أخبار العالمفي الواجهة

ماكرون يريد التحالف مع اليمين المتطرف لمواجهة اليسار

رشيد غويلب

أدخل مشروع إصلاح نظام التقاعد فرنسا في أزمة اجتماعية وسياسية عميقة. بعد ان مررت الحكومة قانون رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 بمرسوم، متجاوزة البرلمان، على الرغم من أن أكثر من ثلثي الفرنسيين و93 في المائة من العاملين في البلاد يرفضون “الإصلاح”.

ونظرًا لاستمرار واتساع المقاومة، ومشاركة الملايين فيها، لجأت الحكومة، طيلة ثلاثة أسابيع، للعنف المكشوف ضد المحتجين والمضربين، واجبار العمال على العمل قسرا في بعض القطاعات.

ومع فشل استراتيجية العنف الحكومي ضد المحتجين والمضربين، طور الرئيس الفرنسي، منذ أسبوعين، استراتيجية جديدة، مبنية على استهداف قوى اليسار الفرنسي ورموزه الأكثر شهرة، وفي المقدمة منهم جان لوك ميلينشون، زعيم حركة فرنسا الابية، متهما إياه وحركته في توظيف العنف المنتشر لمحاربة النظام السياسي الفرنسي: “المشروع السياسي لحركة فرنسا الابية قائم على ركوب موجة العنف”، قال ماكرون خلال جلسة في قصر الإليزيه الأسبوع الفائت: “إنهم يريدون تقويض مؤسساتنا ونزع الشرعية عن المدافعين عنها”. واستنتج ماكرون أن ميلينشون يمثل تهديدا للجمهورية، معلنا أن الرجل هو العدو الأول للجمهورية.

وتوصيف الرئيس الفرنسي يهدف أيضا الى دق إسفين بين أطراف معسكر اليسار ومعسكر معارضيه عموما.

ان تحجيم المقاومة بشخص رجل واحد، يهدف إلى نزع الشرعية عن الاحتجاج بأكمله. ومن أجل تحقيق هذا الهدف تعمل الحكومة على “جبهة جمهورية موحدة ضد تحالف اليسار” على حد تعبير عدد من الوزراء.

والمعروف، حتى الآن، كانت “الجبهة الجمهورية المتحدة” دائما تهدف الى منع حزب التجمع الوطني الفاشي من الفوز في جولة الانتخابات الرئاسية الثانية، حيث تدعم جميع الأحزاب الأخرى المرشح الآخر (في هذه الحالة ماكرون)، لمنع وصول زعيمة حزب التجمع الوطني، الى رئاسة البلاد. ويريد ماكرون اليوم قلب المعادلة، وتشكيل جدار صدٍ ضد قوى اليسار والنقابات والحركات الاجتماعية، مكونة من يمين الديمقراطيين الاجتماعيين، واليمين الليبرالي والمحافظ وصولا الى اليمين المتطرف، الذي يشكل اليوم قوة مؤثرة في الجمعية الوطنية الفرنسية.

و جرب ذلك كنموذج لجبهة ماكرون اليمينية المرجوة، قبل أيام في مقاطعة “اريغ”، خلال جولة إعادة انتخابات الجمعية الوطنية فيها، اذ واجهت بينيديكت تورين من تحالف اليسار، مارتين فروجر “المنشق” عن الحزب الاشتراكي الفرنسي في الجولة الثانية. وعلى الرغم من تقدم تورين بشكل واضح في الجولة الأولى، إلا أنها خسرت الجولة الحاسمة لصالح منافسها اليميني، نتيجة لتوحد معسكر اليمين بكل قواه ضد المرشحة اليسارية، أي ان اليمين “الديمقراطي” تحالف مع الفاشيين الجدد لهزيمة اليسار. التقارب بين ماكرون واليمين المتطرف هو جزء أساسي من استراتيجية الحكومة، والتي لا تخفيها أيضًا. وأعلن وزير العمل أوليفييه دوسوبت مؤخرًا أن السيدة ماري لوبان (زعيمة اليمين المتطرف) كانت “جمهورية أكثر بكثير” من ميلينشون. وقال وزير الداخلية جيرالد دارمانين في مقابلة إذاعية ان “لوبان أكثر ذكاء من جان لوك ميلينشون”.

ليس من المستغرب أن يعمل ماكرون للخروج من الأزمة، عبر التحالف مع اقصي اليمين لمواجهة اليسار، لطالما عرف رأس المال مكانه في الوسط، موظفا طاقات اليمين المتطرف في أوقات الازمات. وهذا ما تؤكده أيضا التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس أكبر “جمعية لرجال الأعمال” في فرنسا في مقابلة إذاعية. هناك، صرح جيفروي رو دي بيزيو حرفياً أن سلطة لوبان كانت “مخاطرة ضرورية” يجب توظيفها.

توقع الفيلسوف الماركسي فريديريك لوردون بالفعل قيام “جبهة موحدة ضد اليسار” بقيادة ماكرون في عام 2021. ولكن من غير المرجح أن تساعد هذه الاستراتيجية الرئيس الفرنسي على الخروج من الأزمة. لقد أصبح الاحتجاج على “إصلاح نظام التقاعد” واسع للغاية، ولكن هذه اللعبة خطيرة لأنها تمهد الطريق أمام لوبان لدخول قصر الإليزيه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى