ما وراء الطبيعة … التزامن الغريب لنفس الأحداث
طريف سردست
في النظرية الهلوجرامية كل شئ ” كلي” ومتحد. نحن جميعا بدون حدود، او حسب كلمات دافيد بوهم :”في اعماق الوعي الانسان واحد”. ودعونا ننظر الى بعض الظواهر البسكولوجية القادرة على القاء الضوء على الصورة الهلوجرامية للوعي.
الاحلام عالم معلوم يسمح للوعي بالتحليق في فضاء متعدد الابعاد. في السنوات الاخيرة حظي مايسمى ” الاحلام الواضحة” اهتماما كبيرا، وهي الاحلام التي يكون فيها الانسان المعني واعيا انه يحلم بل وحتى يقوم بالتحكم بالحلم، مثلا ان يجعل نهاية الحلم سعيدة، وليس المقصود احلام اليقظة إذا كان المقصود فيها الاحلام التي يسقط فيها الانسان عن وعي اثناء النهار (اي ليس في نومه). و ” الاحلام الواضحة” تكون معايشة في مستوى الحقيقة وقوية التأثير بالمقارنة مع الاحلام العادية، وغالبا لها تأثير ايجابي على صاحبها.
في مؤتمر عن الاحلام عقد عام 1987 القى الفيزيولوجي Fred Alan Wolf محاضرة اشار فيها الى ان الموديل الهلوجرامي يعتبر مادة مساعدة لتوضيح ظاهرة الاحلام الواضحة. وولف، والذي شخصيا يرى غالبا الاحلام الواضحة، يعتقد ان جميع الاحلام هي عبارة عن هلوجرام داخلي. على هذه الخلفية سيكون اسباب الاحلام الانبعاث عن الموجات الدماغية المتقاربة وليس الموجات المتباينة كما هو الامر في المعايشات الحقيقية.
وولف يرى ترابط واضح بين الاحلام وبين و ” الإسقاطات الفيزيائية” التي قام بالتجارب عليها العالم Georg von Bekesy حامل جائزة نوبل. بيكسي قام بوضع صفائح هزازة على ركب اشخاص التجربة الذي كانت عيونهم مربوطة، ومن خلال التحكم بسرعة الاهتزازات تمكن من جعل اشخاص التجربة يشعرون بمركز الاهتزاز يقفز بين الركب، بل وحتى ” بين” الركب. المشاعر الشبحية لدى المقطوعة اطرافهم هي مثال آخر على هذه الظاهرة.
يعتقد وولف ان وعينا يقوم بخلق اوهامنا على ايقاع موجات إهتزازية خارجية تماما مثل الصفائح. ويستنتج انه لايوجد فرق كبير بين العالم الخارجي والعالم في داخل رأسنا. يقول:” عندما يتمكن المُراقب وما يراقبه من الانفصال بحيث تصبح معالم الحدود بينهم واضحة ، وهو الامر الذي تعبر عنه ظاهرة الاحلام الواضحة، عندها يصبح انتماء هذه الظاهرة الى الذاتية امر خاضع للنقاش”. (بمعنى اخر: عندما يتمكن الحالم من التحكم بالاحلام التي تبرز له ويحدد مسيارها يصبح إمكان ان تكون هذه الاحلام ذو مصدر ذهني بحت امر خاضع للنقاش). في ذلك يشير الى ان الاحلام الواضحة، ولربما كل انواع الاحلام، هي زيارة الى الاكوان الموازية.
تعدد الشخصيات
في السنوات الاخيرة، في عالم علم النفس، ازداد الاهتمام بقضية multiple personality disorder (MPD) , بعد ان تمكنت الابحاث من رفع الستار على ان هناك مابين اثنين الى خمسة بالمئة من البشر يسمعون اصوات وان القسم الاكبر من هؤلاء لايعانون من امراض نفسية وفقط ثلثهم عايشوا الاصوات على انها سلبية. يقول البروفيسور في علم النفس Marius Romme ” سماع اصوات لايعني ان المرء مجنون”، وهذا الاستنتاج على ارضية دراسات لهذه الظاهرة ابتدأت منذ عام 1987. يوجد العديد من الاشخاص ترتب على سماعهم الاصوات تغييرات عالمية مثل يوسف وعيسى ومحمد وجان دارك، بعضهم الاخر دفع حياته ثمنا لها في اقبية اجهزة السلطة بما فيه اليوم. ماريوس رومه وزميله Sandra Escher يفسران ظاهرة سماع الاصوات على انها احدى الطرق لمعالجة الانسان لهواجسه خصوصا بعد إكتشاف ان 75% من الاحداث الاولى للعوارض تظهر بعد نشوء معاناة قوية يرافقها الشعور بضعف الحيلة وعدم القدرة على فعل شئ لحلها.
وبغض النظر عما إذا كانت ظاهرة تعدد الشخصية تنشأ عند اشخاص مريضين او اصحاء نفسيا يبدو ان لديها مواصفات واحدة مع الاحلام والالام الشبحية والاهتزازات. الاحاسيس تقوم بإسقاظ الظاهرة من ترددات النظام الهلوجرامي المتعدد المستويات كما وصف الامر دافيد بوهم. من الضروري الاشارة الى ان بعض الاشخاص يسمعون الاصوات قادمة من داخل رأسهم في حين ان البعض الاخر يسمعها تناديه من الخارج.
التحكم بالتصورات
قسم من الاشخاص المصابين بتعدد الشخصية تعلموا التحكم بالاحداث وتخصيص يوم ” للمتكلم” لاجراء حوار بناء معه او معهم. العديد من السياسيين والفنانين والمؤلفين وحتى رجال العلم اعترفوا انهم يملكون ” صوت داخلي، مستشار” يقومون بالتشاور معه. احد اشهر الامثلة على ذلك الصوت الداخلي الذي كان يسمعه سقراط ويلهمه الحكمة، ومنه يبدو ان الاشارة الى الالهام من عالم اخر قديم في العقل الانساني. هذا الامر لازالت اثاره في تعابيرنا حتى اليوم عندما نقول ” يخرب شيطانك”، او ” وسوسة شيطانية”. وفي غياب وجود تفسير موضوعي لمصدر هذا الصوت يصبح من السهل تارة وصف الصوت انه من عند إله وتارة اخرى انه من شيطان. افضل الامثلة على ذلك مانراه في في سورة الحج 52، (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبى إلاّ إذا تمنى ألقى الشيطان فى أمنيته).
الاحلام تأتي الينا عادة بدون توقع او تخطيط غير ان Montague Ullman الباحث المختص في الاحلام برهن على ان الانسان قادر ان يدرب نفسه على بعث الاحلام المطلوبة مسبقا. وايضا ان الانسان قادر من خلال الاحاسيس الواعية التأثير على سلوكه وحتى على الوظائف الحيوية الفيزيائية للجسم. هذا الامر قائم على حقيقة عصبية ان الدماغ، من حيث المبدأ، غير قادر على التفريق بين ماهو في الواقع موجود ” خارج الذات” وبين مايعتقده انه موجود. في دماغ هلوجرامي يمكن للذاكرة او للتصور ان يملك التأثير نفسه على المشاعر كما الذي يملكه الواقع. يكفي ان نفكر بأزمة قادمة او مضت مثيرة للتوتر والاضطراب حتى نستدعي مظاهر التوتر والاضطراب على شكل ارتفاع ضغط الدم ودقات القلب وتوتر العضلات. وعلى العكس يمكن ان نتذكر مواقف ممتعة تستدعي الرضى والاسترخاء وتخلق تأثيرات فيزيولوجية ايجابية، هي نفسها التي تستخدم في علاج التوتر.
قدراتنا الذهنية على خلق الانطباعات من خلال التصور والاصوات والرائحة والتذوق والمشاعر تستغل كلينيكا لخلق نتائج ايجابية على الصحة. نستطيع ذكر جلسات المعالجة النفسية للسرطان التي قام بها الزوجين Simonton في معهد ابحاث السرطان العائد لجامعة تكساس الامريكية. في الجلسات كان يجري تصوير الخلايا السرطانية على انها لصوص ضعيفة ومريضة في حين ان خلايا اجهزة المناعة الحيوية جنود قوية ومسلحة حتى الاسنان وسيقومون بالنجاح. في مجموعة التجربة كانت نسبة البقاء على قيد الحياة والشفاء اعلى بصورة ملحوظة من مجموعة المقارنة. الفيزيولوجي Jeanne Achterberg, ايضا من جامعة تكساس تعتقد ان قدرات التصور الهلوجرامية عند الدماغ هي مفتاح تفسير قدرة المشاعر على التأثير على فيزيولوجية الانسان. في الدماغ الهلوجرامي تُقصر المعايشات ، الحقيقية والتصورية، الى موجات هلوجرامية منظمة، وبعد ذلك ينبع تأثيرهم العام على الوظائف الحيوية. Achterberg قامت بإعطاء الطلبة مهمة التصور ان خلايا المناعة الحيوية لديهم neutrofila قد ازداد عددها ومجموعة اخرى كانت مهمتها التصور ان خلايا T-cell هي التي ازداد عددها. عند التحقق لوحظ ان الخلايا المعنية قد ازداد عددها فعلا لدى اشخاص مجموعات التجربة بصورة ملحوظة. وعلى العكس برهنت تجربة يابانية ان النساء المصابات بسرطان الصدر يزداد وضعهن سوء على الفور وبدون مبرر لمجرد اشعارهن بنتائج التشخيص ولمجرد وجود تصورات مسبقة لديهم عن آفاق المرض. لهذا السبب فإن التصورات الهلوجرامية اصبحت اليوم جزء من تكنيك العلاج لمعالجة الالم والتينيتوس tinnitus ( سماع ونة في الاذن) والتوتر وامراض اخرى.
تزامن الاحداث
احيانا نعايش احداث غير طبيعية. مثلا نعثر على صورة لصديق لم نراه منذ سنوات وفي نفس اليوم نلتقي معه بالصدفة في الشارع. C G Jung والفيزيائي Wolfgang Pauli امضوا وقتا طويلا في دراسة الاحداث المتزامنة وقد نشروا كتابا عن نتائج دراستهم هو The Interpretation and Nature of the Psyche. التجارب في نطاق فيزياء الكم تشير الى حالات يبدو فيها وكأن الجزئيات النووية تملك معلومات عن بعضها ولذلك تسلك سلوكا منسجم زمنيا، حتى لو كانوا بعيدين عن بعضهم. الفيزيائي Paul Davies يؤكد ان هذا التأثير الغير مكاني للجزيئات شكل من اشكال التزامن الحدثي بمعنى انهم يملكون قناة تنظيم تواصل حدثي، على الرغم من انعدام علاقة السبب والمسبب، في إطار المعلوم لنا.
فيزيائي اخر هو David Peat, يؤكد ان هذا النوع من تزامن الاحداث امر واقع. يفسر الامر على ان وهم الاعتقاد بالانفصال بين الوعي والمادة هو مصطنع )ars facere( وان الموديل الهلوجرامي يجعل من الممكن لتواصل الزمكان تعبر عن نفسها بالاحداث غير الطبيعية، من وجهة نظر وعينا في ظروف معينة. عندما نعايش احداث متزامنة يكون الواقع ان احاسيسنا الانسانية لثانية تتفاعل حسب طبيعتها الذاتية (بعيدا عن السيطرة) فتصبح في اتصال بنظام توتر بعيدا عن النفس والمادة لتتدخل في الابداع ذاته، حسب دافيد بيت.
parapsykology
إذا كان الموديل الهلوجرامي قادر على إغناء علم النفس، فينبغي ان يتشابه وضعه مع التخاطر النفسي بذات المقدار على الاقل. يقول دافيد بهوم:” إذا كانت الخوارق موجودة حقا، فلايمكن فهمها الا من خلال نظام الطوي والانقلاب بسبب انه في هذا النظام كل شئ يملك تماس مع كل شئ ولاتوجد اسباب قصرية على القول ان هذه الخوارق غير ممكنة. المهم هو فصلها وتعيينها بطريقة موثوقة”.
الباحث في الدماغ Karl Pribram, ويعتبر الشخصية الثانية بين منظري البرادايم الهلوجرامي يعلن انه إذا كان الكون مجرد هلوجرام فذلك سيعني عدم وجود ” ثابت” وانما سلسلة من التصورات. بريبرام يتوقع ان معادلات دماغية تقوم ببناء الواقع الفيزيائي بمساعدة اطوال موجة مرتدة الينا من مستوى خارج الزمان والمكان. يستطيع الدماغ القيام بذلك لانه بذاته هلوجرام ويتعامل مع الاشياء من طبيعته ذاتها وحسب ماهيته الداخلية ووظيفته ترجمة الهلوجرام الى برنامج اخر، ذو امتداد اخر (سوفيكس، كاسعة). ولكون الدماغ جزء من الهلوجرام الكلي يملك القدرة ، في حدود القواعد المعنية، من الوصول الى جميع المعلومات لمبادىء التحكم الاساسية.