أحوال عربيةالمغرب الكبير

هل سترفع ليبيا علم إسرائيل على أراضيها ؟

هل سترفع ليبيا علم إسرائيل على أراضيها ؟

الدكتور خيام الزعبي- باحث أكاديمي في العلاقات الدولية

عاد المشهد الليبي إلى الواجهة من جديد، حيث تتجه إسرائيل اليوم نحو إفريقيا لإقناعها بمشروع السلام في المنطقة، وفي المرحلة الحالية، تروج وسائل الإعلام الإسرائيلية بتطبيع ليبيا علاقاتها مع الكيان الصهيوني، حيث أشارت صحيفة “إسرائيل هيوم” إلى اقتراب ليبيا من تطبيع علاقاتها بـ”إسرائيل”، إلى جانب حديث اللواء المتقاعد، خليفة حفتر، أكثر من مرّة، بشأن التوصل إلى اتفاق تطبيع معها، وتأكد ذلك بعد اللقاء الذي جمع، في روما، وزير الخارجية الإسرائيلي إيلي كوهين مع نظيرته في حكومة الوحدة الوطنية الليبية نجلاء المنقوش.

وعلى الجانب الأخر تبقى ليبيا ذا أهمية إستراتيجية بالغة لإسرائيل بحكم موقعها الجيو-استراتيجي، فهي تقع في منطقة لها علاقات مع الكيان الصهيوني، كما يعطي لإسرائيل دفعة قوية في توسيع حضورها الخارجي، فضلاً عن منافع اقتصادية كبيرة، ومياهها الإقليمية ضرورية لخط أنابيب الغاز التي تفكر إسرائيل بإقامته لربط أوروبا بغازها، وهي اختراق إضافي للجسم العربي الرافض للتطبيع.

لم يكن الكيان الصهيوني بعيد عن المشهد الليبي منذ سقوط نظام معمّر القذافي عام 2011، كانت هناك تفاهمات بين اللواء المتقاعد خليفة حفتر وبين مسؤولين إسرائيليين بشأن مشروع تطبيع إسرائيلي ليبي، لكن إخفاقه في السيطرة على طرابلس، وعدم تحمّس القوى الإقليمية والدولية للاستمرار في المراهنة عليه، أخرجه بسرعة من الحسابات الإسرائيلية. ومع ذلك أن المزاج الشعبي الليبي يرفض أي شكل من أشكال التطبيع مع إسرائيل، ولا يتردّد في إشهار تشبثه بالقضية الفلسطينية. فما الذي حدث؟ هل سترفع ليبيا علم إسرائيل على أراضيها؟

تُعرف ليبيا بعدائها التاريخي للكيان الصهيوني، ورفض الوجود الإسرائيلي في فلسطين، ورفض كل مشاريع التطبيع التي أقدمت عليها بعض الأطراف العربية وتجسَّد ذلك من خلال وقوفها الرسمي إلى جانب الشعب الفلسطيني وقضيته، ولعل المتابع لا يحتاج إلى كثير من الجهد والوقت للعثور على حقائق وأمثلة للمواقف والتوجهات الليبية الرافضة لـ “إسرائيل” كوجود هجين واحتلال ظالم لأرض عربية فيها رموز إسلامية مقدسة.

كما يستغل الكيان الإسرائيلي كل حالات التطبيع من أجل زيادة جرعة سياسته العدوانية ضد شعبنا الفلسطيني وزيادة تغوله الاستيطاني، كما أن التطبيع يشجع الاحتلال على استمرار تنكره لحقوق شعبنا الفلسطيني، ومن هنا لا يجوز التطبيع مع إسرائيل، إلا عندما تنسحب من الأرض التي احتلتها عام 1967، بما يسمح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية على هذه الأرض، وبما يتيح حق العودة للاجئين الفلسطينيين وهذا لم يحدث.

بدون منازع اعتبرت ليبيا التطبيع طعنة في ظهر قضية الأمة الكبرى جاء ذلك في بيان مشترك صادر عن هيئات ليبية بمناسبة “يوم الأرض الفلسطيني”. ودعا البيان، إلى “نبذ كافة أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي”. كما طالب البيان، الشعب الليبي وكافة قواه الحية أن يهب لدعم ومناصرة الشعب الفلسطيني، وأشاد بـ”صمود الشعب الفلسطيني وثباته في معركة المقاومة ضد الاحتلال، لذلك، فإن من يحسن قراءة التاريخ، يدرك أن ليبيا كانت سباقة إلى دعم النضال الفلسطيني، ولم يسبق أن خذلت فلسطين في المحافل الدولية.

وعلى نفس المنوال، ومع تغيُّر الأوضاع في المنطقة، إن الطموح الإسرائيلي لهذا التطبيع مع ليبيا يواجه عقبات كبيرة أمام هذه المعادلة الكاسرة، وهي الليبيون أنفسهم المتمسكين بالقضية الفلسطينية من خلال الرفض الشعبي القوي الليبي لأي تطبيع لهذه العلاقات كون ذلك يعزز موقفه في مواصلة انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني، لذلك فأن الموقف الشعبي هو الدرع الأخير الذي لا يجوز خلعه، والذي يرفض أي عملية تهويد أو التفاف على حقوق الفلسطينيين التي تعتبر الأمة الإسلامية كلها معنية بها والدفاع عنها.

الحق يقال إن الدول التي طبعت مع إسرائيل تدرك جيداً أن هذا التطبيع عبء كبير عليها نظراً لرفض شعوبها له، وأيضاً لأن إسرائيل تجلب مشاكلها معها لهذه الدول. فهي كيان له كم كبير من الأعداء في المنطقة ولا أحد له مصلحة فعلية بأن تكون له علاقة معu.

هنا ينبغي الإعتراف أن الشعب الليبي يعتبر من أكثر الشعوب العربية وطنية ومواطنة، فهو الضامن والسد الحقيقي في مواجهة أي محاولة للتّطبيع مع الاحتِلال الصهيوني، ونحن على ثقة تامة أنه لن يسمح لأي حكومة بنَسفِ إرث ليبيا المشرف في هذا الإطار، ومن هنا فإن الشعب الليبي لن يقبل أن برفع العلم الصهيوني على أراضيه أو الرضوخ للإملاءات.

وأختم مقالتي بالقول، لقد آن الآوان بالمبادرات الوطنية من أجل أمن واستقرار ليبيا، لذلك لا بد من العودة الى المصالحة الوطنية ونبذ كل الخلافات وأي مشاكل أخرى تنبثق منها، وهذا لن يأتي إلا من خلال الترابط والتعاون والعمل كفريق واحد ونبذ كل التفرق وكل الوسائل المؤدية اليه، وإشاعة روح التسامح والتعايش السلمي بين مختلف الديانات والمذاهب المتعددة فضلاً عن نشر القيم الإيجابية بين الناس كالتعايش والمشاركة والألفة والتعدد، لذا لا بد من حوار سياسي عاقل تشارك به كل الأطراف المختلفة لتستطيع ليبيا من بناء مستقبلها المشرق الواعد.

وأختم بالقول: إن ليبيا اليوم، على الرغم من معاناتها المستمرة لا تحتاج إلى تواصل أو إلى دعم من “إسرائيل” في أي شكل من الأشكال، وهي التي تملك الإمكانيات الضخمة و تعوم على بحر من النفط والغاز، بل هي تحتاج فقط إلى إدارة سياسية نزيهة وقوية، وفي أي حال، فإن تطبيع “إسرائيل” مع ليبيا سيظل حلماً بعيد المنال ورهانات خاسرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى