رأي

عندما يتجاوز الفضول حدود الأدب.

رشيد مصباح (فوزي)

**

توفّى ابن أختي؛ ريحانة أختي ـ إذا جاز الوصف والتشبيه ــ وهو في عمر الزّهور. في ظروف غامضة يصعب التبّؤ بها، بعيدا عن مقر سكناه بمئات الأميال ــ رحمه الله وأسكنه فسيح جنانه وألهم أبواه الصّبر والسّلوان ـــ ما أجّج فضول النّاس كعادتهم، حول أسباب موته المفاجئ؟ وليس الفضول في أيّامنا هذه بالأمر الغريب. لكن الغريب هو حين يتجاوز النّاس بكلامهم حدود الأدب. والأغرب من ذلك كلّه أنّ النّاس في أيّامنا وعصرنا هذا لا يعرفون معنى الآدب، على الرّغم من مزاعم التديّن وادّعائهم بالإنتماء إلى دين الإسلام.

ما أغرب وأعجب هؤلاء النّاس حين يزعمون أنّهم على أثر الرّسول، يقتدون بسنّته، ويدّعون حبّهم له؟ا لكنّك حين تعود إلى أفعالهم لا تجد شيئا من هذا ولا ذاك ا؟

ولو قام أحد من السّلف الصّالح لاستغرب علينا أفعالنا؛ هذه التصرّفات المشينة، والسلوكيات التي لاتمتّ بصلة إلى دين الله، ولا إلى سنّة رسوله الكريم. ، وأنكر علينا تديّننا بدين الاسلام، وادّعائنا اتّباع محمّد ــ عليه أفضل صلاة وأزكى سلام ــ؛

يا لها من عادات وتقاليد سيّئة وقبيحة؛ استحضر بعض منها وكلّي حسرة وألم:

لقد بلغت الوقاحة بأحدهم حدّا لايطاق، إذ راح يسأل عن عدد بنات صهري المفجوع في فلذة كبده، وأمّه المكلومة. وكم يملك من السّكنات، وكم عدد النّوافذ والشّرفات (البلكونات) لأنّه كان يعدّها من الخارج فأراد التأكّد من الر ّقم الذي بحوزته (بلدية؟) … وأمّا آخر فكان يتحيّن وقت الأكل ولم أنتبه إلى ذلك، وظننته جادّا في حواره معي. فرحتُ أكلّمه من جوارح قلبي، لكنّه بمجرّد أن نادى المنادي على حضور الطعام تركني أتخبّط في حيرة وأتلعثم في الكلام، من كثرة أسئلته، وذهب دون تردّد أو استئذان.

إذا كان الموت مصيبة، كما سمّاه الذي فرضه علينا، فالجهل أعظم منه مصيبة، في اعتقادي.

ومن مصائب هذا الزّمان، استبدال النّاس دينهم بعادات وتقاليد بعضها مشينة، وبعضها الآخر قبيحة.

ومن النّاس من لا يعرف عن دينه سوى الصّلاة والصيّام. صيّام هو مجرّد امتناع عن الشّرب و الأكل، لا عن النّميمة والاغتياب، وصلاة تؤدّى في البيت وفي المساجد بلا سكون ولا خشوع. ومنهم من يذهب إلى العمرة أو الحج، لا للتعبّد ولكن بحثا عن الرّياء والسّمعة. يقرأون القرآن كثيرا، لكن لا يجاوز تراقيهم، ولا يتدبّرون معانيه.

ومنهم من يحضر الجنازة كي يراه أصحاب الجاه والسّلطان؛ فلان وعلاّن. ومنهم من يمشي إلى بيت العزاء من أجل ملء بطنه بأنواع الأكل والشّراب، ويشترط على أهل الميّت المفجوعين في ذويهم انواع الاكلات والملذّات. ومنهم من يرى فيه فرصة لإخراج ما في جوفه من شرّ وحقد وحسد.

وإن كان الموت مصيبة. فتعزية أهل الميّت لبست واجبا. ولكنّها من المستحبّات التي ندب إليها رسولنا الكريم.

فأيّ أيمان هذا إن لم نأخَذ العبرة من الموت؟

ونلتمس قلوبًنا، فإنّه لا أيمان ولا قلب لنا.

تنويه الكاتب

أعتذر عن ورود بعض الهنّات: ألهم “أبواه” تُقرأ ألهم أبويه: مثنّى منصوب (الأسماء الخمسة). استحضر “بعض” منها. تُقرأ بعضا منها: مفعول به منصوب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى