أحوال عربيةأخبارأمن وإستراتيجيةدراسات و تحقيقاتفي الواجهة

صناعة السلاح الإسرائيلية .. البيانات الكاملة

ماهر الشريف

سلّطت صفقة الأسلحة التي أبرمتها إسرائيل مع ألمانيا، والتي بلغت قيمتها نحو 3.5 مليار دولار، الأضواء على دور الصناعات العسكرية في الاقتصاد الإسرائيلي وعلى التطوّر الكبير الذي شهدته مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في السنوات الأخيرة.

الصفقة الأكبر في تاريخ مبيعات الأسلحة الإسرائيلية

بذريعة الحرب التي شنتها روسيا على أوكرانيا، صرّح المستشار الألماني أولاف شولتس في 27 شباط 2022، خلال جلسة خاصة للبرلمان الألماني أن بلاده ستستثمر مئة مليار يورو في المعدات العسكرية وستخصص، في تحوّل نوعي لسياسة ألمانيا الدفاعية، أكثر من 2 بالمئة من إجمالي ناتجها الداخلي للدفاع سنوياً.

وخلال زيارة أولاف شولتس إلى إسرائيل، في ايلول 2022، أبدى المستشار الألماني رغبته في ابتياع نظام بطاريات “حيتس 3 ” أو (أرو 3)، وهو نظام الدفاع المضاد للصواريخ الأكثر تطوراً في الجيش الإسرائيلي، ويسمح باعتراض الصواريخ المحلقة فوق الغلاف الجوي على مسافة تصل إلى 2400 كيلومتر، وتمّ إنتاجه بالشراكة بين مجموعة الصناعات الجوية الإسرائيلية وشركة بوينغ الأميركية. وفي آب الفائت، أجازت الولايات المتحدة الأميركية، التي تتمتع بحق النقض على الصادرات الإسرائيلية التي تشارك في تصنيعها أو في تمويلها، هذه الصفقة، التي جرى التوقيع عليها رسمياً في برلين في 28 أيلول الفائت، من جانب وزير الأمن الإسرائيلي يواف جالانت ونظيره الألماني بوريس بيستوريوس، وهو ما يعني بالفعل دفعة أولية قدرها 600 مليون دولار، على أن يتمّ تسليم التجهيزات الأولى لهذا النظام في سنة 2025 وتصبح قدرته التشغيلية جاهزة في سنة 2030. وخلال مراسم توقيع الصفقة، قال رئيس الصناعات الجوية الإسرائيلية عمير بيرتس، إن الصفقة “تشكل اعترافاً دولياً بمستوى التكنولوجيا التي يتم تطويرها في إسرائيل”، مؤكداً “أن هذه الخطوة مهمة، وتمنح إسرائيل فرصاً كثيرة، وتحسّن مكانتها في العالم في كل ما يتعلق بالمنافسة التجارية”.

ويعتبر شراء ألمانيا نظام “حيتس 3” جزءاً من مشروع “درع السماء الأوروبي” الذي أطلقه المستشار أولاف شولتس نفسه، في خطاب ألقاه في مدينة براغ في آب/أغسطس 2022، عندما قال إن بلاده ستستثمر بصورة كبيرة في دفاعها الجوي خلال السنوات المقبلة وأن مثل هذا النظام المتكامل” سيكون أكثر كفاءة وفاعلية من حيث التكلفة مما لو قامت كل دولة ببناء أنظمتها المعقدة الخاصة بها”. وفي 13 تشرين الثاني/نوفمبر من العام نفسه، وقعت وزيرة الدفاع الألمانية السابقة في مدينة بروكسل مع عدد من نظرائها في حلف شمال الأطلسي على الاتفاق الأولي لإنشاء هذا الدرع، وذلك بغية “سد ثغرات في مظلة الحماية الحالية لحلف الناتو في أوروبا”، من خلال شراء أنظمة دفاع جوي مضادة للصورايخ، مثل نظام “أرو 3” الإسرائيلي ونظام “باتريوت” الأميركي. وقد ضم هذا المشروع، إلى جانب ألمانيا، كلٌ من المملكة المتحدة وبلجيكا وهولندا وتشيكيا ورومانيا وسلوفينيا وفنلندا والسويد والدنمارك والنرويج والنمسا والمجر وبلغاريا وأستونيا ولاتفيا وليتوانيا. بينما لم تنضم إليه، حتى الآن، فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبولندا.

الصناعة العسكرية رأس حربة الاقتصاد الإسرائيلي

منذ إعلان قيام دولة إسرائيل في سنة 1948، كانت الورش السرية القليلة التي تصنع المتفجرات والقنابل اليدوية وغيرها من الأسلحة الخفيفة، والتي برزت في عهد الانتداب البريطاني، بمثابة نواة الصناعة العسكرية. وقد استفادت إسرائيل من منح تراخيص التصنيع ونقل التكنولوجيا من فرنسا أولاً، ثم من الولايات المتحدة الأميركية، واستثمرت بكثافة في البحث والتطوير، بحيث اعتمدت، في البدء، على تحديث وتكييف الأسلحة الأجنبية التي تصلها ما مكّنها من اكتساب التقنيات المتطورة بسرعة أكبر، ثم طوّرت قواعد صناعة عسكرية مستقلة، وأصبحت رائدة في إنتاج قطاعات محددة من الأسلحة مثل الطائرات من دون طيار، وأنظمة الدفاع المضادة للصواريخ، والدبابات، وأنظمة المراقبة والاتصالات المختلفة والإلكترونيات وغيرها. وهكذا لم تمتلك إسرائيل القدرة على تلبية جزء كبير من احتياجاتها العسكرية فحسب، بل أصبحت أيضاً من بين أوائل الدول المصدّرة للأسلحة، بحيث غدت الصناعة العسكرية، التي تصدّر نحو ثلاثة أرباع إنتاجها، رأس حربة الاقتصاد الإسرائيلي. ويلاحظ الباحث جاك بندلاك، في مقال نشرته صحيفة “لوموند” في 7 تشرين الأول 2022، أن إسرائيل “حوّلت إنفاقها العسكري إلى رصيد اقتصادي وتكنولوجي”، وأدت سياسة الدولة التدخلية “إلى إنشاء مجمع صناعي عسكري واسع النطاق، تهيمن عليه ثلاث شركات عامة كبيرة هي: الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وصناعات الطيران الإسرائيلية، ورافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة”، ملاحظاً أن الوزن الكبير للميزانية العسكرية (15% من الإنفاق العام، مقارنة بـ 3% في فرنسا و8% في الولايات المتحدة) ساهم “في توسيع مكانة التكنولوجيا العالية في الاقتصاد الإسرائيلي، إذ مثّل هذا القطاع، في سنة 2020، 10% من إجمالي العمالة، و15% من الناتج المحلي الإجمالي، و40% من صادرات السلع والخدمات”، وأن الأبحاث العسكرية أدت “إلى تطبيقات مدنية في مجالات مختلفة مثل الطيران والإلكترونيات والفضاء”، ومقدّراً أن “النموذج الإسرائيلي لاقتصاد الحرب لم يكن ليتطور لولا الدعم المالي من الولايات المتحدة”. ويُشار، في هذا السياق، إلى أن شركة رافائيل وحدها تنفق ما يصل إلى 5 مليارات شيكل سنوياً على الأبحاث.

تطوّر مبيعات الأسلحة الإسرائيلية

بحسب بعض التقديرات، صدّرت الصناعة الإسرائيلية، في سنة 2006، ما قيمته 4.8 مليار دولار من الأسلحة من إجمالي مبيعات صناعية تقدر بنحو 6.4 مليار دولار. وبعد خمس سنوات، أي في سنة 2010، بلغ حجم الصادرات العسكرية 7.2 مليار دولار، وهو ما مثّل ما يقرب من 15% من إجمالي صادرات السلع الصناعية الإسرائيلية. وفي سنة 2017، بلغت قيمة صادرات الأسلحة الإسرائيلية 9.2 مليار دولار، وارتفعت إلى 11.3 مليار دولار في سنة 2021، ثم بلغت في سنة 2022 رقماً قياسياً هو 12.5 مليار دولار. وشكّلت الصواريخ وأنظمة الدفاع الجوي الجزء الأكبر من الصادرات الإسرائيلية (20%)، تليها عقود التدريب (15%)، والطائرات من دون طيار والمركبات غير المأهولة 9%، وكذلك الرادارات وأنظمة الحرب الإلكترونية 9 %، وعرض الأسلحة والمركبات المدرعة والمدافع والذخائر معظم الباقي.

وقد صنّف “معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام”، في سنة 2021، إسرائيل في المرتبة التاسعة بين المصدرين العالميين لهذا القطاع. وتشير التقديرات إلى أنها ربما انتقلت في سنة 2022 إلى المرتبة الخامسة أو السادسة. ويعود هذا التطوّر الكبير في مبيعات الأسلحة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة، بحسب بعض المراقبين، إلى عاملين رئيسيين: الحرب في أوكرانيا وتطوير القدرات الباليستية لإيران وصناعة الطائرات من دون طيار التي تنتجها، من جهة، واتفاقيات التطبيع بين إسرائيل وأربع دول عربية، من جهة ثانية. كما سمح الصدام بين أرمينيا وأذربيجان، في سنة 2020، والنصر الخاطف الذي حققته باكو، لإسرائيل بتصدر عناوين الأخبار، إذ أظهرت طائراتها من دون طيار التي بيعت لأذربيجان فاعليتها الكبيرة خلال ذلك الصدام. وكانت أوروبا أكبر مشتر للمنتجات الدفاعية الإسرائيلية، إذ أبدت عدة دول أوروبية، بعد قيام ألمانيا بشراء نظام “حيتس 3″، اهتمامها بهذا النظام، وتسارعت مشتريات الدول الأوروبية من الأسلحة الإسرائيلية فجأة، بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، بحيث باتت أكبر مشتر لها، إذ اشترت في العام الأخير 41% من إجمالي صادرات الأسلحة الإسرائيلية.

فقد أبرمت إسرائيل صفقة بيع “مقلاع داود” (نظام دفاع ضد الصواريخ متوسطة المدى) إلى فنلندا مقابل 316 مليون يورو، بعد يوم من انضمام هذه الأخيرة إلى حلف شمال الأطلسي في نيسان/أبريل الفائت، وباعت شركة رفائيل الإسرائيلية إلى جمهورية التشيك أنظمة صواريخ مضادة للطائرات من طراز “سبايدر” بلغت قيمتها 627 مليون دولار، كما باعت إسرائيل قاذفات صواريخ إلى هولندا والدنمارك، ومدافع “هاوتزر” إلى الدنمارك، وتجري حالياً مناقشات متقدمة مع دول أوروبية لبيع دبابة “ميركافا”، التي تعتبر من أكثر الدبابات كفاءة في العالم. وتلي أوروبا، في شراء الأسلحة الإسرائيلية، منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تضم السوق الهندية الكبيرة، بنسبة 34%، وأميركا الشمالية بنسبة 12%، وأفريقيا بنسبة 3 %، وأميركا اللاتينية بنسبة 3%. وفي سنة 2021، بلغت قيمة صادرات الأسلحة الإسرائيلية إلى كلٍ من الإمارات والبحرين والمغرب 789 مليون يورو، أي 9 % من إجمالي قيمة الصادرات العسكرية الإسرائيلية، ثم بلغت قيمتها، في سنة 2022، 2.7 مليار يورو، أو 24% من الإجمالي.

خاتمة

منذ شهر نيسان 1982، نشر الصحافي التقدمي الإسرائيلي الراحل أمنون كابليوك مقالاً في شهرية “لوموند ديبلوماتيك” الباريسية حمل عنواناً معبراً هو: “إسرائيل دولة يمتلكها جيشها”، أشار فيه إلى أن المؤسسة العسكرية “تمارس نفوذاً في إسرائيل يتجاوز المخاوف الأمنية”، و”يشكل الجيش عاملاً قوياً في التحفيز الصناعي”، ويمثّل “بيع الأسلحة مصدراً للعملة الأجنبية أكثر أهمية من الحمضيات أو الماس”، بحيث صار ميزان المدفوعات “يعتمد أكثر فأكثر على الصناعة العسكرية”، وتعد إسرائيل اليوم “إحدى الدول المصدرة الرئيسية للأسلحة”، وهي تحتل ” المرتبة الثالثة” في العالم “عندما يتعلق الأمر بنصيب الفرد من الإنفاق العسكري”. وبينما كان عملاؤها الرئيسيون، في سنة 1982، هم الدكتاتوريات العسكرية في أميركا اللاتينية (شيلي والسلفادور وغواتيمالا والأرجنتين وأوروغواي وغيرها)، وجنوب أفريقيا وبعض بلدان جنوب شرق آسيا، كما يتابع كابليوك[6]، فهي باتت تصدّر الأسلحة اليوم إلى أكثر من 60 دولة من دول أوروبا وآسيا وأفريقيا، وإلى الولايات المتحدة الأميركية نفسها؛ ولما لا–ويا للمفارقة-إلى دول عربية كذلك!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى