أخبارإسلامرأي

لهذا يكرهون الشافعي والبخاري

أتدرون لماذا يكره خصوم الإسلام من داخل نسيج الأمة كلا من الإمام الشافعي والإمام البخاري؟ لقد شاع في العقود الأخيرة تكالب “التنويريين” والحداثيين والعلمانيين والشيعة و”القرآنيين” على تراث علماء الإسلام الكبار وخاصة الشافعي والبخاري، ألفوا  الكتب وكتبوا المقالات ونشروا المنشورات وملؤوا الفضائيات وهم “يتباكون” على الاسلام الذي “حرّفه إمام  الأصول وإمام الحديث، ويدعون المسلمين إلى نبذ كتاب الرسالة للفتى القرشي والجامع الصحيح لإمام الحديث، وقد وجدوا بعض الصدى في أوساط المتعلمين ووجدوا بعض الآذان الصاغية وسط المتسرعين الذين لم يجلسوا في حلقة علم ولا أخذوا دينهم من فقيه أو محدث ولا غاصوا في أمهات الكتب، ينحصر مصدر ثقافتهم الدينية في الوسائط الاجتماعية وشيء من الرسائل التي لا يفهمون مضمونها في الغالب.

وقد بدؤوا بالسنة النبوية لأنها – في نظرهم – الحلقة الضعيفة مقابل القرآن الكريم الذي يصعب النيل منه، ففتشوا عن الشبهات وضخموا هنات العلماء وجمعوا الطعون وأذاعوها وقال للناس هذه هي السنة التي تعتمدونها في دينكم، هي مادة ضعيفة متهافتة، تناقض القرآن ولا تصمد أمام النظر العقلي، وإنما قصدهم الأول نزع القداسة عن النص الديني – هذا بالنسبة لأطياف العلمانيين، والاستحواذ على نصوص الوحي لإدراجها في التفسير المذهبي والطائفي بالسبة للشيعة…فالقرآن الكريم هو المستهدف مرحليا، والبداية بالسنة التي تمثل التفسير العملي له، فإذا تم هدمها أو نزع الثقة منها سهل الولوج إلى القران بالشبهات ومختلف الطعنات، إنهم يريدون أن يجعلوا من القرآن عجينة يصنعون منها ما يشاؤون بتأويلاتهم الحداثية البعيدة عن الشريعة وبمنهجهم الخارج عن النمط الشرعي، لكن هنا تقف لهم بالمرصاد الأصول التي وضعها الامام الشافعي وتلقتها عنه الأمة، وتمنعهم من التلاعب بالنص القرآني، هذه الأصول هي منهج فهم الوحي والتعامل معه، هي فلسفة الإسلام ، وطرق النظر في القرآن والسنة والاستنتاج والاستنباط ، فهي تمثل السياج الذي يمنع الشريعة عن غير المؤهلين للتعامل معها، كما تقف أمام تلاعبهم الشروط الصارمة التي وضعها علماء الحديث وعلى رأسهم الإمام البخاري لقبول الحديث…فالشافعي والبخاري حارسان يقظان لبيضة الشريعة وصخرتان عاتيان تتكسر عليهما محاولات تمييع الشريعة وتحريفها، لهذا كانا هدفا للوصوليين والمتهافتين والمبطلين، فلا نجد أحدا يريد تمرير فكر وافد مستورد غريب عن الإسلام إلا ويكرههما ويشكك فيهما ويشنّ عليهما حربا ضروسا حتى أصبح هذا موضة حقيقية في السنوات الأخيرة إلى درجة ان سرت إلى بعض المتمسكين بدينهم وبعض المثقفين فنشرت فيهم الشك والريبة وغدوا ريشة في مهب ريح الحداثيين والشيعة…وآخر ما فعله الحداثيون هو مسلسل الشافعي الذي أذيع في شهر رمضان الماضي، إنه جريمة في حق أبي ادريس رحمه الله، فقد أفسدوا عربيته، وحرّفوا سيرته، وكذبوا على آرائه ، وكان حقا حلقة في سلسلة الحرب التي يشنونها على مناهج أهل السنة.

إن أصول الشافعي هي منهج أهل السنة، و منهج  من سبقه من المجتهدين كأبي حنيفة ومالك والليث والأوزاعي، وإنما قام هو ببلورته وجمع ما تفرق منه في كتب السابقين، أما صحيح البخاري فهو أصح كتاب في دين الله بعد القرآن الكريم…وكل هذا لا يعني تقديس أحد ولا إضفاء العصمة عليه، لكن الدراسة النقدية شيء والهدم الذي خلفه نية مبيتة معروفة سافرة شيء آخر، فوجب الحذر من ألاعيب كل متشيع وعلماني عليم اللسان قد يستهوي أصحاب التدين العاطفي وأصحاب التدين المغشوش على السواء، وها هي قنوات جزائرية – منها قناة القرآن الكريم – تستضيف بعضا من هؤلاء “المجتهدين” من خراج النسق الإسلامي السني وتحيطه بهالة براقة ينخدع بها من لا رسوخ له في علوم الشريعة، ولو ناظره أصحاب الرسوخ لانكشفت حقيقته وبانت عوراته الفكرية.

إن هؤلاء ليسوا دارسين ولا باحثين عن الحقيقة ولا مراجعين لتراث السابقين – فكل هذا مطلوب وطبيعي جدا ضمن العمل الفكري الذي لا ينقطع خدمة لدين الله – بل هم أصحاب أجندة فكرية استشراقية تحريفية لا تعنيها الحقائق بل الشبهات وإلا كيف نفسر تشكيكهم في صحة أحاديث البخاري وهم لا يملكون النسخة الأصلية لكتاب جمهورية أفلاطون، ولا ما يروي عن حكمة سقراط،  و لا كتب أرسطو،  ومع ذلك يتعاملون معها كحقائق لا يمتد إليه الشك؟ يتحدثون عن فلاسفة إغريق كأنهم عاصروهم و أخذوا عنهم مباشرة، فإذا تحدثوا عن التراث الإسلامي شككوا بدون منهج علمي منسجم مع الثقافة الإسلامية، فكأن هذه الآية تعنيهم: “وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة و إذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون.”

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى