أخبارإسلامثقافة

فضل تلاوة القرآن الكريم

د.حلمي الفقي

القرآن الكريم كلام الله رب العالمين أنزله على محمد ﷺ  بواسطة جبريل عليه السلام ، وأصدق من يعرف لنا القرآن الكريم رسول الله ﷺ حين قال :

“‌كتاب ‌اللَّه، فيه ‌نبأ ‌ما ‌قبلكم، وخبر ما بعدكم، وحكم ما بينكم، وهو الفصل ليس بالهزل، من تركه من جبار قصمه اللَّه، ومن ابتغى الهدي في غيره أضله اللَّه، وهو حبل اللَّه المتين، وهو الذكر الحكيم، وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسنة، ولا يشبع منه العلماء، ولا يخلق على كثرة الردِّ، ولا تنقضي عجائبه، هو الذي لم تنته الجن إذ سمعته حتى قالوا: {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ} [سورة الجن: 1 – 2] من قال به صدق، ومن عمل به أجر، ومن حكم به عدل، ومن دعا إليه هُدِيَ إلى صراط مستقيم” رواه الترمذى والدرامى والبزار والحكمة من إنزال القرآن الكريم ، أن يكون معجزة باقية للأبد تثبت صدق النبي ﷺ فى كل ما نطق به، وأنه رسول رب العالمين لتبليغ الدين الخاتم للناس أجمعين ، ولقد أمر الله رسوله ﷺ أن يتحدى عباقرة العالم وأذكياء الدنيا فى الفصاحة والبيان أن يأتوا بمثل هذا القرآن فظهر عجزهم واضحا جليا وثبت صدق النبي ﷺفى كل ما بلغ به عن ربه ، ” وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانُ أَن يُفۡتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصۡدِيقَ ٱلَّذِي بَيۡنَ يَدَيۡهِ وَتَفۡصِيلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا رَيۡبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ، أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِسُورَةٖ مِّثۡلِهِۦ وَٱدۡعُواْ مَنِ ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ ” [يونس: 37-38]

وقوله تعالى ” قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا ” [الإسراء: 88]

وبعد هذا التحدى الصارخ القائم على مدار التاريخ ثبت العجز الصارخ الواضح الثابت على مدار التاريخ ليثبت للدنيل كلها أن محمد رسول الله عز وجل للعالمين أجمعين ، وأن القران كلام رب العالمين .

و أن يكون القرآن الكريم كتاب هداية وإرشاد للناس جميعا فى كل مجالات الحياة ، الخطير والحقير ، الدقيق والجليل ، الصغير والكبير ، فى النفس والمجتمع والدولة والوجود كله ، يُسعد من اتبعه ، ويضل ويشقى من خالفه .

ولاشك أن تلاوة القران الكريم من أعظم ما يتقرب به العبد الى رب العالمين ، قال عز وجل :

“إِنَّ ٱلَّذِينَ يَتۡلُونَ كِتَٰبَ ٱللَّهِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ سِرّٗا وَعَلَانِيَةٗ يَرۡجُونَ تِجَٰرَةٗ لَّن تَبُورَ ٢٩ لِيُوَفِّيَهُمۡ أُجُورَهُمۡ وَيَزِيدَهُم مِّن فَضۡلِهِۦٓۚ إِنَّهُۥ غَفُورٞ شَكُورٞ ” [فاطر: 29-30]

من معاني التلاوة في القرآن الكريم:

ذكر أهل التّفسير أنّ معنى التّلاوة في القرآن الكريم على خمسة أوجه:

أحدها: القراءة، ومنه قوله تعالى { قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} ( ال عمران 93)

والثّاني: الاتّباع، ومنه قوله تعالى : {وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها}. (الشّمس: 2 )

والثّالث: العمل، ومنه قوله تعالى :{ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ } (في البقرة: 121 ) ، والرّابع: الرّواية ، كما في قوله تعالى :{ وَاتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ } ( البقرة : 102 )

الخامس: الإنزال ، كما في قوله تعالى: { نَتْلُوا عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ} (القصص :3 )المؤمن يقرأ القرآن باللسان ويتدبر بعقله ويخشع بقلبه ويتأثر بوجدانه ، ثم يخضع وينقاد لأمر رب العباد ، ويصلح نفسه ويدعو غيره الى اتباع المنهاج الحق المبين ، ويسعى الى إقامة دين الله فى كل مجالات الحياة فاذا قرأ المسلم القرآن وعجز عن الخشوع والتدبر فالحل هو في مواصلة القراءة لأن القراءة جلاء القلوب التى رانت عليها الذنوب ،قال ﷺ : «إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ تَصْدَأُ ‌كَمَا ‌يَصْدَأُ ‌الْحَدِيدُ»، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا جَلَاؤُهَا؟ قَالَ: «تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ» رواه البيهقى فى شعب الإيمان وأبو نعيم فى الحلية والخرائطي في اعتلال القلوب.

 وهذا ظاهر لأن الله عز وجل يقول عن القرآن { وشفاء لما فى الصدور } ( يونس : 57)

“إِنَّ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانَ يَهۡدِي لِلَّتِي هِيَ أَقۡوَمُ وَيُبَشِّرُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ ٱلَّذِينَ يَعۡمَلُونَ ٱلصَّٰلِحَٰتِ أَنَّ لَهُمۡ أَجۡرٗا كَبِيرٗا ” [الإسراء: 9]

” وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَآءٞ وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ ٱلظَّٰلِمِينَ إِلَّا خَسَارٗا ” [الإسراء: 82] .

فواصل أخى الحبيب القراءة حتى وإن كانت بلا خشوع حتى تصل الى الخشوع ، فعَنْ أَبِي ذَرًّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: «أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ، فَإِنَّهَا رَأْسُ أَمْرِكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «‌عَلَيْكَ ‌بِتِلَاوَةِ ‌الْقُرْآنِ، وَذِكْرِ اللَّهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَكَ نُورٌ فِي السَّمَوَات وَنُورٌ فِي الْأَرْضِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «عَلَيْكَ بِالْجِهَادِ فَإِنَّهُ رَهْبَانِيَّةُ أُمَّتِي» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ: «لَا تُكْثِرِ الضَّحِكَ، فَإِنَّهُ يُمِيتُ الْقَلْبَ، وَيَذْهَبُ بِنُورِ الْوَجْهِ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «عَلَيْكَ بِالصَّمْتِ إِلَّا مِنْ خَيْرٍ، فَإِنَّهُ مَرَدَّةٌ لِلشَّيْطَانِ عَنْكَ، وَعَوْنٌ لَكَ عَلَى أَمْرِ دِينِكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «انْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ دُونَكَ، وَلَا تَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ فَوْقَكَ، فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ لَا تَزْدَرِيَ نِعْمَةَ اللَّهِ عِنْدَكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «أَحِبَّ الْمَسَاكِينَ وَجَالِسْهُمْ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «قُلِ الْحَقَّ وَإِنْ كَانَ مُرًّا» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ: «صِلْ قَرَابَتَكَ، وَإِنْ قَطَعُوكَ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي ، قَالَ: «لَا تَخَفْ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ» قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ زِدْنِي قَالَ: «تُحِبُّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ» ، ثُمَّ ضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى صَدْرِي، فَقَالَ: ” يَا أَبَا ذَرٍّ: «لَا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرِ، وَلَا وَرَعَ كَالْكَفِّ، وَلَا حَسَبَ كَحُسْنِ الْخُلُقِ» رواه ابن حبان فى صحيحه والحاكم

فقراءة القرآن وصية الرسول ﷺ لأمته فى أحاديث كثيرة جدا ومنها :عن أَبي أُمَامَةَ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقول: «اقْرَؤُوا القُرْآنَ؛ فَإنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ شَفِيعًا لأَصْحَابِهِ». رواه مسلم

و قَالَ رسول الله ﷺ : «الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ وَهُوَ مَاهِرٌ بِهِ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ، وَالَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَيَتَتَعْتَعُ فِيهِ وَهُوَ عَلَيْهِ شَاقٌّ لَهُ أجْرَانِ». متفقٌ عَلَيْهِ

وعن النَّبيِّ ﷺقَالَ: «لَا حَسَدَ إِلاَّ في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ القُرْآنَ، فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاء اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا، فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ». متفقٌ عَلَيْهِ

و قَالَ ﷺ: «مَنْ قَرَأ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ حَسَنَةٌ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أمْثَالِهَا، لَا أقول: ألم حَرفٌ، وَلكِنْ: ألِفٌ حَرْفٌ، وَلَامٌ حَرْفٌ، وَمِيمٌ حَرْفٌ». رواه الترمذيأما عن السبيل لتلاوة القرآن الكريم بتدبر وخشوع فقد وضع لنا الامام الغزالي عشرة قواعد تساعد على تلاوة القرآن على الوجه الصحيح ، وهى :

1 – فهم أصل الكلام

2 – ثم التعظيم

3 – ثم حضور القلب

4 – ثم التدبر

5 – ثم التفهم

6 – ثم التخلي عن موانع الفهم

7 – ثم التخصيص

8 – ثم التأثر

9 – ثم الترقي

10 – ثم التبري

فالأول : فَهْمُ عَظَمَةِ الْكَلَامِ وَعُلُوِّهِ وَفَضْلِ اللَّهِ سبحانه وتعالى ولطفه بخلقه في نزوله عن عرش جلاله إلى درجة إفهام خلقه ، فالكلام كالملك المحجوب الغائب وجهه النافذ أمره وكالشمس الغزيرة الظاهرة مكنون عنصرها وكالنجوم الزهرة التي قد يهتدى بها من لا يقف على سيرها فهو مفتاح الخزائن النفيسة وشراب الحياة الذي من شرب منه لم يمت ودواء الأسقام الذي من سقي منه لم يسقم .

الثاني : التعظيم للمتكلم فالقارئ عند البدء بتلاوة القرآن ينبغي عليه أن يحضر في قلبه عظمة المتكلم ويعلم أن ما يقرؤه ليس من كلام البشر وأن في تلاوة كلام الله عز وجل غاية الخطر .

الثالث : حضور القلب وترك حديث النفس قيل في تفسير {يا يحيى خذ الكتاب بقوة} أي بجد واجتهاد وأخذه بالجد أن يكون متجردا له عند قراءته منصرف الهمة إليه عن غيره وقيل لبعضهم إذا قرأت القرآن تحدث نفسك بشيء فقال أو شيء أحب إلي من القرآن حتى أحدث به نفسي .

الرابع : التدبر وهو أن يتفكر بعقله ويتدبر بقلبه ويتأثر بحسه

قال الإمام علي رضي الله عنه ” لا خير في عبادة لا فقه فيها ولا في قراءة لا تدبر فيها ” .

الخامس : التفهم وهو أن يستوضح من كل آية ما يليق بها إذ القرآن يشتمل على ذكر صفات الله عز وجل وذكر أفعاله وذكر أحوال الأنبياء عليهم السلام وذكر أحوال المكذبين لهم وأنهم كيف أهلكوا وذكر أوامره وزواجره وذكر الجنة والنار فعليه أن يتفهم من كل آية ومن كلمة المراد منها

السادس : التخلي عن موانع الفهم فإن أكثر الناس منعوا عن فهم معاني القرآن لأسباب وحجب أسدلها الشيطان على قلوبهم فعميت عليهم عجائب أسرار القرآن .

السابع : التخصيص وهو أن يقدر أنه المقصود بكل خطاب في القرآن فإن سمع أمرا أو نهيا قدر أنه المنهي والمأمور وإن سمع وعدا أو وعيدا فكمثل ذلك وإن سمع قصص الأولين والأنبياء علم أن السمر غير مقصود وإنما المقصود ليعتبر به وليأخذ من تضاعيفه ما يحتاج إليه .

الثامن : التأثر وهو أن يتأثر قلبه بآثار مختلفة بحسب اختلاف الآيات فيكون له بحسب كل فهم حال ووجد يتصف به قلبه من الحزن والخوف والرجاء وغيره .

التاسع : الترقي وأعني به أن يترقى إلى أن يسمع الكلام من الله عز وجل لا من نفسه فدرجات القراءة ثلاث أدناها ان يقدر العبد كأنه يقرؤه على الله عز وجل واقفا بين يديه وهو ناظر إليه ومستمع منه فيكون حاله عند هذا التقدير السؤال والتملق والتضرع والابتهال

الثانية أن يشهد بقلبه كأن الله عز وجل يراه ويخاطبه بألطافه ويناجيه بإنعامه وإحسانه فمقامه الحياء والتعظيم والإصغاء والفهم

الثالثة أن يرى في الكلام المتكلم وفي الكلمات الصفات فلا ينظر إلى نفسه ولا إلى قراءته ولا إلى تعلق الإنعام به من حيث إنه منعم عليه بل يكون مقصور الهم على المتكلم موقوف الفكر عليه كأنه مستغرق بمشاهدة المتكلم عن غيره

وهذه درجة المقربين وما قبله درجة أصحاب اليمين وما خرج عن هذا فهو درجات الغافلين .

العاشر: التبري وأعني به أن يتبرأ من حوله وقوته والالتفات إلى نفسه بين الرضا والتزكية فإذا تلا بآيات الوعد والمدح للصالحين فلا يشهد نفسه عند ذلك بل يشهد الموقنين والصديقين فيها ويتشوف إلى أن يلحقه الله عز وجل بهم وإذا تلا آيات المقت وذم العصاة والمقصرين شهد على نفسه هناك وقدر أنه المخاطب خوفا وإشفاقا .

والله تعالى أعلى وأعلم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى