رأي

شكرا للإخوان المسلمين.

شكرا للإخوان المسلمين.

رشيد مصباح (فوزي)

**

«ما كان لله دام و اتصل.. وما كان لغير الله انقطع و انفصل»، هناك من ينسب هذه المقولة للإمام مالك رضي الله عنه. والتي من المفروض هي مبدأ لكلّ مسلم موحّد، وقاعدة لكل من ينوي وجه في أقواله وأفعاله.

أنا من أبناء جيل الاستقلال، وهذا ليس سرّا.

عرفتُ بداية التمييز وعمري لا يتجاوز الرّابعة على أقل تقدير، ودخلتُ السنة الأولى، والثانية.. فما بعدها.

ما أحببتُ أن إُشير إليه في مقالي هذا، هو أن خلال المرحلة الأولى من مراحل العمر؛ وأعني بذلك بداية الطفولة: وأنا مسؤول عن هذا الكلام، وكما أن ابناء الجيل الذي انتمي إليه لا يستطيعون معارضته، ولا نكرانه حتّى. فتحتُ عينيّ على جو يتميّز بكثرة اللّهو والعبث؛

فالأعراس أو الأفراح لا تكاد تنقطع تقريبا، في كل مكان، وفي نهاية كل أسبوع. وأكثرها ما كان في البوادي. والعرس تستعمل فيه الزّرنة والطبّل، ويتم فيه جلب راقصة واحدة على الأقل. ثم شيئا فشيئا بدأ يقل استعمال الزرنة والطبل، ليحل محلّهما القصبة والبندير، مع حضور الشطّاحات أو الرّاقصات والشيّاد؛ وهو شخص “متفوّه” لديه قدرة على تنشيط العرس، وترغيب الناس على التّشييد؛ وإخراج ما في الجيوب من نقود وتشجيعهم على تبديدها.

وكانت الرّاقصة ترتدي المشقوق، لتبرز مفاتنها لإغراء أصحاب المال المرفّهين. وفي هذا فليتنافس المتنافسون. وتصدر الزّغاريد مدويّة، ويطلق أحيانا البارود، فينتشي المرفّهون، وينسحب المفلسون من المشهد.

مع بزوغ الفجر الأول، يطلق الشيّاد عبارة”دايم الفرح لمّاليه” معلنا الختام. فتخرس الزّرنة ويسكت الطبل، وتنسحب الرّاقصات إلى الدّاخل، ويعود كل واحد من حيث أتى. ولا يبقى في البيت سوى أهله أو الفرقة.

هكذا كانت الأفراح بالنسبة لذاك الزّمان.

أمّا بالنسبة للأتراح أو الأقراح والمآتم؛ فكان المشهد مغايرا ومتغيّر، تغيّر الظروف والأحوال. ولا يكاد يتوقّف الأمر عند البكاء فحسب، بل يظلّ النّسوة يندبن خدودهن حتى تسيل الدّماء، ويلطمن رؤوسهن حتى يغيب عنهن الوعي. ويستمرّ الحزن هكذا لأسابيع، وأحيانا لأشهر عديدة.

وكبرتُ على هذه المشاهد، ودخلتُ المدرسة، وفيها تعلمتُ القراءة والكتابة. وبعد خروجي من المدرسة مساء، أرمي بالمحفظة في البيت وأشدّ الرّحال إلى أماكن اللّهو والعبث حتى آخر ساعة باللّيل، فأعود متخفيّا. أتسلّق سور أو باب الحوش، وأتسلّل إلى الفراش لأغيب.

ومرّت السنون، واشتد ساعدي. فكنتُ أذهب رفقة أبن العمّة إلى الرّحبة، أساعده على تجميع صناديق الخضر والفاكهة. ومن ثم نتسلّل إلى مكان كراتين وزجاجات الخمر؛ يتركها صاحبها في الخلاء فنقوم بسرقة بعض منها.

ومرّت الأيّام، وصرتُ أجد لذّتي ومرادي في هذا العبث. وشيئا فشيئا رحتُ أقضي اللّيالي في الخلاء، وتعلّمتُ من “الچانيا” التي تعرض الأواني وتجلب المنحرفين من السكارجية و القمارجية إليها، السمر والأغاني، فحفظتها عن ظهر قلب.

وتلبّستني المراهقة، وأنا في سن الطفولة. فكنتُ لا أتحاشى مخالطة المنحرفين… وهكذا حتى كبرتُ وبلغت مرحلة الشباب. وأذكر أن خلال تلك الفترة وما قبلها، حاول بعض المعلّمين من المتعاونين المشارقة، جزاهم الله عنا كل خير، تعليمنا الصلاة، وإعادتنا إلى جادّة الصواب. لكن دون جدوى.

وفي نهاية السبعينيّات، وجدتُ نفسي بين شباب الإخوان المسلمين. فكنتُ أصلّي الفجر، واجلس بعدها في حلقات الذّكر معهم. فحفظتُ منهم بعض الأحاديث النبوية الشريفة، وصرتُ أحافظ على الصّلاة والأذكار. وأشغل نفسي بالمطالعة، بدلا من اللّهو. وبسماع الأناشيد الدّينيّة، فنسيتُ تلك الأغاني الماجنة التي ظللتُ لفترة أسمعها بشغف، فأقوم بترديدها دون توقّف.

ثم حبلت نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيّات بعد ذلك بأحداث مؤلمة، وتسبّبت السياسة للشّعب الجزائري في مآسي. وانقسم الشعب الواحد، إلى مسلمين ولائكيّين. واشتدّ الخلاف بين الإسلاميين، واتّهم بعضهم بعضا في أفكارهم وتوجّهاتهم. ووصل الأمر إلى الشيطنة؛ وهذا شأنهم.

أمّا أنا، فأسبقى أدين للإخوان المسلمين بالشّكر على تلك الصّحوة؛ و

كما جاء في الحديث الصحيح.«لا يَشْكُرُ اللَّهَ مَنْ لا يَشْكُرُ النَّاسَ».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى