ما أخذ من الجمل إلا أذنه

 
محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
يتقن السارقون اللعبة التالية ، فمفتاح تمكنهم من نشل الجيوب هو معرفة أيّ جيب يحوي حافظة النقود ، والمحترفون منهم يمارسون السرقة في محطات القطار والأماكن الأخرى بالقرب من اللافتة المكتوب عليها احترس من النشالين، حيث يقوم كل من يمر ويقرأ اللافتة بتحسس حافظته للتأكد من أنّها لم تسرق، ويكون ذلك بالنسبة للنشال كاصطياد سمكة داخل برميل، بل كان معروفاً أنّ اللصوص يضعون بأنفسهم لافتات التحذير من النشالين لتسهل عليهم عملهم في خداع الناس وسرقتهم.
تعرف السرقة في القانون على أنها أخذ شيءٍ ما بهدف الاحتفاظ به مدى الحياة وعدم إرجاعه، وبدون موافقة مالكه ، وتعد السرقة استيلاءً غير مشروع على البضائع الشخصية لمالكيها، ولكي تعرف حادثة ما على أنها سرقة في القانون المدني فيجب استيفاء ثلاثة شروط: أولها الأخذ من غير موافقة المالك، والثاني هو نقل هذا الشيء من مكانه ولو حتى حركة بسيطة، والشرط الثالث هو توفر نية السرقة والتي يتم تعريفها عادة على أنها النية لحرمان المالك من غرضه للأبد، وتعد السرقة من السلوكيات الإنسانية غير السوية ، ويجب في حالة الأطفال مثلًا الذهاب إلى المختص النفسي لتعديل السلوك، وأسباب السرقة في علم النفس كثيرة من الممكن أن تكون مَرَضية.
ينظر إلى الفقر وكأنه السبب الأساسي للسرقة في جميع أنحاء العالم، ولكن في الحقيقة هناك العديد من أسباب السرقة التي لا يلقي لها الأشخاص بالا، فقد تكون أسباب السرقة نفسية أو مرضية أو عضوية أو لعدم الشعور بالأمان وكثير من لصوص الدول المحترفين ليسوا في حاجة للمزيد من السرقات ولديهم ما يكفي أولادهم وأحفادهم من أموال تمكنهم من الحياة الكريمة ورغم ذلك يستمرون في السرقة ومراكمة المزيد والمزيد من النقود .
هوس السرقة الذي يسمى في علم النفس بالسرقة القهرية يعد هذا الهوس من الاضطرابات النفسية التي قد لا يعرف الشخص بأنه مصابٌ به، حيث يسرق الإنسان ليس لحاجته للشيء أو استخدامه له، بل لحاجته القهرية للسرقة، ولا يستطيع منع نفسه عن هذا الفعل، ويسرق المُصاب بهذا الاضطراب أشياءً ليس محتاجًا لها أصلًا، وهدفه من السرقة ليس الإجرام بل إرضاء هوس السرقة لديه .
تلعب الأسباب الاقتصادية دورًا هامًا في السرقات التي تحدث كل يوم وبشكلٍ متكرر، فالفقر الذي يعيشه البعض بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، وصعوبة الحصول على العمل وتفشي البطالة، جميعها أسباب اقتصادية تدفعهم إلى السرقة ليستطيعوا العيش، طبعًا هؤلاء الأشخاص البسطاء غير منتميين للمنظمات الإجرامية التي تمتهن السرقة كعملٍ دائم أما حال موظفي حرس الحدود والجمارك والتموين في الكثير من الدول فمختلف عن هؤلاء اختلافا كبيرا .
قد يسرق بعض الأشخاص بسبب العوامل النفسية والاجتماعية الناتجة عن الغيرة من شخص ما فالمدراء يجب أن ينموا لطبقة مالية محددة ورؤساء الدوائر السيادية أيضا، وقد يتعرض كل مدير أو رئيس دائرة لا يسرق للنقد الاجتماعي بأنه غشيم أو لا يعرف كيف يستفيد ، أو بسبب حب الناس له، مما يثير حفيظة بعض الأشخاص لمضايقتهم والاعتداء على الممتلكات التي يحبونها بقصد تعريضهم للإيذاء النفسي، أو لملء الفراغ العاطفي في أنفسهم ببعض الأحيان، وقد يلعب تدني احترام الذات دورًا في السرقات التي تحصل بسبب القضايا النفسية. وقد يمارس البعض السرقة في المجتمع فقط لإرضاء الغرور الاجتماعي والظهور بمظهر رجل المجتمع الكريم .
وتنتشر السرقات في الكثير من مفاصل الحياة والدول وعلى كل المستويات وتحت تسميات كثيرة .
يحكى أنه خلال عملية سطو في مدينة نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية حيث صرخ لص البنك موجهاً كلامه إلى الأشخاص الموجودين داخل البنك قائلا: ” لا تتحركوا فالمال ملك للدولة. و حياتكم ملك لكم. استلقوا أرضا وإلا أطلقت النار .”
استلقى الجميع على الأرض بكل هدوء من دون أي مقاومة . يسمى هذا الإجراء “مفهوم تغيير التفكير” وهدفه تغيير الطريقة التقليدية في التفكير فلماذا يضحي الإنسان بحياته لقاء أشياء لا يمتلكها أصلا.
عندما عاد اللصوص إلى مقرهم. قال اللص الأصغر عمراً و الذي يحمل شهادة ماجستير في إدارة الأعمال لزعيمه و كان أكبرهم سنا ويحمل شهادة التعليم الابتدائي: ” يا معلم دعنا نحصي كم من الأموال سرقنا.”
نهره الزعيم بصوت عال و قال : “أنت غبي جداً ! كمية الأموال كبيرة , وستستغرق منا وقتاً طويلاً لعدها. الليلة سوف نعرف من نشرات الأخبار كم سرقنا من الأموال” ! اقتنع اللص الصغير حامل الماجستير في الإدارة بما قاله معلمه وهذا ما يسمى “الخبرة في العمل “. وفي هذه الأيام، الخبرة أكثر أهمية من المؤهلات الورقية!
وبعد أن غادر اللصوص البنك, قال مدير القسم لمدير البنك , اتصل بالشرطة بسرعة حتى نبلغ عن السرقة . و لكن مدير البنك قال له” : انتظر قليلا! دعنا نأخذ 10 ملايين دولار و نحتفظ بها لأنفسنا و نضيفها إلى مبلغ 70 مليون دولار التي قمنا باختلاسها سابقا. يسمى هذا المفهوم في علم الاقتصاد ” السباحة مع التيار” وتحويل كل وضع مستجد غير مُواتٍ لصالحك واستغلاله الاستغلال الأمثل بحيث تحقق الربح الأكيد من كل حرة تحري في محيطك .
قال مدير البنك: “سيكون الأمر رائعاً. إذا كان هناك سرقة كل شهر.” يسمى هذا التصرف في علم الإدارة التعود على السرقة وقتل الملل ويصبح مع الوقت لديك مفهوم جديد هو السعادة الشخصية أهم من الوظيفة العامة وتطبيق القانون .”
في اليوم التالي، ذكرت وكالات الإخبار أن 100 مليون دولار تمت سرقتها من البنك ( الفلاني) . ولدى سماع الخبر ، قام اللصوص بِعَدِّ النقود المرة تلو المرة , وفي كل مرة كانوا يجدون أن المبلغ المسروق هو فقط 20 مليون دولار .
غضب اللصوص كثيراً و قالوا نحن خاطرنا بحياتنا من أجل 20 مليون دولار وحصل مدير البنك على 80 مليون دولار من دون أن تتسخ ملابسه يبدو أنه من الأفضل أن تكون متعلماً على أن تكون لصا. يسمى هذا المفهوم في اقتصاد المعرفة ” المعرفة تساوي وزنها ذهبا” ويشتغل علم الإدارة الحديث على إحلال اقتصاد المعرفة محل الاقتصاد التقليدي.
ابتسم مدير البنك وغمرته السعادة لأن خسائره في سوق الأسهم تمت تغطيتها بهذه السرقة ، وطلب من القسم القانوني مخاطبة شركة التأمين للتعويض عن المبلغ المسروق . يسمى هذا التفكير في علم الاقتصاد ” اقتناص الفرص” والجرأة على المخاطرة .
يعتقد المدراء الكبار من أصحاب الصلاحيات أن الحنكة الإدارية ليست في تطبيق القانون المنصوص عليه في التشريعات وإنما القدرة على المناورة واقتناص الفرص من دون أن يلتقطك رادار الرقابة ومؤسسات الشفافية المحلية والإقليمية والدولية وعلى هذا الأساس يتم اختيار القادة .
وعندما تسأل ماذا فعل فلان ؟
يأتيك الجواب المعهود ” ما أخذ من الجمل إلا أذنه.”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى