رأي

في ظلال القرآن

“في ظلال القرآن”

هذا الكتاب النفيس هو التفسير الرائع الذي كتبه الشهيد سيد قطب رحمه الله بمهجته ودمه وروحه قبل القلم والمداد، وإنما وفقه الله لإنجازه لأنه عاشه كلمة كلمة وحرفا حرفا، تناول القرآن الكريم وكأنه يتنزل عليه أو يخاطبه هو مباشرة…وليس راء كمن سمع، لم يؤلفه ككاتب بل كجندي في كتيبة الرحمن، جعل منه دليلا للدعاة وللجماعة المؤمنة، يهديهم في ظلمات الجاهلية المعاصرة، يعلمهم الحرية والثبات أمام الفتن، وتحدي الواقع المنحرف والطغاة المستبدين، كأنه – وهو يؤلف تفسيره – لا يمسك بقلم وإنما بسوط يجلد به ظهور أعداء الإسلام وعبيدهم…إنه تفسير لكتاب الله فتح الله فيه على المفكر العملاق فكان بعيدا عن المماحكات اللفظية والاستغراق في الخلافات الفقهية والاسرائيليات، جاء في شكل قشيب يلهب المشاعر وينير العقول ويزوّد المسلم بمعاني العزة والرفعة والشوق إلى الحياة في سبيل الله…ليس الظلال تفسيرا باردا بل هو كتاب يلقي بالقارئ في أتّون معركة الإسلام من أجل الحرية وتحكيم شرع الله…وكان سيد رحمه الله ينوي تأليف “في ظلال السيرة”.

الظلال – كما يقول د.علي حليتيم – “هو ذلك التفسير الفذ الذي أبرز فيه الشهيد روح القرآن بعدما غرقت التفاسير قبله في بحور من المناقشات اللغوية والمهاترات العقائدية والتاريخية العقيمة”، أراد به بث روح الكتاب العزيز في نفوس المؤمنين والعودة به إلى الفهم الأول الصافي والعودة بالإسلام إلى سيرته الأولى وأستاذيته للعالم، خرج من الدروب المعبدة والتناول البارد وأثبت أن الحياة في ظلال القرآن نعمة لا يعرفها الا من ذاقها، نعمة ترفع العمر وتباركه وتزكيه كما قال هو في المقدمة، فكان تفسيره فريدا من نوعه، يختلف عن كل التفاسير من حيث تنزيل آياته على الواقع المعيش وتفعيل الأحكام الشرعية على مستوى الفرد والمجتمع، واستطاع استخراج المبادئ والحقائق العقدية الإيمانية بأسلوب أدبي فريد يهز المشاعر ويحرك القلوب، فكانت هذه المواضع من تفسيره أحسن دروس في العقيدة والتوحيد لأنها ليست مباحث كلامية تجريدية بل هي دروس حية قوية لا تملأ الرؤوس فحسب بل تحرّك المؤمن وتضع قدميه على طريق الفاعلية والإيجابية والاستقامة، أي أن الظلال عودة إلى جديه العبودية الصادقة التي تسوق إلى العمل للدنيا والآخرة، وتتحرى رفعة المسلم والأمة بحيث لا يستسلم للواقع المنحرف بل يستعلي عليه ويتجاوز عقباته ويصلحه وفقا لتعاليم السماء، والاستعلاء الإيماني من المعاني الربانية التي استخرجها سيد قطب من القرآن الكريم وأحسن بلورتها وعرضها، كما فعل مع مفهوم الحاكمية ومفهوم الجاهلية المعاصرة.

لقد رسم سيد قطب معالم الطريق في ظلال القرآن وكان بحق شمعة احترقت لتضيء معالم الطريق للدعاة المخلصين والسالكين لطريق الواحد الأحد بيقين المؤمنين وإيمان الموقنين.

بقي أن نعترف أن الظلال أزعج كثرا من الأطراف بدءا بالطغاة المستبدين وأعوانهم وأشياعهم، مرورا بأنصار الإسلام الأمريكاني الذي حاربه الشهيد بلا هوادة في تفسيره وباقي كتبه، وانتهاء بالمنتمين إلى المدرسة الظاهرية الحرفية الجامدة التي تجرأ احد رؤوسها على ادعاء “تنقية الظلال من الضلال”، ولا وجود لأي ضلال في الظلال لمن كان موضوعيا منصفا يرد الكلام المتشابه إلى المحكم، والغامض إلى البيّن، و تفسير كل قول الى ما فسره به صاحبه…هذا هو المنهج الأصولي الذي يزيل الغموض واللبس.

ولا عزاء للذين يكرهون سيد قطب وتفسيره بعدما فضح في الظلال الاسلام المدجن الذي يزهّد المسلمين في شؤون الحكم ودروب النهضة والوعي بدينهم وحضارتهم وتاريخهم وبالعالم من حولهم.

وأفضل خدمة تُقدم للظلال – بل للنفس والدعوة والعلم – هي قراءته وإعادة قراءته

عبد العزيز كحيل

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى