أخباررأي

قل ما شئت بمسبتي.. فسكوتي عن اللئيم هو الجواب

قل ما شئت بمسبتي.. فسكوتي عن اللئيم هو الجواب

—-

رشيد مصباح (فوزي)


**

النّميمة كما ورد في أكثر من مرجع من المراجع اللّغويّة والدّينيّة الاسلامية: ”نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء بينهم“. والنمّ خُلقٌ ذميمٌ؛ لأنه باعثٌ للفتنِ، قاطعٌ للصِّلاتِ، زارعٌ للحِقد، ومفرّقٌ للجماعات.

وأمّا المشّاء بالنّميمة فلا بدّ أنّه سافلٌ ٌ حقير، ولديه من الغيرة والحِقد والحسد ما يذيب الجبال. هذا على مستوى الأشخاص والأفراد.

وأمّا على مستوى الجماعة أوالمجتمع؛ و”كل جمع مؤنّث“ كما قال الشّاعر قديما. فالنّميمة إذا تفشّت في مجتمع وتمّ تبنّيها من قبل الأفراد لتغدو أمرا عاديا كغيرها من العادات المتفشيّة، فله دلالة على أن هذه الجماعة أو هذا المجتمع لا خير فيه. وأمّا المجتمع الرّاقي فهو الذي يقدّم النّصيحة ويحارب النّميمة ومثلها من العادات المتفشيّة و القبيحة.

ما نلاحظه في مجتمعنا المسلم ”بالوراثة والتقليد“ لا بالرّضا والقناعة، والذي يتظاهر جلّ أفراده بالتّقوى والورع والخشوع، ويهرولون إلى المساجد عند سماع الآذان حتى يراهم الآخرون ويعجبون بصلاتهم، هذا المجتمع الذي نعيش فيه ونحن جزء منه وفيه، النّميمة بالنسبة إليه حِذْقٌ.”حذاچة“ بالعاميّة الدّارجة.

نهوّن من خطورة النّميمة وهي آفة خطيرة وذنبها عظيم، وعنها قال المولى عزّ وجلّ:

{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ (10) هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ (11) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ (12) عُتُلٍّ بَعْدَ ذَٰلِكَ زَنِيمٍ (13)} . القلم.

وعنها كذلك قال الرسول الأعظم الكريم:

((ألا أُخبِرُكم بشِرارِكم المشَّاؤونَ بالنَّميمةِ المُفسِدونَ بينَ الأحبَّةِ الباغونَ للبُرآءِ العيبَ)).

ولقد كنّا نعتقد أن النّميمة هواية النّساء وحدهن، ولكن الأمر غير صحيح. ففي أيّامنا ”التّعيسة“ هذه، لا يكاد يخلو مكان، ولا مجلس من المجالس من النّميمة؛ وحتّى إن بيوت الله صارت هي الأخرى وكرا من الأوكار التي لا يجد النّاس فيها بدّا من التكلّم في الآخرين وهتك أعراضهم. على الرّغم من الأحاديث التي تحذّر الناس من أن بيوت الله لا تليق إلاّ للذِّكْر والتسبيح. لكنّك لا تجد من ينهى عن هذا المنكر، لأن الذي يشرف على المسجد همّه رضا الآخرين، حتى وإن كان رضا الآخرين من سخطِ الله.

النّميمة سلاح الضّعفاء، والتّافهين الذين لا يجدون ما يشغلون به وقتهم. والذين ليس لديهم ما يقدّمونهم للآخرين، فيلجئون إلى النّميمة كوسيلة لهو وتسلية وتضييع الأوقات. ولو أنّهم كانوا يدركون مدى أهميّة ومعنى الوقت لضحكوا قليلا و بكوا كثيرا.

وإنه لئن كانت الأعراض عند أصحابها عزيزةٌ وغالية، فهتكها أخطر وأعظم عند الله مما نظن.

لكن النّميمة لا تضرّ سوى صاحبها في النهاية.

وقد ورد عن الإمام الشافعي -رحمه الله-؛ والذي يقال إنّه صاحب المقولة الشهيرة: ”القافلة تسير والكلاب تنبح“. أنّه ردّ على أحد الحاقدين؛ كان قد تكلّم فيه، ببيتين بليغين:

قل ما شئت بمسبّتي.. فسكوتي عن اللئيم هو الجواب

لست عديم الرد لكن.. ما من أسد يجيب على الكــــلاب

وحتى الموتى لم ينجوا من هؤلاء الأنذال فقد بلغت الجرأة بأحدهم أنه قام بمسح الميم من شاهد قبر والدي تعبيرا عن مدى جبنه لأنه لم يقدر عليه وهو حيّا فانتقم منه بعد خروج روحه إلى بارئها. وقد لاحظت هذا مرارا وتكرار وكان بإمكاني أن أعيد الحرف إلى مكانه، ولكنّني تركت الأمر على حاله حتى يتحمّل الوزر صاحب هذا العمل الحقير الجبان. ويُغفر لوالدي في كل يوم تطلع فيه الشمس لتنير قبره، بإذن الله.

ولكنّه الفراغ ”القاتل“، والطبيعة تخشى الفراغ، حتى وإن كان هناك من رفض ويرفض هذه النظريّة اليونانية القديمة. لكن الفراغ يجرّ على صاحبه إن لم يشغل نفسه بمطالعة، أو بعمل يعود عليه وعلى الآخرين بالنفع. والنفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل. وهو كلام حكماء، وفي مثله قال (ابن القيم) -رحمه الله-:

”فهي النفس إن لم تشغلها بالحق شغلتك بالباطل، وهو القلب إن لم تسكنه محبة الله عز وجل سكنه محبة المخلوقين ولا بد، وهو اللسان إن لم تشغله بالذكر شغلك باللغو وما هو عليك ولا بد“.

وللأسف فإنّة لا يوجد لدينا دعاة حقيقيين و وُعّاظ أكفاء؛ يزلزلون المنابر على رؤوس المنافقين فترتجف لها قلوبهم. وللأسف فإنّ الحقّ عندنا صار ضيفا ثقيلا، بل وشخصا غريبا. والباطل هو من يتسيّد في أيّامنا هذه، وهذه حقيقة مطلقة، وليس مجرّد افتراء.

ما صدر من القلب وصل إلى القلب، وما لم يصدر من القلب ونطق به مجرّد اللّسان يبقى مجرّد كلام. لذلك لم ولن يصل خطابكم إلى قلوب المؤمنين أيّها الخطباء والوعّاظ، يا أصحاب المنابر العاجية التي تراوح مكانها ولا تُزلزِل.

ولأنّ استباحكم منبر الرّسول الأعظم كان مجرّد بحث عن الرياء والسّمعة. بل وبحثا عن الزيّادة في الأجور، لا عن مزيد الأجر والثواب. ولأن فاقد الشيء لا يعطيه، فليس لديكم ما تقدّمونه لهؤلاء المسلمين بالوراثة والتقليد؛ الذين ”ران على قلوبهم وقذف الله فيها الوهن“.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى