أحوال عربيةأخبارأخبار العالمدراسات و تحقيقات

مواجهة المشروع الصهيوني

سعيد مضيه

اللوبي الإسرائيلي احتكر تقرير السياسات الأمريكية بالشرق الوسط
يختلف الباحث الدكتور أسعد بو خليل ، استاذ العلوم السياسية بإحدى الجامعات الأميركية، مع ما طرحه المؤرخ الدكتور رشيد الخالدي في كتابه حول شكل المقاومة الأنجع للعدوان الإسرائيلي . يورد عدة مرات مفردة “الصراع – كونفليكت) تعبيرا عما يجري على أرض فلسطين، والمفردة تعبرعن منازلة بين حقين متوازيين وقوتين متعادلتين، بينما حقيقة ما جرى ويجري على أرض فلسطين هو عدوان متواتر.
ينتقد أبو خليل مقولة الخالدي ان المقاومة المسلحة برهنت على عدم جدواها، وان الانتفاضة السلمية عام 1987 شكلت بدون عنف نموذجَ بديلٍ ناجحٍ للمقاومة المسلحة. يورد أبو خليل في رده مثال المقاومة في لبنان؛ لكن من المستحيل توفر إمدادات متواصلة ووقت ومكان للتدريب واكتساب المهارة في فنون المواجهة المسلحة على أرض فلسطين مثل ما توفر للمقاومة اللبنانية. ويبرر أبو خليل ” عدم فعالية العمليات المسلحة لمنظمة التحرير الفلسطينية” بالقيادة التي راهنت على وساطة اميركية نزيهة. وكان الخالدي قد أصدر كتابا ادان السياسة الأميركية بالشرق الأوسط، مؤكدا انها تعمدت توتير الأجواء بدل حل الخلافات. والحقيقة انه يتعذر تطوير مقاومة ذات خبرة وتمرس بحيث تستعصي على المحتلين في ظل احتلال منطقة مجاورة، متقدمة في صنع أجهزة المراقبة والتجسس. تظل إسرائيل تحتوي المقاومة المسلحة وتضرب المقاومة الشعبية. والأخيرة أقدر على الصمود وإرباك الاحتلال وعزله على الصعيد الدولي.
جاء في الدراسة النقدية للدكتور أسعد ـبو خليل :
صدرت كتب لا حصر لها حول فلسطين، ومع هذا فنحن، الذين ندرس الموضوع في المساقات الجامعية، نبحث عبثا عن كتب جديدة لاعتمادها في الكلية حول المسألة الفلسطينية. كتاب رشيدالخالدي الجديد،” حرب المائة سنة حول فلسطين : تاريخ الاحتلالات الكولنيالية الاستيطانية والمقاومة 1917-2017″، يأخذ منحى جديدا.
حتى بين الكتب الإخبارية الجيدة حول العدوان فالاتجاه الغالب هو تقديم سجل حروب مفصل بدقة في متوالية زمنية كي تقدم للطلبة أصول (الصراع ) وتطوره.
في كتابه تجنب الخالدي تقديم تتابع زمني ممل ومتعب للأحداث واختار سجلا ل(ألصراع) منتقى بعناية، قسم الكتاب الى مواضيع وأحداث.
كما انه يضيف تفصيلات من عنده، معتبرا انه وعائلة الخالدي أو حتى أعضاء من العائلة الممتدة يضفون على الكتاب رؤية يصعب التوصل اليها من قبل الغير.
كان المؤرخ مستشاري بالجامعة الأميركية في بيروت في مرحلتي قبل التخرج وبعد التخرج.
اعد أطروحة الدكتوراة بإشراف ألبرت حوراني، وكان عنوانها ” السياسة البريطانية تجاه سوريا وفلسطين”، وهو يعرف التاريخ في أعماقه المخفية. كما انه شارك في مفاوضات الشرق الأوسط مستشارا للوفد الفلسطيني في مدريد وفيما بعد بواشنطون. ولا يدعو للدهشة ان يكتب الخالدي بهذا الإسهاب عن فلسطين ، بما في ذلك كتاب حول تشكيل الهوية الفلسطينية.
تقييم وعد بلفور
بتجنبه الدخول في ترتيب زمني للأحداث يركز كتاب الخالدي على أحداث وشخصيات رئيسة؛ فتقييمه لوعد بلفور مختصر لكن يتسقط عيوب السياسة البريطانية المخادعة، وهو الموضوع الذي تطرق اليه في اطروحة الدكتوراة.
كما يورد مراسلة جرت في نهاية القرن التاسع عشر بين ضياء الدين الخالدي ، الشخصية البارزة في السياسة العثمانية وبين ثيودور هيرتزل ، الأب المؤسس للحركة الصهيونية. المراسلة تؤكد الفكرة بأن هيرتزل وبقية قادة الحركة الصهيونية لم يعرفوا ان فلسطين بلد معمور ومأهول، او ان الشعب الفلسطيني تولاه الخوف في وقت مبكر من الأخطار العظيمة للمشروع الصهيوني، الذي كان يرمي الى سرقة بلدهم وبالتالي كامل وطنهم الموروث عن الأجداد.
يورد الخالدي كلمات هيرتزل بالذات، كما كتب في يومياته:” سوف نحاول تهجير المعدمين عبر الحدود عن طريق توفير الوظائف لهم في بلدان اللجوء؛ يجب ان يتم بيسر ودون إزعاج تنفيذ العمليتين ، الاستيلاء على الأرض وتهجير الفقراء”.
تبديد الخرافات الكولنيالية
ينظر الى هيرتزل في الغرب حالمأ إنسانيا ؛ بالتأكيد راوده حلم الطرد الشامل بالقوة للسكان الأصليين. وأنها لذهنية عنصرية اوصلت أناسا مثل هيرتزل للافتراض ان الشعب الفلسطيني متخلف سياسيا ، لدرجة ان لا يبدي تمسكا قوميا بوطنه ويكافح من أجل الحفاظ عليه.
نجد في كتابات هيرتزل المبكرة البينة على ما يدحض الفكرة بان التطهير العرقي للسكان الأصليين حدث بالصدفة. فقد تنبأ بكامل المشروع الصهيوني وفق مبدأ إقامة مشروع صهيوني جديد على أنقاض الوطن الفلسطيني القائم في ذلك الوقت، حيث أغلبية السكان لم تكن يهودية ، وحيث عاش اليهود وغير اليهود معا متجاورين طوال قرون. الصهيونية هي التي سممت هذه العلاقة.
لم يملآ الخالدي كتابه بالعديد من الحقائق والوقائع، إنما اختار الأهم كي يقدم للقراء وجهة نظر جيدة للصورة باكملها. فمثلا ، يقول لنا انه أثناء ثورة 1936-39 فإن 10 بالمائة من الشباب العرب “قتلوا، جرحوا، سجنوا او اضطروا للخروج من الوطن”. هذا بحد ذاته يظهر ان البريطانيين تصرفوا كالقابلة لجريمة تفريغ الوطن من سكانه كي يوجد متسع لوطن جديد مكرس فقط لليهود المهاجرين من اوروبا . اليهود المحليون عارضوا الصهيونية في البداية.
وينفي الخالدي أيضا الخرافة الزاعمة ان المجتمعات الفلسطينية والعربية كانت في حالة ركود؛ يشير الى أن ” اثنتين وثلاثين صحيفة ومجلة صدرت في فلسطين خلال الفترة 1908- 1930.” يبني على عمله السابق حول تشكيل الهوية الفلسطينية ليبين ان الشعب الفلسطيني صاغ هوية قومية ليست مغايرة للهويات القومية لشعوب أخرى.
وردا على الفكرة الصهيونية بأن القومية الفلسطينية لم تبزغ إلا ردا على الصهيونية ، يشير الخالدي الى أن الصهيونية بالذات لم تنشأ إلا ردة فعل لكراهية اللاسامية في اوروبا.
الخدع والحيل البريطانية
يوثق الكاتب بأبرع ما يمكن خدع بريطانيا وحيلها ؛ فهو يستشهد بلقاء عشاء في بيت هيرتزل حضره رئيس الوزراء ، لويد جورج، ولورد بلفور والسياسي المحافظ وينستون تشرشل ، حيث أكدوا “لوايزمن انهم بمفهوم ’الوطن القومي لليهود‘ [ الوارد في إعلان بلفور] ’يعنون على الدوام دولة يهودية في نهاية المطاف‘.أقنع لويد جورج الزعيم الصهيوني ان البريطانيين ، لهذا السبب سوف لن يسمحوا بقيام حكومة تمثيلية في فلسطين.”
وهذا وحده يجعل من المشروع رفض الفلسطينيين في زمن مبكر لوعود بريطانيا وتعهداتها.؛ كان الفلسطينيون على دراية، كما يوضح كتاب الخالدي ، ان بريطانيا، قبل انتداببها على فلسطين، التزمت بفكرة الدولة اليهودية بفلسطين. يقدم الكتاب عرضا للاضطهادات البريطانية للفلسطينيين خلال ثورة 1936-39، منها ثائر عمره 81 عاما ” أعدم عام 1937 “.
بموجب الأحكام العرفية المعلنة في تلك الأثناء تكفي الرصاصة الواحدة لتنفيذ عقوبة الإعدام… اكثر من مائة عقوبة إعدام نفذت إثر محاكمات صورية مختصرة لمحاكم عسكرية ، علاوة على العديد من فلسطينيين اخرين أعدمتهم وحدات عسكرية بريطانية بالميدان.
على كل حال، لا أتفق مع قناعة الخالدي بأن الفلسطينيين أخطاوا برفض الكتاب الأبيض عام 1939؛ كانوا محقين فعلا في الشك بمرامي البريطانيين.فصياغة الكتاب لم تتضمن الوعد القاطع بإقامة دولة عربية مستقلة للفلسطينيين، خاصة في ضوء التزام البريطانيين بإقامة دولة لليهود، ما يدحض اي لفتة ترغب إظهارها تجاه العرب.
يضاف لما تقدم فالكتاب (الأبيض) ، إذ يتعهد بالحد مؤقتا من هجرة اليهود ، تواصل بدون إعاقة تدفق الهجرة اليهودية الى فلسطين.
وحول تشكيل الجامعة العربية عام 1945 باقتراح من الحكومة البريطانية يصف الخالدي خيبة امل الدكتور حسين الخالدي ، عم(اوخال) الكاتب، حين قررت الدول لعربية الست … الامتناع عن كل ذكر لفلسطين في البيان التأسيسي للجامعة”، وأصروا على اختيار ممثل فلسطين، الذي كان خادما مطيعا لرغبات بريطانيا.
ولدى التطرق الى جرائم الحرب التي اقترفتها إسرائيل ضمّن الخالدي المجازر التي يجهلها القراء في الغرب؛ فعندما اعتدت إسرائيل على مخيم اللاجئين في خان يونس في نوفمبر / تشرين ثاني 1956، قتلت 450 مدنيا من الذكور ، اكثريتهم أعدموا على أيدي الغزاة”. يعرف العرب تاريخ إسرائيل مسلسل مجازر وجرائم حرب.
الخالدي يحسن الكشف عن تجربة منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان ووحشية إسرائيل أثناء عداونها على اللبنانيين والفلسطينيين . عاش تحت حصار بيروت عام 1982 والف كتابا كلاسيكيا حوى أداء منظمة التحرير السياسي والعسكري أثناء الحصار. زود القراء بسجل الشاهد للحياة تحت القصف العشوائي لمناطق بيروت الغربية.
أختلف مع المؤلف
لا أتفق مع الخالدي حول نقطتين كبيرتين في كتابه ؛ يكرر تخطئة قيادة عرفات الفلسطينية لأنها لم تركز الانتباه على المشهد الأميركي. لكن الخالدي يقر في الكتاب وفي أعماله الأخرى ان الولايات المتحدة معادية في الأساس لمصالح الشعب الفلسطيني، وكذبت مرارا على محاوريها العرب وخدعتهم.
يكتب، بأشد الوضوح، أن ” الولايات المتحدة لن تكون أبدا الوسيط النزيه في ضوء تعهداتها لإسرائيل”؛ ولماذا يتوجب على حركة التحررهذه أن تتوجه الى البلد الوحيد الأكثر نفوذا في تشييد القلعة النووية الإسرائيلية؟
يضاف لذلك ان الخالدي يعرف ان لا رابط بين صناعة قرارات السياسة الخارجية بالولايات المتحدة وبين صناعة السياسات المحلية – نظريا على الأقل- إذ ان مختلف جماعات المصالح تاخذ مقاعدها حول الطاولة وتتعارك. في السياسة الخارجية يوجد قوة ضغط أسرائيلية ذات سطوة استطاعت، بموافقة كلا الطرفين ، احتكار صناعة سياسة الولايات المتحدة بالشرق الأوسط.
تمت تصفية الشريحة الموالية للعرب في وزارة الخارجية الأميركية أثناء إدارة كلينتون وغدت المؤسسة الموالية لإسرائيل في واشنطون ذات القرار في شئون الشرق الأوسط في مركزالتفكير والاقتراحات بالعاصمة حول الشرق الأوسط . والجمهور ، حتى لو تأثر ببعض اللوبيات العربية ، ليس بمقدوره التأثير على السياسة. في فرنسا وبريطانيا لم تترجم العاطفة تجاه الشعب الفلسطيني في سياسات قادة أحزاب الحكم.
والنقطة الثانية ( للاخنلاف مع الخالدي) من الغرابة بمكان ان الكتاب لم يقارب في مقاومة إسرائيل حركة المقاومة اللبنانية التي هزت الأرض بمنجزاتها ، استطاعت في تموز 2006 ، وخلال 33 يوما من الحرب، ان تصد إسرائيل من التقدم بوصة واحدة داخل لبنان. في العام 1967 ألحقت إسرائيل الهزيمة بثلاثة جيوش عربية خلال ساعات، بينما في لبنان تمكنت مجموعة فدائيين متطوعين ان تطرد، بصورة مذلة، الجيش الإسرائيلي من جنوب لبنان وتردعه من إعادة الاحتلال.
هذا النموذج من المقاومة يقوض مقولة الخالدي ان المقاومة المسلحة برهنت على عدم جدواها، وان الانتفاضة السلمية عام 1987 شكلت بدون عنف نموذجَ بديلٍ ناجحٍ للمقاومة المسلحة.
عدم فعالية العمليات المسلحة لمنظمة التحرير الفلسطينية
غير ان تلك الانتفاضة لم تنجح في إحراز اي مكاسب للفلسطينيين؛ بالعكس نموذج المقاومة السلمية استغلته قوى الغرب لحرمان الشعب الفلسطيني من الحق الأساس في مقاومة مسلحة لاحتلال شرس. ان التحالف الراهن بين المقاومة اللبنانية والمقاومة في غزة يظهر ان منظمة التحرير الفلسطينية بمقدورها اجتراح إنجاز عظيم وتوظف بإتقان بعض مصادرها لتنظيم شبكة إقليمية تنسق الأنشطة المقاومة[ لكن الجماهير في غزة تتحمل شراسة ردات فعل إسرائيل؛ فهل تصمد للنهاية؟!].
بدلا من هذا ، انتهت العمليات المسلحة لمنظمة التحرير الى حد كبير بفشل ذريع؛ إذ لم تكن قيادة المنظمة جادة إطلاقا بصدد تشكيل حركة مقاومة مسلحة فعالة. استخدم عرفات عمليات مسلحة رمزية كي يلفت انتباه الغرب الديبلوماسي. غير ان هذ ا المنهاج فشل كما أثبتت العروض التافهة المقدمة باتفاق اوسلو للسلام الموقع عامي 1993 و1995.
يعكس الكاتب تجربته الخاصة كمستشار لفريق منظمة التحرير الفلسطينية المفاوض، ويقول:
“لو أدركت ثقل حمولة المركب وان الولايات المتحدة ماضية في طريقها طبقا لالتزاماتها السابقة – والتي تعني ان إسرائيل مصممة لأقصى حد على موقفها وموقف راعيها –لربما امتنعت عن الذهاب الى مدريد او تمضية العامين التاليين متورطا في مباحثات واشنطون”.
هذا الكتاب يمكنه ان يخدم مصدرا اوليا أساسيا حول المسألة الفلسطينية ويملأ فراغا في المكتبة حول فلسطين. إن دمج الرواية الشخصية والبحث الأكاديمي بصدد أصول [الصراع ] وتطوره تزود الطلبة بأرضية صلبة للموضوع ، دون ان يثقل عليهم بالتفاصيل ودقائق الوقائع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى