أحوال عربيةأخباردراسات و تحقيقات

سلسلة ( أباطيل وخرافات حاخامات صهيون)الحلقة (8)

سلسلة ( أباطيل وخرافات حاخامات صهيون)الحلقة (8)

  • مطرب الراب الشهير”ماكليمور”: مالذي حدث لإنسانيتنا ؟ أين قلوبنا؟ مالذي حدث لأصواتنا ؟ونحن نرى الجياع واللاجئين والمدفونين تحت الانقاض في غزة وهم يموتون بأسوأ طريقة ممكنة؟!” .

*السجين الامريكي حمزة بعد التعاطف الجماهيري الكبير مع قضيته: لا أريد صرف انتباه الناس عن أولئك الذين يعانون أكثر مني في قطاع غزة “.

*الحاخام إلياهو مالي: إذا لم تقتلهم فإنهم سيقتلونك وذلك لايشمل الشباب فحسب وانما “اطفال غزة ونساء غزة كذلك” .

حوار / احمد الحاج
في كلمة مؤثرة جديدة لمغني الراب والهيب هوب الأميركي الشهير “ماكليمور” واسمه الحقيقي هو “بنجامين هاموند هاغرتي” ‏والذي سبق له وأن أعلن تضامنه الكامل مع قطاع غزة منذ أحداث السابع من اكتوبر 2023 ، مبينا أن ما يمارس عليهم هو إبادة جماعية، وأن مؤسسات ودوائر القرار الغربية قد علمتهم أن يكونوا متواطئين فحسب لحماية حياتهم المهنية ولحماية مصالحهم، مضيفا بإن أبرياء غزة يُقتلون بالدولارات التي ندفعها، ليصدح ماكليمور في كلمته الجديدة في جمع من المتظاهرين دعما لغزة قائلا”بعد أن تم إجلاء أهالي غزة قسرا الى مدينة رفح ، ترى العالم وهو مشغول بسيارات الليموزين والفساتين -الخليعة -على السجادة الحمراء في المشهد الباذخ لحفل جوائز الاوسكار بينما يموت أهالي غزة جوعا..مالذي حدث لإنسانيتنا ؟ أين قلوبنا؟ مالذي حدث لأصواتنا ؟ أين الفنانون؟ أين الشعراء ؟ أين الكتاب؟ أين المخرجون ؟ أين الممثلون ؟أين البشر وهم يرون الجياع واللاجئين والقتلى والجرحى والمدفونين تحت الانقاض وهم يموتون بأسوأ طريقة ممكنة ؟” .
تزامن ذلك مع خروج عشرات التظاهرات الحاشدة التي تعم العالم الغربي بأسره للمطالبة بوقف الحرب الاجرامية والمجازر الصهيونية البشعة وسياسة التجويع والحصار والعدوان والتشريد فورا ولعل من أبرز التظاهرات تلك التي خرجت في هولندا وتحديدا أمام “متحف الهولوكوست الوطني” في العاصمة أمستردام والذي افتتح مؤخرا بحضور الرئيس الإسرائيلي إسحق “بول دوغ “عفوا ومعذرة لفصيلة كلاب”البول دوغ ” وأقصد”هرتسوغ” حيث اشتبك المتظاهرون الغاضبون مع الشرطة فيما أطلق بعضهم ألعابا نارية ليلقي بعضهم الآخر البيض على قوات الشرطة وفقا لدويتشه فيله ، كل ذلك يحدث والعالم العربي وبخلاف عقود طويلة من الفوران والثوران والغليان لأجل القضية المركزية – فلسطين – فتراه وهو يشخر شخيرا يصم الاذان على وقع المسلسلات والاعلانات والدعايات ،والمهرجانات السينمائية ،والمواسم الترفيهية،وبطولات المصارعة، ومنافسات كرة القدم التي لاتنتهي ، ولسان حال أكثرهم – حتى لانعمم -شعوبا وحكومات يردد ما قاله المتنبي يوما:”أنام ملء جفوني عن شواردها..ويسهر الخلق جراها ويختصم ” .
ومن المفارقات العجيبة التي تأتي لتصفع المخدرين والمترفهين على وجوههم أن سجينا امريكيا يبلغ من العمر (56)عاما، يقبع داخل السجن منذ (40) عاما سبق له أن تحول الى الإسلام عام 1989 ليغير اسمه الى “حمزة”وبعد أن أحزنه كثيرا ما يشاهده ويسمع عنه يوميا من جرائم صهيونية نكراء بحق الفلسطينيين لم يجد بدا من التبرع لأهالي غزة بكل ما يملك من حطام الدنيا الفاني ألا وهو راتبه الشهري البالغ 17.74 دولاراعن أعمال التنظيف داخل السجن لقاء 13 سنتا في الساعة،ما أثار موجة كبرى من التعاطف تناقلتها كبريات الصحف العالمية وفي مقدمتها صحيفة “واشنطن بوست “ليتم جمع مبلغ كبير من المال لصالحه،طالب حمزة بإيقاف التبرعات قائلا وبالحرف”لا أريد صرف انتباه الناس عن أولئك الذين يعانون أكثر مني في غزة “.
ليظهر لنا الحاخام الصهيوني إلياهو مالي،وهو رئيس المعهد الديني “ييشيفاة شيرات موشيه” في مدينة يافا جهارا نهارا، عيانا بيانا وفي مقطع فيديو قائلا ما نصه” إذا لم تقتلهم فإنهم سيقتلونك …الذي جاء لقتلك لا يشمل فقط الشباب بعمر 16 أو 18 أو 20 أو 30 عاما وإنما أيضا جيل المستقبل (أطفال غزة)،وكذلك الذين ينجبون جيل المستقبل (نساء غزة)لأنه لا يوجد فرق حقا،وذلك يأتي استجابة لتعاليم الـ (هالاخا)” وفقا لوكالة روسيا اليوم ، وفي الحلقة الثامنة من سلسلة ” أباطيل وخرافات حاخام صهيوني” نواصل حوارنا مع الدكتور خالد العبيدي ، لنكمل ما بدأناه في الحلقة السابقة حول كتاب ” الاساطير المؤسسة للسياسة الاسرائيلية ” للمفكر الفرنسي الكبير روجيه غارودي .
س1:تحدثنا في الحلقة السابعة من سلسلة (اباطيل وخرافات حاخامات صهيون )عن الأساطير اللاهوتية في كتاب”الاساطير المؤسسة ” للمفكر الكبير روجيه غارودي،فماذا عن أساطير القرن العشرين التالية في الكتاب ذاته ؟
ج: أولا أسطورة معاداة الصهيونية للفاشية، فقد دعا إسحاق شامير سنة 1941 للتحالف مع هتلر ضد بريطانيا. وتواطأت الجماعة الصهيونية رغم أقليتها في ألمانيا معه، فانقلبت السلطات النازية من الاضطهاد إلى محاورة الصهاينة الألمان ومعاملتهم معاملة تفضيلية عن اليهود الذين كانت تطاردهم. فهذه الأقلية كانت منظمة تنظيمًا جيدًا جمعت قادة صهاينة، همهم الوحيد إنشاء دولة يهودية قوية. لكن الغالبية العظمى من المنظمات اليهودية، وبعد إعلان الحرب على ألمانيا؛ لم تكن مع هتلر، بل وقفت إلى جانب الحلفاء. ولقد كتب رئيس الوكالة اليهودية خطابًا إلى رئيس وزراء إنجلترا يخبره أنهم في صف بريطانيا، فكان الخطاب بمثابة إعلان حرب صريح من اليهود ضد ألمانيا؛ ممَّا أسفر عن احتجاز اليهود الألمان في معسكرات الاعتقال. ولقد برهن الزعماء الصهاينة في عصر الفاشية الهتلرية والموسولونية على سلوك غامض ومشبوه، بدءًا من عرقلة الكفاح ضد الفاشية حتى محاولة التعاون. فالهدف الأساس للصهاينة لم يكن إنقاذ حياة اليهود؛ وإنما إنشاء دولة يهودية في فلسطين. وهو ما عبر عنه بن غوريون أمام القادة الصهاينة بخصوص مسألة إنقاذ كل الأطفال بتوجيههم لإنجلترا أو إنقاذ نصفهم فقط إذا ما تم نقلهم لإسرائيل الكبرى، فرشح الاختيار الثاني لأنه لا ينبغي الحرص على حياة الأطفال فحسب، بل على تاريخ شعب إسرائيل. فلقد كانت الدولة اليهودية بالنسبة لهم أهم من حياة اليهود، ساعدهم على ذلك الزعماء الهتلريون بالاتفاق على التخلص من اليهود من أجل إنشاء دولتهم في فلسطين، وذلك لأن الصهيونية لا تتعارض مع برنامج الاشتراكية القومية التي تهدف إلى إبعاد يهود ألمانيا تدريجيًا.
وفي مقابل الاعتراف الرسمي بالزعماء الصهاينة كمُمثلين وحيدين للطائفة اليهودية، قاموا بكسر الحصار الذي فرضه أعداء الفاشية، فبدأ التعاون بإنشاء شركة في تل أبيب وشركة في برلين تلزم اليهودي الذي يريد الهجرة بإيداع مبلغ لا يقل عن مائة جنيه إسترليني. وبهذا المبلغ يشتري المصدرون اليهود بضائع ألمانيا وتوجيهها إلى فلسطين، وعندما يصل المهاجر إلى فلسطين يتسلم ما يعادل المبلغ الذي أودعه في ألمانيا. فكانت العملية مربحة للطرفين، كسر النازي الحصار، وحقق الصهيوني هجرة انتقائية للأغنياء فقطـ؛ لأنهم المُعوَّل عليهم في تنمية الاستيطان الصهيوني بعد إنقاذ رؤوس الأموال اليهودية من ألمانيا النازية. أما اليهود الأوربيون المُعدَمُون فحياتهم عالة فقط؛ لذا إن مهمة الصهيوني لا تكمن في إنقاذ بقية إسرائيل الموجودة في أوربا، ولكن في إنقاذ أرض إسرائيل للشعب اليهودي. والأقلية التي يجب إنقاذها ينبغي اختيارها وفقًا لاحتياجات المشروع الصهيوني. لذا لم يتردد الزعماء الصهاينة من جماعة الهاغاناه في تفجير السفينة الفرنسية التي أقلَّتْ اليهود المهددين من هتلر، بعد توقفها في ميناء حيفا سنة 1940؛ مما أدى إلى وفاة 252 يهودي وطاقم السفينة. بالإضافة لما قامت به الأجهزة السرية من قتل وترويع لإرغام يهود العراق بالهجرة فيما سمي بعملية علي بابا.
لقد تلاعب المؤرخون الرسميون بالتاريخ، كما حدث في كتاب يهودا باور (يهود للبيع)، فتعامل مع المصادر التي عالجت الموضوع بسطحية، حيث مرَّ عليها مرور الكرام لعدم قدرته على تجاهلها؛ ولأنها تتعارض مع نظريته التي تهدف إلى إبراز دور الزعماء الصهاينة في إنقاذ الفقراء اليهود من يد هتلر، بينما هم مارسوا الانتقاء، كما أنه تجاهل تواطؤ جمعية أرجون مع هتلر، ووضع أسماء المتفاوضين مع هتلر، وأضاف أنهم كلهم أصبحوا أبطالًا. فكانت غاية الكتاب هي محاولة إخفاء حقيقة أن ما كان يشغل الزعماء الصهاينة ليس إنقاذ اليهود من نار النازي؛ بل هو تأسيس دولة يهودية قوية. والموضع الثاني الذي أراد طرحه هو الإيهام بأن حرب هتلر هي حرب ضد اليهود.

س2: وماذا عن أسطورة “عدالة نورمبرغ” وفقا لطروحات غارودي ؟
ج : اجتمع الزعماء المُنتصرون في الحرب في لندن في 8 أغسطس سنة 1945، لإنشاء محكمة عسكرية لمُعاقبة كبار مُجرمي الحرب التابعين لقوى المحور. وصرح هؤلاء الزعماء أنفسهم بكثير من التصريحات التي تظهر مدى عنفهم ودمويتهم. ومع ذلك لم يقف لا تشرشل ولا ترومان ولا ستالين في قفص الاتهام كمجرمي الحرب، ولم يقف المنادون بأفظع الجرائم كتيودور كوفمان الذي وجه نداء بالإبادة الفعلية لألمانيا، وغيره كثير ممن لم يحاكموا في نورمبرغ؛ لإن إجراءات المحكمة انبثقت عن اختيار المتهمين من بين المنهزمين وحدهم؛ ولأن المحكمة لم تتقيد بالقواعد المتعلقة بإقامة الأدلة والبراهين، فمجرد شهرة عمل ما ستعتبره ثابتًا، وستعتبر الوثائق الرسمية لحكومات الحلفاء براهين صحيحة.
تجاهلت هذه المحكمة القواعد الثابتة لإجراءات أي قضية حقيقية؛ سواء ما تعلق بإقامة الدليل على صحة النصوص، أو تحليل الظروف التي حدثت فيها الأحداث، أو البحث العلمي لسلاح الجريمة. وهو ما بينه المؤلف من خلال تتبع هذه الإجراءات من النصوص والشهادات وسلاح الجريمة. إذ يعرض الكتاب بحثاً تاريخياً، وذلك بعرض شهادات متناقضة لأشخاص كانوا يعملون في المعتقلات الألمانية أثناء محاكمات النازيين (محكمة نورنبيرغ على سبيل المثال) وبحث علمي لمهندس كيميائي أمريكي لوشتر (بالإنجليزية: Fred A. Leuchter)‏ والذي كان مستشاراً لولايات ميسوري وكاليفورنيا وكارولاينا الشمالية قبل أن تلغي هذه الولايات حكم الإعدام، وقد أُرسل لفحص غرف الغاز، ليخلص إلى نتيجة أن هذه الغرف المفحوصة لا يمكن أن تكون قد استعملت غرفاً للإعدام بالغاز لعدم توفرها على التقنية المناسبة لذلك، بل أنه لم يجد أي أثر لحمض السيانيوريك (بالإنجليزية: Cyanuric acid)‏ مشتق من غاز “زيكلون ب” الذي يقال أنه كان يُستعمل كوسيلة للإعدام في الغرف.
اعتبر هذا القانون قاعدة مُسلَّمًا بصحتها ومعايير لحقيقة تاريخية لا يمكن مسها، ويعاقب بالحبس أو الغرامة كل من أنكر جريمة أو جرائم ضد الإنسانية، كما جاء في المادة 6 من النظام الأساسي للمحكمة. وهي قرارات أشعرت كبار القانونيين في العالم بالخجل من إجراءات نورمبرغ. واعتبرت هذه المحكمة رقم أسطورة الستة ملايين من الضحايا اليهود رقمًا رسميًا؛ مما جعله الرقم المتداول في الصحافة والإعلام والسينما وحتى في المقررات الدراسية. غير أن هذا الرقم لا يستند إلا إلى شهادتي ضابطين من ضباط الأمن النازي: شهادة هوتل لأحد معارفه: “نحو 4 ملايين يهودي قتلوا في مختلف معسكرات الاعتقال، كما أن هناك مليونين ماتوا بوسائل أخرى”. أما الثاني فنقل عنه “كان إيخمان يقول إن شعوره باقترافه مصرع خمسة ملايين شخص هو مصدر لسعادته ورضاه”. وهذا الرقم اعترض عليه الكثير لافتقاده السند، ومنهم من اعتبره رقمًا مشبوهًا.

س3: حبذا لو تناولنا الهولوكوست بحسب طروحات غارودي في كتابه الشهير .
ج : لا شك في كون هتلر اتخذ اليهود أحد الأهداف المفضلة؛ بسبب نظريته العنصرية التي تقول بتفوق الجنس الآري. فخلط عمدًا اليهود والشيوعيين، وأطلق عليهم عبارة “اليهودية البلشفية” التي اتخذها هدفًا، بعدما أنشأ حزبه “القومي الاشتراكي”؛ من أجل استئصال اليهود وطردهم جميعًا من ألمانيا وأوربا، ونفذ ما آمن به بطريقة أبعد ما تكون عن الإنسانية عن طريق التهجير، والنفي، والحبس في معسكرات الاعتقال أثناء الحرب، ثم بإلإبعاد نحو مدغشقر، ثم نحو بولندا التي أهلكهم فيها بالأشغال الشاقة، ثم بالأوبئة كالتيفوس. ولهذا فإن الهيمنة الهتليرية لم تكن حكرًا على اليهود وحدهم، بل كانت كارثة بشرية لا مثيل لها. لذا كانت هذه الأسطورة ترضي الجميع: فالحديث عن أكبر عملية إبادة جماعية في التاريخ كان بالنسبة للاستعماريين الغربيين، إسدالًا للستار على جرائمهم في قتل الهنود في أمريكا، والرقيق السود. وبالنسبة لستالين كان محوًا لآثار عمليات القمع الوحشية التي قام بها، وغيره من الزعماء كفلنتر وجورنج وآخرين الذين يستحقون الوقوف أمام محكمة دولية محايدة كمجرمي حرب، اكتشفوا لأنفسهم حججًا “بغرف الغاز” و”عمليات الإبادة الجماعية”.
وعبارة “الهولوكوست” المطبقة على نفس هذه المأساة منذ السبعينات والتي انتشرت بعد عرض فيلم “الهولوكوست”، تشِيْ هي الأخرى بالرغبة في استغلال الجريمة التي ارتكبت ضد اليهود، وجعلها حدثًا استثنائيًا لا مثيل له. مما أتاح لأحد الحاخامات القول “إن إنشاء دولة إسرائيل، هو رد الرب على الهولوكوست”. ولتبرير الطابع المقدس للهولوكوست، كان لا بد من الإبادة التامة واختراع عمليات التنفيذ ثم الحرق. ومع هذا لم يقدم أي نص يثبت أن الحل النهائي للمشكلة اليهودية بالنسبة للنازيين كان هو الإبادة. وارتبطت معاداة هتلر للسامية بمعركته ضد البلشفية مستخدمًا تعبير اليهودية البلشفية، وكانت معسكرات الاعتقال مخصصة للشيوعيين الألمان الذين ماتوا بالآلاف، أما اليهود فكان اتهامه لهم بكونهم من أنشط الحركيين في الثورة البلشفية، وفي نفس الوقت من أشد الرأسماليين استغلالًا للشعب الألماني؛ لذا بعد تصفيته الحركة الشيوعية بدأ بتفريغ ألمانيا، ثم أوربا منهم، عن طريق تهجيرهم في ظروف تمكنه من سلب أموال أغنيائهم. فنقلهم بشكل مكثف إلى معسكرات في بولاندا التي ذاقوا فيها أشد أنواع التعذيب من تجويع، وسير إجباري للضعفاء، والأشغال الشاقة، بحيث لم يبق معها مبررًا لللجوء إلى أساليب أخرى لشرح الموت الفظيع، من أجل المبالغة في الأرقام، ثم الاضطرار إلى تخفيضها لاحقًا. إن قتل إنسان بريء واحد سواء أكان يهوديًا أو لم يكن هو جريمة ضد الإنسانية.

ورغم وجود خلط لدى الناس بين “محارق الموتى” و”غرف الغاز” ووجود عدد مهم من هذه المحارق في المعسكرات الهتليرية لوقف انتشار وباء التيفوس، ليست حجة كافية، نظرًا لوجود هذه المحارق في العديد من المدن كباريس ولندن. وحرق الموتى فيها لا يعني الرغبة في إبادة السكان؛ لذا أضيفت “غرف الغاز” إلى المحارق لإقامة الذرائع والأدلة على الإبادة بالنار، وهو ما لم يثبت.

س4: لنتحدث عن أسطورة “أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض” من وجهة نظر المفكر الفرنسي .
ج : قامت الإيديولوجية الصهيونية على فرضية واهية، مصدرها ما جاء في سفر التكوين “لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات”، فأعلن الزعماء الصهاينة حتى ولو كانوا لا أدريين أو ملحدين أن فلسطين أعطيت لنا من الرب. تشير إحصائيات الحكومة الإسرائيلية أن 15% فقط من الإسرائيليين متدينون. لكن هذا لا يمنع إيمان 90% منهم أن هذه الأرض منحها لهم الرب. وهذا ما شرحه ناثان وينستوك في كتابه “الصهيونية ضد إسرائيل” قائلًا لو ألغينا مفاهيم “الشعب المختار” و”الأرض الموعودة” لانهارت الصهيونية من أساسها. وقد تطابقت الممارسة السياسية مع النظرية الغربية التي مفادها: الاستيلاء على الأرض بطرد سكانها كما فعل يشوع، خليفة موسى. وهو ما عبَّر عنه مناحيم بيغين: “أن أرض إسرائيل الكبرى ستعود إلى شعب إسرائيل، كلها وللأبد”. وهكذا وضعت إسرائيل نفسها فوق كل قانون دولي؛ لذا لم يتردد بن جوريون في معرض حديثه عن التقسيم أن إسرائيل تعتبره باطلًا وكأنه لم يكن؛ وبالتالي تقسيم فلسطين المنبثق عن قرار الأمم المتحدة لم يحترم أبدًا. وهذا يشي بمخططات الغرب، فبالرغم من أن اليهود في ذلك التاريخ لا يمثلون سوى 32% من السكان و5.6% من الأرض حصلوا على 56% من الأراضي الخصبة، بضغط من الولايات المتحدة. ولما احتج العرب على هذا الظلم تمادى الإسرائيليون في الاستيلاء على أراضي جديدة كيافا وعكا، بعد طرد الفلسطينيين بالترهيب، ومصادرة المنازل والأراضي والقتل كما في دير ياسين، التي قال عنها بيغين لولا الانتصار فيها لما قامت إسرائيل. وهو ما سماه الوسيط الأممي في تقريره بالسلب الصهيوني مما كان سببا في اغتياله.
وبعد هذا السلب بدأت سياسة التمييز العنصري بمنع الفلسطينيين من دخول عدد من المدن بعدما حرم القانون أن يسكنها غير اليهود، وانعكست هذه السياسة على الثقافة والتعليم في سبيل خلق أغلبية يهودية في فلسطين التي سكانها الأصليين عربًا. فقام هذا المشروع الاستيطاني على طرد الفلسطينيين والاستيلاء على أراضيهم لدفع عجلة الهجرة اليهودية. فشكلت موجة المهاجرين من روسيا نوعًا من التحول باستبعادهم الفلاحين الفلسطينيين وخلق طبقة عاملة وزراعية يهودية، حينها بدأ استبدال الشعب الفلسطيني بشعب آخر، وتم إنشاء “الصندوق القومي اليهودي” الذي شرع لنفسه بأن الأرض التي تقع في حوزته أصبحت أراضي إسرائيل؛ لذا لا تباع ولا تؤجر لغير اليهود. ولمحو ذكرى وجود السكان الزراعيين الفلسطينيين، والتأكيد على أسطورة “بلاد الصحراء”، دمرت 385 قرية عربية، وهدمت منازلها وأسوارها وحتى قبورها.
وحرف “قانون العودة” لصالح اليهود، فأي يهودي نزل مطار تل أبيب يصبح مواطنًا إسرائيليًا، أما الفلسطيني المولود في فلسطين من أبوين فلسطينيين قد يحرم من الجنسية. ومما يحز في النفس أن تتوصل الصهيونية إلى تحقيق الغرض الذي وضعه المعادون للسامية، وهو انتزاع اليهود من أوطانهم وحبسهم داخل جيتو عالمي. بعد توالي الهجرات الكبرى عقب عمليات ذبح اليهود في روسيا القيصرية، ثم المهاجرين البولنديين ويهود المغرب هربًا من الاضطهاد، وشكل يهود ألمانيا أهم مجموعة بسبب معاداة هتلر للسامية، ليصل عدد اليهود في فلسطين سنة 1947 ستمائة ألف من مجموع مليون وربع من السكان، فبدأ الاجتثاث المنظم للفلسطينيين من “الصحراء” المزعومة التي كانت تصدر الحبوب والموالح التي ضاعف “البدو” إنتاجها عشر مرات في حوالي خمسة عشر سنة. وهكذا؛ انطلق المشروع الاستيطاني في البناء والتشييد والسيطرة في انتهاك فاضح للقوانين الدولية وخاصة اتفاقية جنيف، وما يتبع ذلك من قتل واعتقال وتعذيب لفلسطينيين في السجون الإسرائيلية . يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى