أحوال عربيةأخبارأمن وإستراتيجية

محطات في مسار الصراع العربي والفلسطيني – الإسرائيلي

فهد سليمان

محطات في مسار الصراع العربي والفلسطيني – الإسرائيلي

■ منذ أن وضعت حرب الأيام الستة أوزارها – 1967 وحتى يومنا، أي على امتداد ما يقارب
ستة عقود من تاريخ الصراع العربي والفلسطيني – الإسرائيلي، قطعت التجربة المعاشة بوقائعها
الملموسة، بالحقيقة التالية: إن العامل الأهم – وليس الوحيد بطبيعة الحال – في إدراك التسوية
السياسية المتوازنة – ولا نقول العادلة – هو توافر نسبة قوى تفرض نفسها على العدو، قبولاً بهذه
التسوية:
1- فلولا حرب الإستنزاف – 1969/ 1970 التي ألحقت بإسرائيل خسائر بالغة على الجبهة
المصرية بشكل رئيسي، ومعها عمليات المقاومة الفلسطينية على أكثر من جبهة، لما وافقت
إسرائيل على مشروع وزير الخارجية الأميركي وليم روجرز – 7/1970 ( 2 ) ، بوقف إطلاق النار

لمدة 3 شهور (إستغرقت 3 سنوات و3 شهور في واقع الحال) يبحث خلالها مبعوث الأمم المتحدة
غونار يارينغ عن تنشيط عملية التسوية كوسيط بين الأطراف المعنية على أساس القرار 242 –
22/11/1967، الذي لم تكن تل أبيب تعتبره أكثر من إطار للمفاوضات المباشرة (أي بدون
وسيط)، وليس قراراً للتنفيذ، رغم الغموض أو الإلتباس الذي يحيط بالنص، فيما يتصل بتمامية
الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة حتى خط الرابع من حزيران (يونيو) 1967، أي من
سيناء + الجولان + الضفة الغربية + قطاع غزة + بعض النقاط على الجبهة الأردنية.
2- ولولا «نصف الهزيمة التي أُلحقت بإسرائيل» (على قول شمعون بيريس) جرّاء حرب
تشرين/ أكتوبر 73، لما قبلت إسرائيل الشروع بالإنسحاب من الأراضي المصرية المحتلة بعدوان
67، بموجب إتفاقيتي سيناء الأولى- 1/1974 وسيناء الثانية- 9/1975، وصولاً إلى إتفاقية
كامب ديڤيد – 9/1978، التي مهَّدت لمعاهدة السلام المصرية/ الإسرائيلية – 3/1979، التي
قادت – بدورها – إلى الجلاء الكامل عن سيناء المحتلة (باستثناء بقعة طابا بمساحة 1 كم 2 ، التي
أُخليت لاحقاً بالتحكيم الدولي).
3- ولم يكن لجيش الاحتلال الإسرائيلي أن يخرج مدحوراً، ودون قيد أو شرط، من المناطق التي
كان يحتلها في لبنان، لولا الإستنزاف الذي تعرض له على امتداد 18 عاماً (من 6/6/1982 –
تاريخ بدء الإجتياح الشامل، وصولاً إلى العاصمة بيروت، وحتى 24/5/2000 – تاريخ
التحرير)، على يد المقاومة المسلحة المستمرة بمختلف مراحلها (المقاومة الفلسطينية، التي سَلَّمت
الراية إلى جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية – جمّول، فأفواج المقاومة اللبنانية – أمل، قبل أن تؤول
إلى المقاومة الإسلامية – حزب الله)، والتي تسببت بمقتل أكثر من 1.550 عسكرياً إسرائيلياً، ما
عدا قتلى الرديف العميل – «جيش لبنان الجنوبي».
4- ولم تكن الحكومة الإسرائيلية برئاسة أريئيل شارون لتقدم على إقرار ما سمي بخطة «فك
الارتباط أحادي الجانب» – 6/6/2004، لولا الفعل الإستنزافي للمقاومة، الذي ترتب عليه تفكيك
4 مستوطنات شمال الضفة الغربية، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة – 12/9/2005 بعد
تفكيك مستوطنات القطاع، إنما مع إبقاء الحصار مضروباً حول غزة، ما جعل الانسحاب المحقق،
أشبه بعملية «إعادة إنتشار».
■ قد يُقال، تعليقاً على ما سبق، وبحق، إن إسرائيل لم تكن لتقبل بمشروع روجرز، لو لم ترَ فيه
ميزة التخلص من خسائر حرب الإستنزاف، مع معرفتها أن مصر سوف تستفيد من وقف إطلاق
النار لتشييد الجدار الصاروخي المضاد لطيران تل أبيب؛
… أو لتقبل بالإنسحاب الكامل من سيناء، لو لم ترَ في خروج الدولة العربية الأهم من دائرة
المواجهة العسكرية مكسباً جيوسياسياً وجيوستراتيجياً ثميناً، يساعد – من بين أمور أخرى – على
إحكام القبضة على الضفة الغربية – «الجائزة» الكبرى من حرب الـ67 -، إلى جانب ما يقود إليه

(2) نص مشروع وزير الخارجية الأميركي وليم روجرز على قيام كل من مصر والأردن وإسرائيل بإبلاغ الأمين العام للأمم المتحدة
أنها تقبل قرار مجلس الأمن الرقم 242 بكل أقسامه ومستعدة لتنفيذه، وأنها توافق على تعيين مندوبين عنها في محادثات تجري تحت
رعاية الأمين العام في الوقت والمكان اللذين يقررهما، على أن يكون هدف هذه المحادثات إحلال سلام عادل وثابت بالشرق الأوسط
يقوم على المباديء التالية:
1- يعترف كل طرف بسيادة الطرف الآخر وتكامله الإقليمي واستقلاله السياسي.
2- تنسحب إسرائيل من المناطق التي إحتلتها في حزيران (يونيو) 1967، وذلك طبقاً لقرار مجلس الأمن 242 .
3- ما دامت التسوية لم تتحقق، فإنه يترتب على الأطراف كلها أن تحافظ بدقة على وقف إطلاق النار الذي يدخل حيّز التنفيذ في بداية
تموز (يوليو) 1970 حتى بداية تشرين الأول (أكتوبر) 1970.
ملاحظة: في الواقع العملي، بقي وقف إطلاق النار مستمراً على الجبهة المصرية حتى إندلاع حرب تشرين/ أكتوبر 1973.

من تعميق لهوة الخلافات العربية، وضرب وحدة الصف في الصميم، كما تجلّت في حرب تشرين/
أكتوبر 73؛
… أو لتقبل بإعادة الإنتشار من غزة بعد تفكيك مستوطناتها، لو لم ترَ فيه «تضحية تكتيكية»
مقابل مكاسب إستراتيجية، تتمثل بـ«تجميد عملية السلام» (على قول ڤايسغلاس، المستشار
الرئيسي لشارون)، أي العملية السياسية المطروحة من خلال خطة «خارطة الطريق»، التي
كانت ستُدخل إسرائيل – وإن بسقف هابط بالنسبة للفلسطينيين – في تسوية تفرض على تل أبيب
تقديم تنازلات تتعاكس مع خطة «إبتلاع» الضفة الغربية (!)؛ إلى جانب الرهان على تأسيس
قاعدة لانقسام فلسطيني لاحق، يؤكد «عدم أهلية» الفلسطينيين لنيل الاستقلال.
… أو لتقبل الانسحاب من جنوب لبنان، ليس لتجنب مواصلة إستنزاف جيشها على يد المقاومة
فحسب، ما كان يقابل بسخط متزايد في الرأي العام الإسرائيلي، بل أيضاً ضمن الرهان على
ضرب ما كان يسمى بـ«وحدة المسارين» التفاوضيين اللبناني والسوري، باعتبارهما يملكان معاً
أراضٍ تحتلها تل أبيب، الأمر الذي لم يحصل؛ كما لم ينجح الرهان على إفقاد المقاومة مبرر
وجودها، حيث أتت حرب 2006 لتؤكد على أهمية دور الجيش اللبناني، والمقاومة معاً في الدفاع
عن حياض الوطن.
■ تؤكد المحطات الآنف ذكرها في مسار الصراع العربي والفلسطيني – الإسرائيلي على الحقائق
التالية:
1- نسبة القوى المؤاتية هي التي تضمن تحقيق مكاسب وطنية من خلال عملية سياسية ذات
مغزى، سواء بأسلوب المفاوضات المباشرة – كما في حال الانسحاب من سيناء، أو من خلال
دور وسيط (في العادة الأمم المتحدة)، كما في حال مشروع روجرز، أو الانسحاب من لبنان، أو
إعادة الإنتشار حول غزة.
2- نسبة القوى المؤاتية، بدورها، هي معطى نسبي، فما يتحكم بمخرجاتها هو مدى رجحان كفة
الميزان لصالح أحد فريقيها المتواجهين، ففي المحطات التي جرى عرضها، نلاحظ أن نسبة القوى
الراجحة، أنتجت إنسحاباً من جنوب لبنان دون قيد أو شرط، أي دون أية مكاسب لتل أبيب، ودون
أية إلتزامات من جانب لبنان؛ بينما لم تتوفر نسبة القوى في الحالات الأخرى (سيناء، غزة، وقف
إطلاق النار على الجبهة المصرية)، بالمستوى الذي يحول دون تحقيق مكاسب لإسرائيل. بكلام
آخر، ثمة نسبة قوى تحقق إنتصاراً كاملاً، وأخرى تكون مسقوفة بتسويات تنتقص – بهذا القدر أو
ذاك – من الإنجاز الوطني.
3- بالمقابل، تؤكد التجربة بوقائعها أهمية الإدارة السياسية في استثمار مخزون ما تتيحه نسبة
القوى من إمكانيات تترجم بإنجازات؛ فحرب تشرين/ أكتوبر 73 – كمثال – كان بالإمكان أن
تقود إلى نتائج أهم من تلك التي حققها إنفراد القاهرة بمسارها التفاوضي الخاص، تخلّت فيه عن
شريكها في القتال – سوريا، وعن منظمة التحرير الفلسطينية. والأمر نفسه ينطبق على القيادة
الرسمية لــ م. ت. ف، التي لم تستفد بالقدر المطلوب من نسبة القوى المؤاتية الناجمة عن إنطلاق
الإنتفاضة الأولى – 1987 واستمرارها لسنوات، للخروج من العملية التفاوضية التي أطلقها
مؤتمر مدريد – 30/10/1991، بنتائج سياسية أفضل من تلك التي رست عليها إتفاقات أوسلو
المسقوفة بحكم ذاتي محدود الصلاحيات.

إن نسبة القوى المؤاتية وحدها لا تنتج حلولاً وطنية، إلا بقدر ما تستند إلى إدارة سياسية متمكنة،
تستخلص منها أقصى ما يمكن من نتائج، وتبني عليها ما يصب في خدمة إنتصار أهداف النضال
الوطني التحرري.
4- في معرض تناولنا للعملية السياسية المنتجة لحلول وطنية، إنطلاقاً من توفير نسبة القوى
المؤاتية، لا تفوتنا – أخيراً – الإشارة إلى الدور المساند، إنما الهام لقرارات الشرعية الدولية
الصادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة (الجمعية العامة، مجلس الأمن، مجلس حقوق الإنسان،
محكمة العدل الدولية،…)؛ أي تلك القرارات ذات الصلة بالقضية الوطنية، والتي ينبغي الإستناد
إليها في المعركة الدائرة منذ عقود حول مضمون حق تقرير المصير لشعب فلسطين. وفي هذا
السياق، علينا أن ندرك أهمية هذه القرارات في خدمة حركة التحرر الفلسطينية، إنطلاقاً من
قدرتها على إجتياز عتبتين: الأولى، هي نسبة القوى اللازمة لاتخاذ قرارات تخدم القضية الوطنية؛
والثانية، تطاول نسبة القوى اللازمة لتنفيذ هذه القرارات، وهي الأرقى، والأصعب منالاً من
الأولى بطبيعة الحال؛ ما يؤكد في الحالتين معاً، أي فيما يتعلق بالعتبتين آنفتي الذكر، بأن ما يحدد
نتائج الصراع السياسي في هذا العالم هو نسبة القوى التي تمسك بمقاليدها قيادة سياسية، تجمع ما
بين الوعي لجميع العوامل المتحكمة بدينامية الصراع، وبين الإرادة السياسية الجاهزة لمواجهة
جميع الصعوبات التي تعترض مسار العملية الوطنية التحررية، وأساسها التسلح بالإيمان المطلق
بعدالة القضية الوطنية، والثقة المطلقة بأصالة الشعب، والإخلاص الكامل لمصلحته الصميمة■

في مواجهة المخطط الأصلي

■ تنتصر حركات التحرر الوطني، أو الدول المحتلة أراضيها، عندما يؤدي نضالها إلى تعاظم
خسائر الدولة المحتلة قياساً بالمكاسب التي تجنيها، أو عندما تتوخى هذه الدولة مكسباً بتخففها من
أعباء الاحتلال؛ فسرى مفعول هذه القاعدة على إسرائيل عندما إنسحبت – جيشاً ومستوطنين –
من سيناء – 1982، ومن بقع جغرافية بعينها من الأردن، إثر التوقيع على معاهدة السلام/ وادي
عربة – 1994، ومن جنوب لبنان – 2000.
■ غير أن هذه القاعدة لا تنطبق تلقائياً وبنفس الشروط على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام
67، لأنها جزء من «أرض إسرائيل» التي يستهدفها المشروع الصهيوني. صحيح أن الأخير
أخلى غزة – 9/2005، إنما بخلفية التضحية بالإصبع للإحتفاظ بكامل الجسم، فالمشروع
الصهيوني القائم على ركيزتي الضم للأراضي والترحيل للسكان، كان يستوجب «التخلي» عن
القطاع، أي عن 1.35% من مساحة «الأرض الموعودة» للخلاص من عبء 33% من أبناء
الشعب الفلسطيني المتجذرين في أرض الوطن من «البحر إلى النهر».
■ لكن التجربة عَلَّمَت، أن إسرائيل، إذ غادرت القطاع، فهو لم يغادرها، فعاد إليها بزخم نضالي
أشد، تلمست تل أبيب مفاعيله في العقدين الأخيرين، وبلغ ذروته في الحرب الأخيرة، فأحدثت نقلة
في تفكير الكيان الغاصب لجهة إستعادة القطاع لمشروع الضم، إنما هذه المرة بأقل عدد ممكن من
السكان، أي بإلحاق الضم بالترحيل. ومن هنا ما نشهده حالياً من قيام إسرائيل باستخدام كل أسلحة
الدمار المتاحة، لتحويل القطاع إلى منطقة غير قابلة للحياة بالنسبة للأصلانيين من أبنائها.
■ وباستعادة الكيان الغاصب لبرنامجه الأصلي، القائم على الاستعمار الاستيطاني، الذي يستهدف
الضفة، بما فيها القدس وغزة معاً، سيضع نفسه بمواجهة حركة وطنية فلسطينية متجددة، إستعادت
زخمها وارتقت بأوضاعها، رغم الجراح، على وهج حرب غزة التحريرية، ومعها إنتفاضة الضفة
على خلفية النهوض الشعبي المتوثب في الوطن (48 + 67) والشتات.

وإن كانت الثغرة الرئيسية في الحالة الفلسطينية تتمثل بالإفتقاد إلى الوحدة الداخلية المؤسسية على
قاعدة البرنامج المشترك، فإن الوضع الحالي يقتضي المعاجلة بإجراء حوار وطني شامل، يبلور
السياسة الوطنية الواجب إتباعها، للإنتقال بالمواجهة الوطنية من مستوى الإستنزاف النسبي
للعدو، إلى مستوى الإستنزاف الاستراتيجي الذي ينشيء المعادلة الطاردة للإحتلال، والخلاص
من شروره، واستعادة الحقوق الوطنية، في إطار حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير على
أرضه بحرية■

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى