يوم الأسير الفلسطيني

          أسامة خليفة

        باحث في المركز الفلسطيني للتوثيق والمعلومات «ملف»

يوم الأسير، اليوم الوطني للوفاء لمن ضحوا بحريتهم من أجل حرية وطنهم، ببذل الجهود وإقامة الفعاليات لنصرة قضيتهم، والتأكيد على حقّهم المشروع في الحرية، والذي يعتبر جزءاً من حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وتحقيق أهدافه المشروعة بالحرية والاستقلال والعودة وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، تبني قضية الأسرى ورعايتهم والدفاع عنهم يشكل التزاماً وطنياً، وقانونياً، وإنسانياً، وأخلاقياً ينسجم مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني والاتفاقيات والقرارات الدولية.

وبينما تتواصل تظاهرات أهالي الأسرى الإسرائيليين في تل أبيب للمطالبة بإعادة الأسرى بأي ثمن عبر صفقة تبادل مع المقاومة الفلسطينية، التي تطالب بربط تبادل الأسرى بوقف العدوان على الشعب الفلسطيني ووقف إطلاق النار الدائم، وانسحاب جيش الاحتلال الكامل من قطاع غزة، يصر نتنياهو رئيس وزراء اسرائيل على استرجاع الأسرى عبر عملية عسكرية وهو ما فشل به عبر أكثر من ستة شهور، وقد قتلت قنابل اسرائيلية عدداً من الأسرى لدى المقاومة, 

وإزاء السياسة الإسرائيلية المستمرة في التنكيل بالشعب الفلسطيني، التي بيّنت ألا سبيل للإفراج عن أسرانا عبر المفاوض، ولا جدوى غير خيار المقاومة من عمليات أسر جنود الاحتلال الإسرائيلي لعقد صفقات تبادل لا تستثني أي أسير سواء أسرى القدس أو فلسطينيي الـ«48». وكل وسائل الإفراج السلمية القانونية والحقوقية والإنسانية والسياسية، التي تصطدم بتعنت العدو، لن تُحرر الأسرى، لقد أمتنع العدو عن إطلاق سراح الأسرى بعد التوقيع على اتفاقيات أوسلو كاستحقاق بديهي لأي تسوية سياسية، وكان يفترض أن تؤدي عملية السلام إلى تبييض السجون كبداية لمرحلة جديدة، لم ينفع التأكيد على حقوقهم المشروعة في إطلاق سراحهم ولم يضغط أحد على إسرائيل لتحرير الأسرى، حتى في صفقات التبادل لم تلتزم إسرائيل بتعهداتها، وأعادت اعتقال الأسرى المحررين، وما زالت ترفض إطلاق سراح أسرى صفقة شاليط.

أصبح أسر جنود العدو الأمل الحقيقي بتحقيق الحرية لأسرانا، والوسيلة الوحيدة لإنجاز هذا المطلب الوطني المهم، من هنا لا يستوي الحديث عن حرية أسرانا البواسل دون الحديث عن أسر جنود الاحتلال، وإن أسموا أسراهم «رهائن أو محتجزين»، تطلق مصلحة سجون الاحتلال على الأسرى الفلسطينيون مصطلح «السجناء الأمنيين»، الذي يشير إلى الفلسطينيين المسجونين لدى الاحتلال في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، تستند أحكام الأسرى الفلسطينيين عادة إلى اتهامهم بأنهم «أعضاء في منظمات غير قانونية» من بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وحماس والجهاد الإسلامي، التي يشار إليها كمنظمات معادية وغير شرعية، ومجرد الانتماء إليها تهمة تستوجب السجن لسنوات، وإن لم يخطط أو يشارك أعضاؤها في أعمال «تخريبية» والمقصود فعاليات النضال الوطني الفلسطيني.

الأسرى في المعنى يدل على سجناء الحروب من المشاركين الفعليين في القتال، والشعب الفلسطيني يخوض حرب تحرير وطني، من الطبيعي أن يقع في قبضته أسرى من جنود وضباط العدو، ومن الطبيعي أن يقع من بين صفوفه أسرى لدى العدو، لكن في الحالة الفلسطينية كمجتمع واقع تحت الاحتلال يصبح مصطلح «معتقلين فلسطينيين» أكثر ملائمة ينطبق على السجناء في زنازين العدو على الخلفية الوطنية، ومعظمهم ليسوا ممن حمل السلاح، بل لا تهمة تنسب لهم يتم توقيفهم بسببها، حيث تعتبر جريمة الاعتقال الإداري التعسفي أبرز الجرائم التي صعّدت سلطات الاحتلال من تنفيذها، والتي طالت كل شرائح المجتمع الفلسطيني، الأطفال، والنّساء، وكبار السّن، والمرضى، بعد السابع من تشرين الأول الماضي بلغت حالات الاعتقال أكثر من (5500)، من بينها (355) طفلا، و(184) امرأة، تشمل النساء ممن اعتقلن من أراضي عام 1948، وأشارت وكالة الأنباء الفلسطينية وفا وهيئة شؤون الأسرى ونادي الأسير، أن سلطات الاحتلال بتاريخ 11 نيسان 2024 أصدرت وجدّدت أوامر الاعتقال الإداري بحق 74 معتقلاً، بينهم معتقلتان.

يذكر أن الكنيست الإسرائيلي في كانون الثاني / يناير 2018 قد صادق في قراءة تمهيدية على مشروع القانون الذي يقضي بفرض عقوبة الإعدام على أسرى فلسطينيين أدينوا بقتل إسرائيليين، مشروع القانون من إعداد وتقديم زعيم حزب «القوة اليهودية»، ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، وقد سبق ذلك وقبل تقديمه للهيئة العامة للكنيست، مصادقة اللجنة الوزارية لشؤون التشريع على مشروع القانون، في إطار صفقة تشكيل الائتلاف الحكومي برئاسة زعيم حزب الليكود بنيامين نتنياهو أواخر 2022.

وعدم إقرار قانون الإعدام حتى الآن لم يمنع مصلحة سجون الاحتلال من القيام بإعدام المناضلين الفلسطينيين، إذ ارتفع عدد الشهداء في سجون الاحتلال إلى  خمسة عشر شهيداً، منذ بدء العدوان على شعبنا في السابع من شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، وباستشهاده عميد الحركة الأسيرة المفكر وليد دقة ترتفع حصيلة شهداء الحركة الأسيرة منذ عام 1967 إلى 252 شهيداً، نتيجة قيام سلطات الاحتلال بأبشع وأفظع الجرائم الإنسانية، وأبرزها جريمة الإهمال الطبي «القتل البطيء»، التي تشكّل اليوم أبرز هذه الجرائم، وكان من بين ضحايا الإهمال الطبي، الشهيد أحمد أبو علي من الخليل، الذي استُشهد في شهر شباط/ فبراير من العام الجاري. ومساء يوم الأحد 7 نيسان 2024، استشهد الأسير القائد الوطني المفكر وليد دقة «62 عاماً» الذي أمضى بمعتقلات الاحتلال 39 عاماً، جرّاء سياسة الاهمال الطبي المتعمد التي تتبعها إدارة سجون الاحتلال بحق الأسرى المرضى، وكانت محكمة الاحتلال، رفضت في شهر آب/ أغسطس من العام الماضي الإفراج المبكر عن الأسير المريض وليد دقة، وقبل نحو عشر سنوات جرى تشخيص إصابته بمرض سرطان الدم، تُرك دون علاج جدي حتى تدهورت حالته الصحية مما أدى إلى بسرطان التليف النقوي. رغم مرضه تعرض الأسير دقة للعزل الانفرادي، والنقل التعسفي وغيرها من أساليب التنكيل واستهداف إصدارته من الكتب والدراسات والمقالات.

تشكّل عمليات الاعتقال أبرز السّياسات الممنهجة والممارسات اليومية في الضفة الغربية ولا سيما في مدينة القدس، وقد نشّطت سلطات الاحتلال حملات الاعتقال عمليات التوغل في المدن والمخيمات والقرى الفلسطينية بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وحسب وكالة «وفا» بلغ إجمالي عدد المعتقلين في سجون الاحتلال حتى نهاية شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023 (8800)، ويبلغ عدد الإداريين (3291)، ما يعني أن إجمالي عدد المعتقلين زاد بـ 3550 أسيراً عن عدد المعتقلين في السجون ما قبل السابع من تشرين الأول، كما أن عدد الإداريين زاد 1971 معتقلاً.

في الضفة الغربية، نحو 11 ألف مواطن، تعرضوا للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيليّ خلال عام 2023، نصفهم بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر. حالات الاعتقال بين صفوف النساء بلغت (300) حالة، فيما بلغ عدد حالات الاعتقال بين صفوف الأطفال (1085). حالات الاعتقال بعد السابع من تشرين الأول الماضي بلغت أكثر من (5500)، من بينها (355) طفلا، و(184) امرأة، تشمل النساء ممن اعتقلن من أراضي عام 1948.

لا تشمل هذه الإحصائيات معتقلي غزة بعد السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، إذ لم تكشف سلطات الاحتلال عن أعدادهم ومصيرهم وظروف اعتقالهم فهم يتعرضون للإخفاء القسري ويمنع المحامين والصليب الأحمر من زيارتهم، وهو ما يعتبر ضمن جريمة حرب بحسب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ومنذ أحداث السابع من أكتوبر عملت سلطات الاحتلال وإدارة سجونها على تطوير المزيد من أدوات التّنكيل، بحق أسرى فلسطين، وهم صامدون حتى تحقيق النصر والفوز بالحرية والاستقلال.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى