أحوال عربيةأخبار العالم

شرق الفرات مقابل الجنوب السوري

شرق الفرات مقابل الجنوب السوري

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري

إن ما يجري على الأرض السورية من تطورات هو إنعكاس وصدى لكل المخططات التآمرية التي ظلت لوقت من الزمن مخبأة في الأدراج السرية، ولعل ما زاد الأمر خطورة هو وجود جهات محلية مشبوهة إرتبطت بإرادات خارجية تقف ضد الحل السياسي الذي ينهي الأزمة السورية، الغرض منها جر البلاد إلى حالة من الفوضى الخلاقة.

اليوم لا يمكن إنكار إن ساحات الإشتباك الدولي والإقليمي بين دمشق وواشنطن وحلفاؤها قد تمددت بشكل واسع، فلا يستطيع أي متابع ان ينكر حقيقة أن السوريين يواجهون مشروعآ غربيآ الهدف منه تقويض الجهود السورية في الوصول الى الأمن والإستقرار، مع محاولات غربية- أمريكية لتفجير الداخل السوري.

شاركت الولايات المتحدة الأمريكية ابتداءً في العدوان على سورية بالإشراف المباشر وتقديم كامل الدعم اللوجستي والسلاح للإرهابيين في سورية، وهذه المشاركة في العدوان على سورية هي امتداد للحضور الأمريكي غير المشروع في الشأن السوري وانتهاك السيادة السورية تحت ذريعة محاربة الإرهاب الذي دعمته واشنطن تسليحياً ومالياً.

قالت الولايات المتحدة سابقاً، في معرض انتقادها قرار عودة سورية لشغل مقعدها في جامعة الدول العربية، إن دمشق لا تستحق هذه الخطوة، لذلك كانت التحركات العربية الساعية لتصفير قضايا المنطقة، تتم خارج الإرادة الأمريكية، وهو ما أغضبها لدرجة كبيرة، دفعتها إلى العمل على إدارة الصراع وإشعاله في المنطقة مرة أخرى عبر أدواتها الإرهابية.

بدأت واشنطن بتحريك أدواتها في الجنوب السوري وسعت لإقناعها لتشكيل الجسم الجديد على أن تقدم له الدعم المالي والتسليح، وأن يكون ارتباطه المباشر مع قوات الاحتلال الأمريكي، وذلك لإجهاض المسعى تجاه دعم استقرار سورية، وزعزعة الأوضاع في المنطقة مجدداً.

هذا ما تبيّته أمريكا لسورية من مخطط شيطاني، احتلال وإثارة للفتنة الطائفية ومجازر وتفجيرات، وكلها أدوات للوصول إلى مخططها الذي أبرمته لسورية منذ عقود، فأمريكا المجرمة لا تتورع عن استخدام أية وسيلة في سبيل تحقيق مصالحها الاستعمارية وهيمنتها على النفط ونهبها لخيرات الشعوب.

ويبدو أن دعاة ومسوقي التقسيم أعدوا صفقة مصالح خاصة حيث أعلنوا صراحة تبنيهم للحراك في السويداء ودرعا وهذه رسالة واضحة ومباشرة للدولة السورية وحلفائها، تريدون إيقاف المظاهرات في السويداء و العمليات الإرهابية ضد الجيش في درعا ..؟! أوقفوا استعداداتكم العسكرية في شرق الفرات و سيعود الهدوء للجنوب بشكل فوري.

إن تحريك الولايات المتحدة لأوراقها جنوباً و شمالاً و شرقاً ضد الجيش السوري يؤكد أن واشنطن باتت على يقين تام بأن القيادة السورية وحلفائها في محور المقاومة إتخذوا القرار لتحرير شرق الفرات من الاحتلال الأمريكي خاصة بعد انتهاء المفاوضات التي أجريت في عمان دون الوصول الى نتيجة. طبول الحرب التي أخذت تقرع وبقوة هذه الأيام في واشنطن وحلفاؤها ضد سورية، كما يؤكد حقيقة إنهيار المجموعات المتطرفة في سورية التي أخذت تتراجع و تتهاوي امام تقدم الجيش السوري.

بالمقابل هذه التطورات الميدانية، دفعت بالجيش السوري وحلفائه الى تعزيز انتشارهم العسكري في ريف دير الزور، مثل الفرقة الرابعة والفيلق الخامس، لأن المنتصر فيها سيلعب الدور الأبرز في إعادة رسم هوية المنطقة وحدودها، وتوازنات القوى فيها، وهذا ما يفسر التحشيد العسكري السوري الكبير لحسمها، خاصة بعد أن بدأ انكسار شوكة الإرهاب في سورية.

من هذا المنطلق يحترس الرئيس بايدن من التورط في هذه الحرب الذي لا يستطيع تطويق حدودها ومجابهة الدول الإقليمية المرشحة للاشتراك فيها مثل إيران وحزب الله وروسيا، وهي حرب سوف تكون مكلفة لبلاده عسكرياً وسياسياً وأخلاقياً وإمكانية تطورها إلى حرب إقليمية بأبعاد عالمية قد تنقلب من حرب محدودة إلى حرب مفتوحة والتي سوف يكون لها آثار مدمرة متى إشتعلت لأن هناك أكثر من جهة تريد أن تثبت وجودها في المنطقة سواء على الصعيد العسكري أو السياسي.

في إطار ذلك بدأت الأوراق تنكشف وبوضوح، من يريد تقطيع سورية، في إطار ما يسمى بالشرق الأوسط الكبير عن طريق تدمير وتقسيم سورية الى فدراليات والزج بها في نزاعات ومجازر دموية أخرى مستمرة حتى الآن تروج لها أجندة بعض فضائيات الدعاية والدمار التابعة لمافيا شركات السلاح والنفط العالمية.

مما لا شك فيه، إن رهان الولايات المتحدة الآن على تحريك أدواتها في الجنوب السوري هو لعب في الوقت الضائع، ولم تعد تخبّطاتها وسلوكياتها لتجدي نفعاً، ولا لتحقق هدفاً، فصمود هذه الأدوات لن يستمر طويلاً، كما سقوطها لم يأخذ كثيرا من الوقت، لأن سورية أوشكت أن تطوي صفحة هذه الجماعات وإرهابها، لذلك هي تترنح وترقص رقصة الموت بعد أن بلغ بها اليأس من الاستمرار في مواجهة الجيش السوري، فهي أصبحت تدرك أن نهايتها وشيكة بعد التقدم الكبير للجيش في مختلف الجبهات، وهو الانتصار الذي تحاول واشنطن وتركيا وتل أبيب وحلفاؤهما عرقلته دون جدوى.

في إطار ما سبق يمكنني القول : إن الشعب السوري قال كلمته و بقوة وصوت عالي بأنه ضد التقسيم والتفكيك، لأن الوطن ملك للجميع والوطن يجب أن نحافظ عليه كما نحافظ على حدقات عيوننا، هذا بلدنا جميعاً يجب أن نلجأ إلى الحوار كما أسسناه منذ البداية، ويظل أملنا كبيراً بأن السوريين لن يسمحوا أن ينزلق وطنهم نحو الهاوية، فلنحافظ على بلادنا ونجنّبها مخاطر الفتنة والإحتراب، ونقطع كل ذرائع التدخل الأجنبي الذي لم تجنِ منه الشعوب إلا الويلات والخراب والدمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى