه منافسة أمريكا في المنطقة، والأدوات هي تركيا وإيران والنظام، مع تأكيدات تركية على أنها ستذيب المعارضة، على الأقل العسكرية، مع الاحتفاظ بمجموعات تخدم النظام أكثر مما تعارضه، وتكون جاهزة للهجوم على الكورد.
عمليا الكورد، بهذه الحالة، أمام تكرار ما تم قبل قرن من الزمن، يوم خلقت فرنسا وبريطانيا مفهوم الوطن العربي ومن ثم القومية العربية تحت غطاء الإسلام، ليتمكنوا من القضاء على الإمبراطورية العثمانية، وحينها ساهم فيها بشكل غير مباشر السلطان عبد الحميد، واليوم يقوم بها أردوغان، وفي الحالتين تم استخدام المكون العربي الإسلامي المتطرف، كأدوات سهلة التسيير؛ لخلق الصراع القومي في الشرق الأوسط، وتم تهميش الكورد.
لا شك النظام السوري المجرم، له خبرة في مثل هذه المؤامرات، يدرك ما تنويه تركيا، ويعلم أنها لن تقضي على أدواتها، بل ستضعفها إلى أن تتخلص وبمساعدة إيران والنظام من القضية الكوردية في غرب كوردستان بتحريك الصراع القومي، لتعود بعدها إلى إحياء المعارضة التكفيرية السنية، وتحريك الصراع المذهبي ثانية، ومن خلاله ضرب السلطة العلوية وبشكل غير مباشر الوجود الإيراني، مثلما يعملان معا على إخراج تركيا من سوريا، والقضاء على أدواتها، وفي هذه المعادلة ستبحث روسيا، فيما إذا ظلت لها ثقلها الدولي، ولم تخسر مكانتها كقوة عالمية في حربها الجارية، إما على الحياد أي خارج الصراع، أو أنها ستقارن بين ثقل مصالحها وستضطر إلى الاختيار بين الطرفين.
وهنا وفيما إذا نجحت تركيا في مساعيها، ستكون أمريكا الخاسر الأكبر، بخسارة أصدق وأقوى أدواتها في المنطقة وفي محاربة الإرهاب، وهي القوة الكوردية، ولن يكون سهلا إيجاد بديلهم خاصة وأن مفاهيم ومنهجية المنظمات الإسلامية الإرهابية منتشرة بين المجتمع العربي بشكل مرعب. فكما ذكرنا سابقا ولمرات، أن أمريكا والكورد ربحوا الحرب عسكريا، لكن داعش وأشباهها ربحوا ثقافيا واجتماعيا، ومناظر شوارع مدن الشرق الأوسط أكبر إثبات.
ولأن المعادلة واضحة لدى الأمريكيين والروس، لذلك فكلاهما وحتى الأن لا يسمحون لتركيا بالاجتياح البري، كل بأساليبهم الخاصة، وإن تم الهجوم البري ستكون بعد التنازلات اللوجستية من قبل تركيا، والمطالب الروسية أكثر وضوحا، فهي تطالب بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر سوجي 15 أي سحب الأسلحة الثقيلة من المنظمات الإرهابية، وسحبهم إلى شمال الخط الدولي م 4، ومن ثم دفع المعارضة بالحوار مع النظام. والأمريكية معروفة أيضا، ولكنهما يملكان صوتا خافتا على خلفية حاجتهما لها في الصراع الجاري، ولإدراك تركيا لهذه، تنتقل من بين خططها المتعددة ولا ترخي من تحركاتها الدبلوماسية، للحصول على ما تنويه، وهي احتلال المنطقة ما بين كري سبي وعفرين، أي مناطق كوباني وتل رفعت والمنبج، لتوصل بين المناطق الشمالية، وتسيرها بنفس طريقة إدارتها لشمال قبرص.
عمليا نجاح تركيا خسارة لروسيا وأمريكا معا، وضربة قوية لإيران والنظام، قبل أن تكون نهاية للإدارة الذاتية والقضية الكوردية في غربي كوردستان، وبالتالي على الأرجح الدولتين الكبيرتين سيمنعانها وربما سيحاربانها بطرق مختلفة، بعكس النظام وإيران، قد يتفقان، ولكن على مضض على خلفية واقعهم الجاري، ليظهر الصراع ثانية بعد فترة. ولهذا يتطلب من الكورد العمل قدر المستطاع على توضيح هذه المعادلة لمسؤولي الدول الكبرى، وتكرار ما تنويه تركيا لهم، حتى ولو كانوا يعلمون.
د. محمود عباس
الولايات المتحدة الأمريكية