مشروع أوراسيا العالمي الضخم

كاظم فنجان الحمامي

سوف نتحدث عن الممر الدولي الجديد الذي يطلقون عليه اسم: (International North–South Transport Corridor)، ويختصرون التسمية بالاحرف (INSTC). .
وهو من أشهر الممرات الدولية المخصصة للنقل العابر، وأكثرها تطوراً وأهمية. .
ولدت فكرة هذا المشروع عام 2002، عندما قررت روسيا وإيران والهند تحديث شبكات السكك الحديدية وربط الطرق البرية وخطوط الشحن البحري في خرائط معلنة، وبتسهيلات حدودية غير مسبوقة، حتى بلغ الطول الاجمالي للشبكة حوالي 4500 ميلاً في نطاق ستة بلدان أوراسيوية، وتستفيد منها سبعة بلدان أخرى، فتغيرت مذاك قواعد اللعبة الدولية في التجارة العالمية. .
يهدف المشروع إلى خفض تكاليف الرحلات بنسبة تصل إلى الثلث، واختزال وقت الشحن بمقدار النصف، وضمان روابط تجارية مباشرة وساخنة بين آسيا وأوروبا. .
اعتمد المشروع بالأساس على شبكات النقل في طهران وموسكو ونيودلهي، ولهذه الشبكات القدرة على تحويل التجارة بين أوروبا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى من خلال الاستفادة من الطرق المارة بنحو 11 دولة أخرى. .
وقد انضمت عام 2003 كل من: أذربيجان وأرمينيا وبيلاروسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركيا وسلطنة عمان وسوريا وأوكرانيا كشركاء في المشروع، بينما اقتصر دور بلغاريا كمراقب. .
يتألف المشروع من ثلاثة محاور أساسية:-

• طريق بري وبحري، يعرف بإسم (الممر العابر لبحر قزوين). ويمتد من شمال روسيا، ويمر عبر بحر قزوين حتى يصل إلى جنوب إيران، ثم يعبر مضيق هرمز براً، ويتجه إلى بحر العرب أو المحيط الهندي. وقد تم استخدامه لأول مرة عام 2022 . .
• الفرع الغربي: وهو طريق بري لخطوط السكك الحديدية والطرق البرية. يمتد من شمال روسيا ويتجه جنوباً عبر أذربيجان إلى شمال إيران، ثم إلى موانئ الخليج العربي. لكنه لم يكتمل حتى الآن. .
• الفرع الشرقي: ويتألف أيضاً من خطوط السكك الحديدية والطرق البرية، ويمتد من شمال شرق روسيا عبر كازاخستان وتركمانستان إلى إيران ومنها إلى الهند. وقد تم استخدامه لأول مرة عام 2022. وسيساعد هذا الفرع على تنوع تدفقات حركة المرور العالمية بشكل كبير، ويوفر فوائد اقتصادية واضحة، بالإضافة إلى التشغيل المكثف لموانئ روسيا وإيران والهند، وسيساعد في تحسين الأعمال التجارية ذات الصلة وتسهيل نموها. وسيخلق فرص عمل، ويحسن مناخ الاستثمارات في كل من روسيا وإيران والهند. .

سجلت الحركة التجارية السنوية عام 2022 في جميع تفرعات هذا الممر نقل 20 ألف حاوية محملة بالنفط والحبوب والأخشاب والمعادن. بلغ مجموعها أكثر من 8 ملايين طن، بزيادة 65 % عن عام 2021، وذلك في ضوء ما جاء بتقارير وزارة النقل الروسية. وكان لهذا الممر الدور الحاسم في تغيير خرائط النقل العابر في تلك المنطقة. وعلى الرغم من هذه النتائج المقبولة إلا ان المشروع ظل دون مستوى الطموح، ومن المؤمل ان تكون له القدرة على تسهيل طرق التجارة الحالية. آخذين بعين الاعتبار ان هذا الممر لم يكن يحظى بالأولوية القصوى بالنسبة لروسيا قبل هذا التأريخ. حيث كان النشاط التجاري غير منتظم في العقود الماضية. وقد وجهت إيران انتقاداتها المباشرة في أوائل عام 2022 إلى موسكو بسبب فشلها في تطوير موانئها في بحر قزوين بما يضمن تفعيل التبادل التجاري بين البلدين. وكان للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران الأثر السلبي في تردد البلدان الاخرى التي كانت تخشى من شمولها بالعقوبات المالية الأمريكية. الأمر الذي أضطر إيران إلى البحث عن طرق بديلة للالتفاف على العقوبات، فاختارت التعامل المباشر مع المدن الروسية الواقعة على نهر الفولغا. وانفقت حتى الآن 13 مليار دولار، في حين سعت روسيا في البحث عن شركاء تجاريين، وذلك بعد فقدانها الوصول إلى الأسواق الأوروبية بسبب غزوها لأوكرانيا. فانخفضت وارداتها من اوروبا عام 2022 بمقدار النصف، وانخفضت واردات أوروبا من روسيا أكثر من ذلك. فتوجهت روسيا نحو تسهيل إجراءات النقل عبر إيران لشحن منتجات البترولية والحديد والمعادن الخام الأخرى والأخشاب إلى جنوب آسيا المتعطشة للطاقة. وبحلول عام 2022 خصصت روسيا أكثر من 13 مليار دولار لنحو 52 مشروعاً للبنى التحتية في هذا الممر الحيوي. وفي مايو 2023 وقع بوتين اتفاقية لتوفير 1.7 مليار دولار لدفع تكاليف خط سكة حديد تربط إيران بأذربيجان، وهو الخط الرئيس على طول هذا الممر. ومع ذلك واجه المشروع مجموعة من العقبات الجيوسياسية والاقتصادية واللوجستية. .

لأكثر من قرن كان لروسيا طريقان معقدان وطويلان، تستغرق فيهما رحلات التصدير من 40 إلى 60 يوماً للوصول إلى الشرق الأوسط وجنوب آسيا. ينطلق أحدهما من موسكو أو سانت بطرسبرغ شمالاً إلى بحر البلطيق، ويتجاوز أوروبا إلى البحر الأبيض المتوسط وعبر قناة السويس وصولاً إلى البحر الأحمر، ومن ثم الالتفاف حول شبه الجزيرة العربية ومنها إلى موانئ المحيط الهندي. .
وينطلق الآخر براً عبر أوروبا إلى جنوب آسيا، ثم من موانئ البحر الأبيض المتوسط وصولاً إلى قناة السويس. .
اما بخصوص طريق (INSTC) فقد بدأت أولى الرحلات الحقيقية لاختباره في عام 2014، وتواصلت الاختبارات برحلات نمطية خفيفة وبتصاعد تدريجي. وفي حزيران 2022 بدأت الرحلات من سانت بطرسبرغ، وتوجهت جنوباً بالسكك الحديدية مروراً بموسكو ثم إلى مدينة مدينة أستراخان الساحلية الروسية على بحر قزوين. وواصلت الرحلة مسيرتها عن طري السفن عبر أكبر بحيرة في العالم (بحر قزوين) إلى ميناء أنزلي الإيراني. ثم انتقلت البضائع براً من شمال إيران عبر أصفهان وشيراز إلى ميناء بندر عباس الجنوبي لنقلها بالسفن إلى ميناء (نهافا شيفا) بالقرب من مومباي في الهند، واستغرقت الرحلة 24 يوماً. .
وندرج لكم في ادناه التحولات المحورية في الجدول الزمني:-

• في 12 أيلول 2000: أنشأت إيران وروسيا والهند ممر النقل الدولي بين الشمال والجنوب خلال المؤتمر الأوروبي الآسيوي حول النقل في سانت بطرسبرغ. واتفقوا على مواصلة التعاون في مجال النقل بين الدول الأعضاء. وقررت الدول الثلاث ربط المحيط الهندي والخليج العربي ببحر قزوين عبر إيران بسانت بطرسبرغ وشمال أوروبا عبر الاتحاد الروسي. .
• في 16 مايو 2002 دخلت اتفاقية الممر الشمالي الجنوبي حيز التنفيذ بعد مصادقة إيران وروسيا والهند. .
• في 6 ايلول 2003 أنضمت كازاخستان إلى الاتفاقية. .
• في 10 كانون الثاني 2004 انضمت بيلاروسيا إلى الاتفاقية. .
• في 8 ديسمبر 2004 انضمت سلطنة عمان إلى الاتفاقية. .
• في 8 ديسمبر 2005 انضمت طاجيكستان إلى الاتفاقية. .
• في 12 كانون الثاني 2006 انضمت أذربيجان إلى الاتفاقية. .
• في 22 شباط (فبراير) 2006 انضمت سوريا إلى الاتفاق . .
• في 11 أبريل 2006 انضمت بلغاريا إلى الاتفاقية. .
• في 13 أبريل 2006 انضمت أرمينيا إلى الاتفاقية. .
• في شهر مارس 2014 نقلت الهند حمولة صغيرة من ميناء (نهافا شيفا) بالقرب من مومباي إلى أستراخان في روسيا. .
• في 3 ديسمبر 2014 أعلنت تركمانستان وكازاخستان وإيران عن افتتاح خط سكة حديد بطول 578 ميلاً لربط مدن أوزن في كازاخستان، وبركات في تركمانستان، وجورجان في إيران. .
• في 8 أغسطس 2016 تعهد رؤساء إيران وروسيا وأذربيجان بتعزيز التعاون الاقتصادي واستكمال مراحل الممر بين الشمال والجنوب. .

• في ديسمبر 2017 أعلنت أذربيجان عن تشغيل تجريبي لخط سكة حديد أستارا – أستارا (Astara-Astara) وهو جزء قصير من الممر الذي يربط مقاطعة أستارا الأذربيجانية بمدينة أستارا الساحلية الإيرانية، وطول السكة الحديدية حوالي خمسة أميال داخل أذربيجان وميل واحد داخل إيران. .
• وفي 13 نيسان 2017 نقلت الهند اولى الشحنات من ميناء (نهافا شيفا) عبر بحر العرب إلى بندر عباس في إيران، ومن ثم تم نقلها براً إلى ميناء بندر أنزلي على بحر قزوين، ثم تم شحنها إلى ميناء أستراخان في روسيا. .
• وفي عام 2018 نقلت إيران حوالي 11 مليون طن من البضائع عبر هذا الممر. .
• وفي 6 آذار 2019 افتتحت إيران خط سكة حديد (قزوين – رشت)، وهو بطول 109 أميال يربط بين مدينتي قزوين ورشت في شمال إيران، وهو جزء مهم من الممر الشمالي الجنوبي. .
• وفي 18 كانون الثاني 2021 وقعت إيران وأذربيجان اتفاقية لتوسيع التعاون في مجال السكك الحديدية. وكان الهدف زيادة حجم البضائع المنقولة بين البلدين من 480 ألف طن عام 2020 إلى مليوني طن سنويا في المستقبل. .
• وفي تشرين الأول 2021 اقترحت الهند ربط ميناء تشابهار الواقع جنوب شرق إيران على خليج عمان بالممر الشمالي الجنوبي. والتزمت الهند باستثمار 85 مليون دولار في الميناء، والذي يمكن أن يربط الهند بأفغانستان وآسيا الوسطى عبر إيران مع تجاوز منافستها الإقليمية باكستان. .
• وفي كانون الثاني 2022 توصلت إيران إلى اتفاق مع روسيا لفتح خط ائتمان بقيمة 5 مليارات دولار لتمويل العديد من مشاريع البنى التحتية في إيران، بما في ذلك بناء خط (رشت-أستارا) الذي يربط بين أذربيجان وإيران. .
• وفي 11 حزيران 2022 نقلت روسيا أول شحنة لها عبر بحر قزوين إلى إيران ومن ثم بحراً إلى الهند. استغرقت الرحلة 24 يوماً. .
• وفي 22 آب 2022 وقعت سلطات الجمارك لكل من أذربيجان وإيران وروسيا مذكرة لتسهيل الشحن بين الدول الثلاث. وكانت تهدف إلى تعزيز وتبسيط وتسريع الإجراءات الجمركية. .
• وفي أيلول 2022 اعلنت تركمانستان عن انضمامها للاتفاقية. .
• وفي تشرين الثاني 2022 أعلنت إيران أنها استثمرت 10 ملايين دولار في ميناء أستراخان الروسي. واستخدمت روسيا الأموال لتطوير الميناء وشراء سفن قادرة على حمل 270 حاوية. .
• وفي مارس 2023 اقترحت أرمينيا إنشاء ممر بين الخليج العربي والبحر الأسود لربط الهند بروسيا وأوروبا وإزالة أذربيجان من الممر الحالي. .
• وفي 20 نيسان 2023 اجتمع وزراء خارجية أرمينيا وإيران والهند في يريفان لمناقشة تعميق العلاقات التجارية والاقتصادية. .
• وفي مايو 2023 وقع الرئيس الروسي والرئيس الإيراني اتفاقية لتمويل خط سكة حديد رشت أستارا، باعتباره يمثل الحلقة الرئيسية المفقودة في المشروع. وسيرتبط خط السكة الحديد، الذي يبلغ طوله 100 ميل، إيران وأذربيجان. وتعهدت روسيا باستثمار 1.6 مليار يورو (1.7 مليار دولار) في البناء، بينما تسعى إيران لاستثمارات لتغطية حصتها من المشروع بنحو 4.6 مليار يورو (5 مليارات دولار). كان الهدف هو استكمال البناء في غضون أربع سنوات. .
  إلى هنا انتهت هذه الحلقات، وسوف نتكلم في حلقات اخرى عن ثمار هذا المشروع العابر للقارات. .