أخبارتعاليقرأي

إحياء المناسبات التاريخية وأبعادها الشعبية 

الأستاذ حشاني زغيدي

التاريخ جزء مهم  من ذاكرة الشعوب ،  فأحداثه صنعها  بكل تفاصيلها بأفراحها وانتصاراتها وهزائمها   ،  وتلك الأحداث لها أهميتها  ، كونها تحمل ذكرى عاشها الشعب وحقّ للأجيال ذكرها والاستفادة منها ، والحفاظ على مكاسبها.    

وإني أرى أن  التقليل من شأنها خدش للشخصية الوطنية ، وضرب لهوية الأمة  ،  فهذه الذكريات تحمل دلالات كبرى في تشكيل شخصية المجتمع والدولة ، فالتقليل من شأنها يولّد لنا شخصيّة تجهل ماضيها ، تجهل تاريخ نضالها  ، بل تجهل حجم التّضحيات التي قدّمها الشّعب من أجل افتكاك حريته ونبل سيادته. 

وقد يؤدي تجاهل هذه المناسبات أمّية ، تساهم في غياب الذاكرة التّاريخية للأجيال ، حيث ينشأ لنا جيل يجهل ماضيه ، أو جيل يتنكر لأصالته ، فيكون معول هدم  ، يسهل استغلاله لضرب تاريخه وأصالته  ،  فيبيع مقومات شخصبته   بسبب جهله. 

إنّ الاحتفاء بهذه المناسبات التّاريخية سواء كانت ذات أبعاد سياسية أو ثقافية أو دينية أو اجتماعية  لها قيمتها في حماية الموروث الثّقافي لكلّ شعب  ، فما نعيشه اليوم   من ضعف  في هذه الجوانب  ، يدقّ ناقوس الخطر  ، نلمس خطره حتى عند الفئات المتعلمة بمختلف فئتها العمرية ، لو أجرينا استطلاعات رأي  لا صدمنا من نتائج هذا  الاستطلاع ،  فسوف نجد عددا غير قليل ، يجهل أحداثا مهمّة من تاريخه ، بل لا يعرف ، أهم قادته الذين  صنعوا انتصارات أمته  ، يجهل مفاصل مهمّة  عن جرائم مارسها الأعداء عبر العصور على الشعب عبر قرون من الجهاد والتضحية .

بالطّبع فإنّ المناسبة التّاريخية  لها من الدّلالات الكبرى في حياتنا  ، لا يمكن بحال العبور عنها أو القفز عليها ، فحقّ لكلّ حرّ غيور  أن يسجّل  موقفه  الإيجابي حول هذه  الأحداث الوطنيّة ، حقّ للأجيال أن تعرف  ماضيها المشرق ، وحقّ للكبار أن يورثوها للصّغار  حتّى لا تطمس  الذّكرى من الذّاكرة.  وتظهر خطر التّقليل من شأن هذه  المناسبات  الهامة والتي  تعكس كما قلت الهوية والذاكرة . 

فأوّل خطر :  ينتج عن التقليل من شأنها وأهميتها  أن  يصيب النّسيج المجتمعي ضعف الصّلة والانتماء  ، كونها مناسبات لا تعينه ولا تهمه كونه يجهل قيمتها .

الأمر الثاني :  إهمال حفظ الموروث وعدم رعايته ، سوى بالكتابة والتّوثيق أو الاحياء  أو حمايته من التّلف والضّياع ، والذي يؤدي حتما  لركود ثقافي سببه عدم  اهتمام النخب أو الجمهور بهذه الأحداث .

الأمر الآخر:  والذي لا يقلّ خطورة ، وبتمثل في عدم تحمس فاعليات المجتمع مع هذه الأحداث ، كونها تعني السّلطة السّياسية ولا تعني المجتمع بكل تفرعاته  ، وهذا شرخ كبير وهوّة لا تجبر ، وجب الوقوف عندنا ومعالجة خطورة  ظاهرتها .

وقد تظهر خطورة أيضا :  حين يقلل ميزان هذه الأحداث والمناسبات  في البعد التعليمي والتثقيفي ،  والذي  ينقص الوعي بأهمية التاريخ في المنظومة التربوية ، فيعطى له حقه بين المنهج التربوي،  فينال حجمه الساعي ومعامله المناسب بين مرصوفة الأنشطة التعليمية ، حتى يكون لنا طالب واع لماضيه  ومستقبله،  وهذا الدور منوط بالنخب والكوادر التعليمية المؤهلة من الأساتذة والباحثين  والدارسين  من خلال مساهمة في مشروع حماية الذاكرة .

في الأخير وجب التأكيد أن  إحياء المناسبات التاريخية يعدّ جزءًا مهمًا لتحصين  ذاكرة الأمة الحيّة  ، ويعدّ منشط جهاز الحماية لها  ، فأمّة بلا تاريخ ، أمة لا مستقبل لها بل أمة يسهل بلعها واحتواءها واستغلالها ، وعليه  وجب على  المجموعة الواعية في الأمة التنبه  لهذه المخاطر  بمساهمتها   في تعزيز التواصل وحماية لوحدة الاجتماعية.  

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى