أخبار العالمأمن وإستراتيجيةفي الواجهة

عدم الاستقرار في آسيا وتخبط السياسة الامريكية فيها

هشام جمال داوود عدم الاستقرار في آسيا وتخبط السياسة الامريكية فيها

لماذا تريد الولايات المتحدة تجهيز باكستان (حليفة الصين وشريكتها في مشروع الحرير) في الوقت الذي كانت فيه العلاقات بين واشنطن وبكين في أدنى مستوياتها على الإطلاق؟
أثارت الصفقة التي تم الإعلان عنها في 9 أيلول الماضي موجة من التكهنات مثل:

  • هل يمكن أن تكون استراتيجية أمريكا في استخدام المجال الجوي الباكستاني لعمليات مكافحة الإرهاب؟
  • هل تريد الولايات المتحدة إرسال رسالة إلى الهند بشأن علاقاتها الوثيقة مع روسيا؟
  • أم أن الصين تعتبر سبباً وراء هذه الخطوة؟

فيما يلي الأسباب المحتملة وراء الاتفاقية …

(استخدام المجال الجوي الباكستاني).

في عام 2018 ألغى الرئيس دونالد ترامب 300 مليون دولار من المساعدات العسكرية لباكستان واتهم إسلام أباد بتوفير ملاذ آمن للإرهابيين في توبيخ شديد اللهجة عبر حسابه على تويتر.
ظلت العلاقات بين البلدين فاترة منذ ذلك الحين لحين قرار واشنطن بشأن طائرات (F-16).
يتكهن محللو الدفاع بأنه قد تكون هناك زاوية مقايضة محتملة في الصفقة، لأن امريكا تريد استخدام المجال الجوي الباكستاني لإبقاء طالبان في السيطرة وتنفيذ عمليات مكافحة الإرهاب فمن غير الممكن الغاء مقايضة تتضمن صفقة (F-16) مع باكستان واستخدام المجال الجوي الباكستاني في الوقت نفسه.
الولايات المتحدة نفذت عملية اغتيال زعيم القاعدة أيمن الظواهري في كابول بإرسال طائراتها بدون طيار عبر الأجواء الباكستانية، ورغم ان إسلام أباد نفت هذه المزاعم لكن الحقيقة والوقائع والأدلة جميعها تقول بأن (من دون المساعدة الباكستانية يصعب تنفيذ ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار في أفغانستان) مهما نفت باكستان ذلك.

الولايات المتحدة ترغب بالحفاظ على سيطرتها في أفغانستان التي تحكمها طالبان وإن كان ذلك عن بُعد منذ أن سحبت قواتها العام الماضي، لذا فهي دائماً بحاجة إلى مساعدة باكستان.

هناك تغيير واضح في سياسة الولايات المتحدة تجاه باكستان منذ الإطاحة برئيس الوزراء السابق عمران خان واستبداله بنظام حكم شاهباز شريف، إذ ادعى خان بجرأة كيف لعبت الولايات المتحدة دورًا كبيرًا في الإطاحة به.
يمكن القول ان مع وجود شريف على رأس السلطة زادت الولايات المتحدة من تواصلها الدبلوماسي مع كل من الجيش الباكستاني القوي وحكومته الائتلافية الجديدة.
ويؤجج هذا مرة أخرى النظرية القائلة بأن أمريكا يمكن أن تعمل أي شي او تجري أي تغيير في مواقفها من أجل علاقة اكثر نشاطاً مع باكستان لمتابعة أهدافها في أفغانستان وخصوصاً مواجهة طالبان الباكستانية او ما يعرف بـ(تحريك طالبان-باكستان) او ما يختصر بـ TTP .

ويشير المحللون أيضًا إلى أن باكستان تريد العمل عن كثب مع الولايات المتحدة لإحباط التهديد الذي تشكله (تحريك طالبان باكستان).

ووفقًا للتقارير فإن إسلام أباد تشعر بالقلق إزاء (تحريك طالبان-باكستان) التي تهدف إلى الإطاحة بحكومة البلاد وهي إحدى الشركات التابعة للجماعة الأصولية التي تدعم القوة في كابول.

منذ تولي السلطة في العام الماضي ابتعد قادة طالبان عن باكستان بسبب تحدي الأوضاع على خط الحدود الأفغانية-الباكستانية وتوفير ملاذ آمن لـ(تحريك طالبان-باكستان) داخل الحدود الأفغانية.
ومن الملاحظ ان تحريك طالبان باكستان شنت موجة من الهجمات الإرهابية ضد باكستان أسفرت عن مقتل الآلاف من الباكستانيين ذلك العام.

ووفقاً للخبراء الأمنيين فإن العمل مع الولايات المتحدة هو أفضل فرصة لباكستان ضد( تحريك طالبان-باكستان) إذا أرادت ضربهم داخل أفغانستان، حيث لن تكون المجموعة قادرة على الرد ضد الولايات المتحدة لأنه لا يوجد هدف أمريكي داخل أفغانستان للرد عليه.

(رسالة للهند)

هناك أيضًا حديث عن أن واشنطن قد ترسل رسالة مقتضبة إلى الهند التي يُنظر إليها على أنها شريك عسكري وثيق لروسيا.
اذ ان الولايات المتحدة دائماً تحث الهند على إدانة الغزو الروسي لأوكرانيا وكثيراً ما أعربت عن تحفظاتها على اعتماد نيودلهي على الأسلحة الروسية، نظرًا لأن الهند حافظت على حيادها بشأن هذه القضية فقد تكون الصفقة طريقة واشنطن لتزاحم الهند بشكل غير مباشر.
ومع ذلك نفت الولايات المتحدة بشكل قاطع هذه التكهنات قائلة إن قرارها ليس مصممًا ليكون بمثابة رسالة إلى الهند.

من جانب آخر قال وزير الدفاع الأمريكي لويد اوستن “تم اتخاذ القرار داخل الحكومة الأمريكية بشأن قضية F-16 بناءً على المصالح الأمريكية المرتبطة بشراكتنا الدفاعية مع باكستان والتي تركز بشكل أساسي على مكافحة الإرهاب والأمن النووي”.

الولايات المتحدة تريد الحفاظ على الشفافية مع الهند من جانب وان تبقى على موقفها بشأن “الشراكة الأمنية المحدودة لواشنطن مع إسلام اباد”.

(الصين)

حافظت الولايات المتحدة على علاقات عسكرية وثيقة مع باكستان منذ استقلالها حتى ضربت موجات من المياه المتقلبة هذه العلاقة في السنوات الأخيرة.
وانخفضت العلاقات إلى أدنى مستوياتها على الإطلاق بعد تجميد تمويل ترامب في 2018 مما دفع باكستان نحو الصين.
ومع ذلك فإن باكستان تدرك أهمية الإبقاء على علاقة وثيقة بأمريكا حتى وهي تواصل علاقاتها الوثيقة مع الصين.
فمثلاِ عندما اتهم رئيس الوزراء المخلوع عمران خان واشنطن بالتآمر على إسقاطه وجه قائد الجيش الباكستاني ملاحظة متناقضة وذكّر الناس بـ “تاريخ بلاده الطويل من العلاقات الممتازة والاستراتيجية مع الولايات المتحدة”.
رغم أن باكستان استحوذت على طائراتها المقاتلة (J10-C) وفرقاطات (Type 054A / P) من الصين لكن الاخيرة أظهرت بعض التردد في بيع معدات عسكرية متطورة إلى إسلام أباد.

لان إحجام الصين عن بيع معدات عسكرية متطورة لباكستان يمثل فرصة للولايات المتحدة التي استغلتها الأخيرة بتقديم شيء مقابل التعاون في مكافحة الإرهاب في أفغانستان”.
بالإضافة إلى سعي الولايات المتحدة والهند لتوسيع نطاق تعاونهما العسكري لمواجهة الصين سيكون من المهم استراتيجيًا بالنسبة لواشنطن إذا ظلت العلاقات العسكرية لإسلام أباد مع بكين محدودة.

من خلال كل ما ورد أعلاه نلاحظ ان سياسات الدول (الأعداء فيما بينهم) وخصوصاً أمريكا والصين، في حالة تخبط وعدم استقرار في اتخاذ القرارات.
فمن جهة تلغي أمريكا صفقة مع باكستان وتتجه نحو مباحثات الدوحة للتفاهم مع القادة الأفغان للإجلاء قواتها من أفغانستان، ثم تعود لبحث سبل جديدة لفتح قنوات تفاهم مع باكستان كي تظل علاقتها قوية مع اسلام اباد وتوافق على منح مساعدة أكثر من السابقة التي الغتها في 2018.
والصين تعمل مع كل الاضداد بشكل يثير الحيرة فقط من اجل إنجاح مشروعها (مشروع الحرير) والتي تعتمد فيه بشكل أساسي على باكستان ولكنها تتجاهل في الوقت ذاته مشاكل الحكومة الباكستانية مع الانفصاليين داخل باكستان من جهة، ومن جهة أخرى تعمل على تعزيز علاقتها مع أفغانستان التي تحتضن على أراضيها (تحريك طالبان باكستان) التي تهدد امن واستقرار باكستان.
يمكن القول بأن أمريكا وباكستان دفع كل منهما ضريبة دعمه ومساعدته لحركة طالبان الإرهابية في وقت ما من الزمن حيث صارت طالبان الأفغانية اليوم لاعب أساسي في عرقلة الامن والاستقرار في المنطقة كلها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى