مجتمع

ما ذنبي…خلقت فتاة

احمد جابر محمد


كانت “فاطمة” بنت من عائلة عراقية، متكونة من خمسة افراد، هي الوحيدة بينهم فتاة، كانت تعاني الامرين منذ طفولتها، وكانت تعمل بجد وبدون توقف في الاعمال المنزلية، حتى انها ولصغر سنها تقف فوق منضدة لتجلي الصحون، بدلا عن والدتها من باب المساعدة، ولاقت اشد انواع العذاب النفسي داخل بيتها،ان قصرت في شيء،فكان عليها ان تقوم بخدمة اخوتها الى جانب قيامها بواجباتها المدرسية، هذا اضافة لعملها بجانب والدتها، والتي ربما هي الوحيدة التي تشعر بما تعانيه ابنتها، لكونها ايضا نشأت في عائلة تقدس الذكور الى درجة مبالغ فيها.
اغل الاوقات كان اخوتها، لايسمحون لها باعطاء رأيها او المشاركة الفكرية في امر ما، على الرغم من حدة الذكاء والفطنة اللتين تتمتع بهما، وكانت تعنل منذ الصباح الباكر وحتى وقت متاخر من الليل، وبدون كلل او ملل، لكثرة ما سمعته ويتردد على مسامعها،”البنت خلقت للعمل في لمنزل”، “يجب ان تكون ربة بيت ماهرة لتتزوج برجل مناسب”.
بقيت “فاطمة” على هذا الحال حتى بلغت الثامنة عشر من عمرها ، واخذ الابناء بالطرق على حديد الاب حتى يلين ويرضخ لأوامرهم، بوجوب ان تترك فاطمة الدراسة ،خصوصا ان مفاتنا قد بانت كفتاة،ولايريدان ان تكون عرضة للنظر ..في محدودية عقولهم
وبالفعل استجاب الاب لمطلب الابناء،وجردوا الفتاة من حلمها في اكمال الدراسة الجامعية، وانطفأ اخر بصيص يجعلها تشعر بكينونتها كأنسانة لاغير.
وبعد مضي عدة شهور اصبح جلوس “فاطمة” في البيت من الامور المعيبة، والتي تقصر الرقاب، لذا كان رأيهم بان يزوجوها لاي شخص يتقدم لخطبتها، وكانت فاطمة تعي وتدرك كل مايدور من حولها، ولماذا يتصرف اخوتها هذا التصرف القاتل، فصرحت عاليا بداخلها، لم يكن بيدي ان خلقت فتاة….!!!
جلست في حجرتها التي كانت لاتساوي شيئا امام حجر اخوتها، وانهمرت عيناها بالدموع واخذت تناشد ربها، بخفقان بين الضلوع كبركان اعن الثوران، هل عائلتي تعاقبني على جريمة لم اقترفها؟ وهل كوني فتاة يعد جريمة؟.
عاود التفكير وتأملت قليلا، نحن مسلمين واسمي “فاطمة” وبنت رسول الله (عليه وعلى اله افصل الصلاة واتم التسليم) ايضا فاطمة ..ياترى هل عامل الرسول ابنته بمثل ما يعاملونني اخوتي وابي؟ .. وهل …وهل …،بالطبع لا فتذكرت حديثه “رفقا بالقوارير” مشبها المرأة بالقوارير، اي كانت تلك المرأة (الزوجة ،البنت،الام،الاخت)، لما تميزن به من رقة وشفافية تجعلنا نعيد النظر في طريقة التعامل معهن .
وفي نهاية المطاف لم يكن بيدها حيلة، وانتفاضتها حبست في سجن صدرها،بحكم مؤبد،لاتمييز يطاله، ورضخت لأهوائهم وعقدة الذكورة، وتزوجت زواجا قسريا من رجل يكبرها ب10سنوات، لا لسبب مطلقا كونه متمكن ماديا والفرق في العمر القياس فيه من الجنون .
وهكذا طويت صفحتها “فاطمة “، كالدمية بين مطرقة اخوتها وأباها تارة وبين سندان زواجها القسري الذي لاتتذوق منه الا المرار تارة اخرى، وحفظت عن ظهر غيب حديث الله((وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ*بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ))، فالقتل له كثير من المعاني، وحياتها احد تلك الانواع، واين هم من كتاب الله كمسلمين، ومن تطبيقه؟!!.

وبقى السؤال ذاته يدور بمخيلتها ولايفارقها مطلقا، ماذنبي ان خلقت فتاة ؟!! و هل كوني فتاة تعد جريمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى