أخبارثقافة

موروثنا الثقافي في الميزان 

يعدّ الموروث الثقافي ثروة  الأمة وكنزها الثمين ، بل هو نتاج حركية الإنسان وتفاعله ببن  المكان والزمان ، يتوارثه الأجيال جيلا فجيل ، وذلك التراث يمثل تناغم حياتي للمجتمعات ، يظهر في العمران والمباني والآثار التي حوتها المتاحف،  وحوته رفوف المكتبات من إنتاج فكري ، ظل شاهدا على نبوغ الإنسان عبر العصور ، هذا التميز الإبداعي     فرض وجوده  ، وتبث أحقية ديمومته و بقائه .

وقد وجدنا من يقف موقف عداء لهذا التراث الإنساني ، فيرفضه جملة وتفصيلا ، فيعده البعض من مظاهر الاعتقاد والتعبد ، ويعده آخرون مظهرا للشرك والانحراف ، وهذا الموقف في اعتقادي يحتاج منا  لوقفة  نظر ومراجعة  ، بل المؤسف  وجدنا البعض يغالي فيغالط ، فيحجب الحقيقة،  فيضع  المهتم في خانة المغضوب عليهم   ،  والحكم الصادر لا  يميز بين العادات والتقاليد  التي ارتبطت بالموروث الإنساني ،  وبين العقيدة الصحيحة ، التي تنافي الشرك وفساد الاعتقاد.

وقد يحملني بسط الموضوع ، فأطرح هذا  التساؤل الوجيه  ،  هل الاحتفاء بالموروث الاجتماعي للتراث الثقافي ،  معناه إقرار الانحراف  والخرفات  ؟!  أقول :  أن من يعتقد هذا فهو جاهل  ،  كون كل أمة لها موروثها ، يحق لها المحافظة عليه ،   ومنعه من الاندثار والضياع ، بل وجب على  المؤسسات الراعية  توثيقه و حمايته  ، فالمؤسف أن الكثير من عادات شعوبنا  اختفت في عز هذا التطور المادي. ، ليتها تعود  ، فقد  اختفت (التويزة) كمظهر تضامني ،  لموروث ثقافي مغاربي ، تُجمع فيه العائلات ، وتتعاون فيه الجماعات  في  المجتمع ، في الحي أو القرية من أجل المشاركة   في أعمال  الخير  من خلال  مساعدة محتاجين والفقراء أو تقديم مساعدة لمعدم  لترميم  منزل  أو تنظيف مسجد أو المساعدة جني المحاصيل الزراعية المتنوعة .

  وهذا الموروث حق لنا احياءه وبعثه من جديد في مجتمعاتنا  التي من قيمها التضامن والتعاون . 

ولو عدنا  لاسترجاع فوائد   الموروث الثقافي،  فقد كان  سوق عكاظ  الملتقى الشعري والفني   والتاريخي، كان فريدا    من نوعه ، فقد  كان مقصد  المثقفين والمهتمين   بمراصد الثقافة والأدب ، بل  كان باعث أنسهم ومولد إبداعهم  ، فأضف المكان روح  الشاعرية العذبة،  والقيمة المعرفية والثقافية في تلك  المرحلة ، في بعث  الحراك الثقافي  من خلال مضرب  الندوات  والمحاضرات والأمسيات التي عزت في هذا الزمان .

 لهذا علينا  أن ننظر للأمر من وجهته الإيجابية، فنضع  اليد على الجرح  ،  يبين  الواجب الذي ينضبط  به الجمهور في الاحتفال بالموروث الاجتماعي والذي عادة يرتبط بعادات اجتماعية فيها الحسن ، وفيها الغث ، والشرع الحكيم  بين فاصل في مثل هذه المسائل ،   والمسائل العادات تقدر بقدرها ، فابتهاج الفلاح  بموسم الخير ، أو إحياء الثرات للأجيال من خلال معارض الفنون ، كإظهار فنون الطبخ و اللباس وأدوات  الأثرية للأجداد ، لا أحسب الشرع يضيق فيها أو يحرمها  ، كالمديح و الغناء الشعبي الموزونة بالفضائل والأخلاق الفاضلة ، أما أن يحي عادات عبادة الأوثان والأرواح فهي  محرمة وجب  تغييرها وبيان مفاسدها ومنعها .

وقد جاء الإسلام وأقر الحسن في عادات قريش ، فأقر لعب الأحباش في المسجد و أقر التسابق ، كما أقر لبنات النجار المديح ، وأقر للصبايا  الابتهاج في حجر عائشة رضي الله عنها .

فعلى الدعاة و الأئمة التمييز بين ما ارتبط  بالمعتقدات  ، وما اتصل بالعادات الاجتماعية وارتبط بالمألوف المباح .

الأستاذ حشاني زغيدي 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى