أخبارإقتصاددراسات و تحقيقاتفي الواجهةمال و أعمال

دراسة مستقبلية .. التحديات الاقتصادية العالمية الى غاية عام 2030

لا زالت التطورات الاقتصادية الإقليمية والدولية المتسارعة التي يشهدها العالم، تُشكل تحدياً
أمام صانعي السياسات الاقتصادية في ظل بيئة اقتصادية يشوبها حالة من عدم اليقين، لا
سيما مع ارتفاع أسعار الفائدة، وارتفاع المديونية للقطاعين العام والخاص، وتذبذب أسعار
السلع الأساسية، وتطورات دولية تلقي بظلالها على الاقتصاد العالمي، ناهيك عن تراجع
الحيز المالي المُتاح لدعم التعافي الاقتصادي. في ظل هذه الأوضاع، يقدر أن يسجل النمو

الاقتصادي العالمي عن عامي 2023 و2024 نحو 3.0 في المائة عن كل عام، مقابل نسبة
نمو بلغت 3.5 في المائة عن العام 2022، فيما يقدر أن يبلغ معدل التضخم نحو 6.8 في
المائة و5.2 في المائة على التوالي عن عامي 2023 و2024 مقارنة بمعدل 8.7 في المائة
عن عام 2022، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. قد يؤدي النمو الاقتصادي المنخفض،
والأوضاع النقدية المتشددة، والمديونية المرتفعة إلى إضعاف الاستثمار وإرتفاع حالات
تخلف الشركات عن السداد. بالتالي هناك حاجة إلى جهود دولية إضافية منسقة للتخفيف من
مخاطر احتمال وقوع الركود العالمي ومخاطر المديونية في الأسواق الناشئة والبلدان النامية.

لعل من الأهمية بمكان أن يركز صانعو السياسات الاقتصادية على تقييم آثار التطورات
السابقة، وتبني سياسات لتشجيع وجذب الاستثمارات خاصةً في الأسواق الناشئة والبلدان
النامية، والتي يمكن أن تساعد على عكس التباطؤ في النمو طويل الأجل الذي تفاقم بسبب
الصدمات المتداخلة لجائحة كورونا، والتطورات العالمية الراهنة، والتشديد المتسارع
للسياسة النقدية العالمية. كما يبقى من المهم أيضا تعزيز تقديم الدعم المالي المباشر إلى
الفئات الضعيفة والأكثر تأثراً، وتجنب ما أمكن سياسات الدعم السلعي المكلفة وغير العادلة.

تحتاج السياسات الهادفة إلى تعزيز نمو الاستثمار، أن تكون متلائمة مع ظروف كل دولة،
وأن تشمل تعميق الإصلاحات المالية والهيكلية، بما في ذلك إعادة ترتيب أولويات الإنفاق.
في ضوء أن الحيز المالي محدود في بلدان الأسواق الناشئة والبلدان النامية، سيتطلب الأمر
تضافر وتعزيز الجهود الدولية فيما يخص التمويل، فضلاً عن المساعدة في تعزيز تمويل
القطاع الخاص لتحقيق استثمارات كافية. كما أنه من الممكن لصانعي السياسات الاقتصادية
في الاقتصادات النامية تحسين آفاق النمو على المدى الطويل من خلال بناء حيز مالي،
وتعزيز التنويع الاقتصادي الفعَال، وتحسين المرونة في مواجهة تغيرات المناخ والانتقال
نحو الإقتصاد المستدام.


يتزايد الاهتمام في الاقتصاد العالمي بمتطلبات مواجهة تحديات تغيرات المناخ، كمحور
رئيس لتعزيز فرص النمو الشامل والمستدام، وهو توجه يلاقي دعماً كبيراً من الدول العربية
التي تنظر اليه على انه توجه استراتيجي. من ناحية أخرى فإن الاهتمام بمواجهة تحديات
المناخ يتعين ألا ينفصل أو أن يكون على حساب قضايا أمن الطاقة أو الكفاءة الاقتصادية
والنمو، من خلال التأكيد على أهمية تحقيق هدف حصول الجميع بتكلفة ميسورة على
إمدادات الطاقة الحديثة المنتظمة والمستدامة، لإتاحة الاستثمارات وإطلاق الابتكارات
والصناعات التي تُعد محركات لتوفير الوظائف والنمو الشامل للجميع والرخاء المشترك
للاقتصادات بأكملها.

أن الحث على تَبنّي سياسات مستعجلة أو غير واقعية للبلدان النامية لتخفيض الانبعاثات، من
خلال إقصاء مصادر طاقة رئيسة أو إهمال الاستثمار فيها، سيؤدي إلى تحديات غير معهودة
وأثر غير متكافئ على المجتمعات والدول منخفضة الدخل. ذلك أن استهداف مصادر الطاقة
بدلاً من استهداف الانبعاثات الكربونية، يؤدي إلى تشوهات في أسعار الطاقة، وما لها من
انعكاسات على استقرار وأمن العرض والطلب على الطاقة، بما في ذلك الوصول إلى
مصادر الطاقة الموثوقة وميسورة التكلفة، والقدرة على الحفاظ على البنية التحتية للطاقة
وتحسينها، وهو ما يمثّل جوهر أمن الطاقة.

إن الاستثمار في مجموعة واسعة من مصادر الطاقة، وتطوير خدمات التمويل المستدام،
وتقديم دعم كفؤ وعادل للبلدان النامية، متطلب لغرض الاستجابة لتغيرات المناخ، وهي
جوانب مترابطة، تدعم مجتمعة التحول نحو مستقبل مستدام قابل للإستمرار.

تمتلك الدول العربية الموارد والخبرة والإرادة للانتقال نحو الاستدامة. ويمكننا تطوير تقنيات ونماذج
أعمال مبتكرة تدعم الانتقال إلى اقتصاد مستدام، وتوفر فرص عمل جديدة في مجالات مثل
الطاقة المتجددة، وإدارة الانبعاثات الكربونية وتوفر في نفس الوقت الطاقة بكلفة معقولة
تعزز تنافسية الاقتصاد.

إن تحفيز النشاط الاقتصادي وتوفير بيئة اقتصادية جاذبة تمثل نقطة انطلاق للنهوض
بالاقتصادات العربية، وتُشكل أولوية لدى المصارف المركزية العربية في ظل الظروف
والتحديات التي تواجه منطقتنا العربية، خصوصاً مع ارتفاع معدلات التضخم والفقر
والبطالة في العديد من الدول. حيث بذلت الدول العربية جهوداً كبيرةً لتعزيز التنمية
الاقتصادية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية من خلال تحسين مستويات
الشمول المالي، وتعزيز قطاع المشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، ودعم
التحول المالي الرقمي، بما يساهم في تسريع وتيرة النمو الاقتصادي الشامل وخلق فرص
عمل في المنطقة العربية.

يستدعي الوضع الراهن مواصلة توفير الظروف المواتية لدعم قطاعي الأفراد والشركات،
بما يحد من آثار ارتفاع أسعار الفائدة الناجم عن إتباع سياسات نقدية متشددة، وكذلك آثار
ارتفاع وتذبذب أسعار السلع الأساسية، وارتفاع معدلات التضخم. كما تبرز أهمية ضبط
الإنفاق الحكومي وفق الحيز المالي المتاح، وتوجيه أولويات الإنفاق لدعم الفئات الفقيرة،

والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، من خلال توفير برامج تمويل حكومية
وفق أسعار فائدة وآجال مناسبين.

تظهر تقديرات صندوق النقد العربي تحسن الأداء الاقتصادي للدول العربية عن عام 2022،
حيث حققت الاقتصادات العربية معدل نمو بلغ 6 في المائة عن عام 2022، مقابل نحو 3.6
في المائة عن عام 2021، مدفوعاً بالعديد من العوامل يأتي على رأسها التحسن النسبي في
مستويات الطلب العالمي، وارتفاع أسعار عدد من السلع الأساسية لاسيما الأسعار العالمية
للنفط والغاز، وارتفاع كميات الإنتاج النفطي، ومواصلة الحكومات العربية لتبني حزم
للتحفيز لدعم التعافي الاقتصادي، علاوة على الأثر الإيجابي لتنفيذ العديد من برامج
الإصلاح الاقتصادي والرؤى والاستراتيجيات المستقبلية التي تستهدف تعزيز مستويات
التنويع الاقتصادي، وإصلاح بيئات الأعمال، وتعزيز دور القطاع الخاص، ودعم رأس المال
البشري، وزيادة مستويات المرونة الاقتصادية في مواجهة الصدمات.

فيما يُتوقع تراجع وتيرة النمو للاقتصادات العربية في عام 2023 لتسجل نحو 3.4 في المائة
بما يتواكب مع تراجع زخم النمو الاقتصادي العالمي، نتيجة تشديد السياسات النقدية،
والتطورات العالمية التي تلقي بالمزيد من حالة عدم اليقين على آفاق الاقتصاد العالمي، وأثر
الانسحاب التدريجي من السياسات المالية والنقدية الداعمة لجانب الطلب الكلي التي تم تبنيها
خلال جائحة كورونا. فيما تشير توقعات صندوق النقد العربي إلى ارتفاع معدل النمو
للاقتصادات العربية خلال عام 2024 ليصل إلى 4.0 في المائة.

مما لا شك فيه أن الدول العربية تواجه في هذه المرحلة تحديات اقتصادية تستلزم بذل الكثير
من الجهود والتحرك نحو تبني آليات جديدة أكثر قدرة على تحقيق النمو الاقتصادي وبلوغ

مستويات التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة. من أبرز التحديات التي تواجه اقتصادات
دولنا العربية كما سبق ذكره هو ارتفاع معدلات البطالة في المنطقة العربية والتي سجلت
نحو 10.7 في المائة بما يمثل تقريباً ضعف المعدل العالمي وفق بيانات البنك الدولي، ويتمثل
التحدي الأكبر في هذا السياق في تركز معدلات البطالة لدى الدول العربية في فئة الشباب،
حيث ترتفع بطالة الشباب في المنطقة العربية لتسجل نحو 26.7 في المائة مقابل 15.6 في
المائة للمتوسط العالمي لبطالة الشباب.
تحد آخر لا يقل أهمية عن البطالة هو تزايد معدلات المديونية، حيث ساهمت جائحة كوفيد-
19 في حصول ارتفاع ملحوظ لمستويات الدين العام لتصل إلى نحو 1214 مليار دولار
أمريكي في نهاية عام 2022، بما يمثل نحو 56.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي
للدول العربية. فيما بلغ الدين العام للدول العربية المقترضة في نهاية عام 2022 نحو 785.3
مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل نحو 97.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي لهذه
الدول العربية المقترضة. إن احتواء مسارات الدين العام وتعزيز استدامته عند مستويات
مقبولة يتطلب سعياً حثيثاً من قبل صانعي السياسات في الدول العربية للموائمة ما بين
اعتبارات استمرار دعم التعافي الاقتصادي، واعتبارات استعادة التوازنات المالية والتحرك
باتجاه مسارات أكثر استدامة للدين العام.
من ناحية اخرى تعاني عدد من الدول العربية من ضعف التنوع الاقتصادي والاعتماد على
عدد محدود من الأنشطة كقاطرة للنمو الامر الذي يستدعي تواصل الجهود الهادفة إلى تعزيز
التنوع الاقتصادي وتحفيز الاستثمار في قطاعات جديدة وتقليل اعتماد الاقتصاد والمالية
العامة على قطاعات محدودة.
علاوة على ما سبق، تظهر الحاجة الملحة إلى تعزيز قدرة الاقتصادات العربية على زيادة
مستويات المرونة الاقتصادية لمواجهة أي صدمات اقتصادية مستقبلية محتملة. ولعل
مواصلة الدول العربية للإصلاحات الهيكلية والمؤسسية ضرورة ملحة تمليها المستجدات

الاقتصادية الراهنة بشكل أكثر من أي وقت مضى. كما تلعب الإصلاحات المؤسسية دوراً
مهماً في المرحلة الراهنة بهدف تطوير بيئات الأعمال العربية لتمكين القطاع الخاص ليكون
قاطرةً أساسيةً للنمو والتشغيل، فلا تزال بيئات الأعمال في عدد من الدول العربية تواجه
تحديات كبيرة ترفع من مستوى الأعباء الملقاة على كاهل مؤسسات الأعمال فيما يتعلق
بممارسة الأعمال. فحسب بيانات البنك الدولي يستلزم الامتثال لإجراءات التصدير في الدول
العربية نحو 75 ساعة في المتوسط (أكثر من ثلاثة أيام) مقابل 4.3 ساعة فقط في دول
منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
يفرض هذا الأمر على الجهات المعنية في الدول العربية سرعة التوجه نحو إصلاح الأطر
التشريعية والتنظيمية لتخفيض الوقت والكلفة اللازمة لممارسة الأعمال وزيادة مستويات
جاذبية وشفافية بيئات الأعمال العربية للمستثمر المحلي والأجنبي.


تبرز أهمية توجه الحكومات العربية نحو الإسراع بجهود التحول الرقمي والتحول نحو
اقتصاد المعرفة، حيث تشير الدروس المستفادة من جائحة كورونا إلى أن الدول التي تمكنت
من التعافي السريع من تداعيات هذه الجائحة والتعامل مع تداعياتها بفعالية وكفاءة، كانت
الدول ذات المستويات الأعلى من الجاهزية الرقمية.
ولعل نظرة إلى مساهمة نصيب قطاعات اقتصاد المعرفة في الناتج المحلي الإجمالي للدول
العربية والتي تتراوح ما بين 4 إلى 12 في المائة مقارنة بالمستوى المثيل المسجل في العديد
من الدول السبّاقة في هذا المجال، توضح الحاجة لمتابعة الجهود في دولنا العربية لتطوير
السياسات وتعزيز الاصلاحات التي تخدم التحول الرقمي. ما يعزز التفاؤل في هذا الشأن،
النمو التصاعدي خلال عامي 2021 و2022 في المدفوعات الرقمية وتحسن التمويل المقدم

لشركات التقنيات لدعم الابتكارات في التقنيات المالية الحديثة والانتقال للخدمات الرقمية في
الدول العربية.
ولا يقل أهمية عما سبق ضرورة تكثيف الجهود الرامية إلى تطوير القطاع المالي
والمصرفي في الدول العربية لدعم فرص الوصول للتمويل والخدمات المالية، وتطوير
أسواق المال المحلية، وتعزيز الاندماج المالي الإقليمي. ذلك أن تعزيز فرص الوصول
للتمويل والخدمات المالية لمختلف القطاعات الاقتصادية والمناطق الجغرافية وفئات المجتمع
لاسيما الشباب والإناث، والمشروعات متناهية الصغر والصغيرة والمتوسطة، وتسريع إتاحة
التمويل للمشروعات الناشئة، سيساهم في إطلاق طاقات كامنة كبيرة وخلق فرص عمل
متزايدة، بما ينعكس إيجاباً على مساعي مواجهة البطالة ودعم التنمية الاقتصادية
والاجتماعية المستدامة والشاملة.

واجهت المصارف المركزية في مختلف أنحاء العالم، خلال الأعوام الثلاث الماضية،
تحديات ومخاطر متعددة، بدأت بتداعيات جائحة كورونا، ومن ثم تحول تركيز إهتمام
صانعي السياسات الاقتصادية تدريجياً نحو تداعيات التطورات في القارة الأوروبية، وكذلك
التعامل مع حالة عدم اليقين وإحتواء الضغوط التضخمية التي فرضت عليها إتباع سياسة
نقدية متشددة، وما رافق ذلك من ارتفاع في كلف الإقراض وتراجع الدخل المتاح لقطاعي
الأسر والشركات، إضافةً إلى ارتفاع أسعار الفائدة في أسواق السندات الذي إنعكس على
قيمة الأصول السائلة عالية الجودة التي بحوزة البنوك، مما تسبب بحدوث بعض التداعيات
في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التي سرعان ما تم احتواؤها.
في هذا السياق، لا بد من الإشارة إلى أن النظام المصرفي يعد اليوم أكثر استعداداً لإستيعاب
الصدمات المالية والإقتصادية والمخاطر والتي من الممكن أن يتعرض لها، وذلك ناشئ عن

تحسن مستويات الملاءة والسيولة مع تطبيق متطلبات رأس المال والسيولة وفق معيار بازل
(III) والمعيار الدولي للتقارير المالية رقم (9)، إضافةً إلى تعزيز مستويات الرقابة
المصرفية الفعالة بما ينسجم مع المعايير والممارسات الدولية السليمة.
في اطار دور لجنة بازل للرقابة المصرفية بمراجعة المعايير الرقابية بشكل يواكب كافة
المستجدات والظروف المحيطة بالنظام المصرفي، ويعزز من متانة القطاع المصرفي وبما
ينعكس إيجاباً على قدرة البنوك على مواجهة المخاطر، قامت لجنة بازل للرقابة المصرفية
خلال الأعوام الأخيرة بإجراء سلسلة من التعديلات على معيار بازل III، وذلك بهدف
معالجة عدد من نقاط الضعف المتعلقة بآلية إحتساب متطلبات رأس المال اللازم لمواجهة
مخاطر الإئتمان، فقد تم وضع إطار معدل لكل من المنهجية المعيارية ومنهجية التقييم
الداخلي، وذلك للوصول إلى أساليب قياس أكثر حساسية للمخاطر، كما قامت اللجنة بإلغاء
بعض أساليب التقييم الداخلية لتقليل الإعتماد على النماذج الداخلية للبنوك، وتعديل بعض
المعايير الخاصة بالرافعة المالية، ووضع حد أدنى على الأصول المرجحة بالمخاطر التي
تستخدم منهجية التقييم الداخلي، وذلك بهدف ضبط استفادة البنوك من تحقيق وفر في
متطلبات رأس المال مقارنةً بالمنهجية المعيارية.
إضافةً لذلك أصدرت لجنة بازل للرقابة المصرفية مؤخراً ورقة إستشارية حول التعديلات
المتعلقة بالمبادئ الأساسية للرقابة المصرفية الفعّالة، حيث تم بموجبها إقتراح مجموعة من
التعديلات الهامة التي تأخذ في الإعتبار التطورات الحاصلة على نماذج أعمال البنوك
وتعكس التطورات التنظيمية والإشرافية في العديد من الجوانب منها: المخاطر المالية
المستجدة، والمرونة التشغيلية، والمخاطر النظامية والجوانب الإحترازية الكلية للإشراف،
والمخاطر المالية المتعلقة بالمناخ ورقمنة التمويل، والوساطة المالية غير المصرفية،
وممارسات إدارة المخاطر وغيرها.

قام صندوق النقد العربي في عام 2022 بإصدار دليل إرشادي تفصيلي حول تطبيق
التعديلات المتعلقة بمتطلبات بازل III، كما تم التواصل مع أعضاء اللجنة العربية للرقابة
المصرفية لإبداء أية مقترحات أو ملاحظات حول التعديلات المقترحة المتعلقة بالمبادئ
الأساسية للرقابة المصرفية الفعّالة. وهنا لا بد من الإشادة بجهود البنك المركزي السعودي،
الذي كان سباقاً بتطبيق تعدیلات متطلبات بازل III الأخیرة في البنوك المحلية بدءً من شهر
يناير من عام 2023، وذلك تماشياً مع الجدول الزمني المتفق عليه دولياً، والمقرر من لجنة
بازل للرقابة المصرفية، علماً أن البنك المركزي السعودي قام خلال النصف الثاني من العام
2022 بتطبيق تجريبي لتعديلات متطلبات بازل III بمشاركة كافة البنوك المحلية، والذي
تبين من خلال نتائجه الأولية جاهزية القطاع البنكي للتطبيق الرسمي، مع استمرار الحفاظ
على مستويات رأس مال مستقرة، مما يساهم في تحقيق مستهدفات البنك المركزي بالحفاظ
على الإستقرار المالي.
في نفس الإطار، يعتبر القطاع المصرفي في الدول العربية، المصدر الرئيس لتوفير السيولة
في الإقتصاد، فقد بيّن تقرير الإستقرار المالي في الدول العربية لعام 2023 الصادر عن
صندوق النقد العربي، أن القطاع المصرفي العربي، الذي يبلغ حجم موجوداته حوالي 4.1
تريليون دولار أمريكي ما يُعادل 124 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للدول العربية،
كان مستقراً وقادراً بشكل عام على تحمل الصدمات، ذلك في ضوء ما حققه القطاع من
مستويات جيدة لرأس المال وجودة الأصول والربحية، وهو ما يعكس جهود المصارف
المركزية ومؤسسات النقد العربية في المحافظة على الاستقرار المالي.
فيما يخص القطاع المصرفي السعودي، فقد استأثر بنحو 23.5 في المائة من موجودات
القطاع المصرفي العربي محققاً بذلك المرتبة الثانية على مستوى الدول العربية، علماً أن
أصول القطاع المصرفي السعودي نمت بنسبة 10.5 في المائة في نهاية عام 2022 مقارنةً

بالعام السابق مدفوعاً بزيادة الإئتمان لقطاع الشركات، الأمر الذي يُعطي دلالة على التعافي
الإقتصادي للقطاع الخاص.

على صعيد الملاءة المالية، فقد تميّز القطاع المصرفي العربي بملاءة مرتفعة، إذ وصل
متوسط معدل كفاية رأس المال إلى ما نسبته 17.4 في المائة في نهاية عام 2022، وهي
نسبة أعلى من تلك المستهدفة دولياً حسب معيار بازل Ⅲ البالغة 10.5 في المائة. وقد حقق
القطاع المصرفي السعودي مرتبة متقدمة بين الدول العربية من حيث نسبة كفاية رأس المال،
إذ بلغت 19.9 في المائة، مما يُشير إلى قدرة القطاع على استيعاب الصدمات.
في المقابل، لا زالت نسبة التسهيلات غير العاملة إلى إجمالي التسهيلات في القطاع
المصرفي السعودي منخفضة مقارنةً بالمتوسط في الدول العربية، بالرغم من التحديات التي
أفرزتها جائحة كورونا، التي نجم عنها ارتفاع في معدلات الفقر والبطالة في معظم الدول، إذ
بلغت النسبة حوالي 1.8 في المائة في نهاية عام 2022، مقابل متوسط بلغ 8.0 في المائة
للقطاع المصرفي العربي.

أما عن أداء القطاع المصرفي في الدول العربية، فبعد تراجع معدل العائد على الموجودات
ومعدل العائد على حقوق المساهمين خلال أزمة جائحة كورونا، فقد عاودا الارتفاع في نهاية
عام 2022 ليبلغا 1.35 في المائة و12.84 في المائة على التوالي. ووصلت هذه النسب في
القطاع المصرفي السعودي، إلى حوالي 2.80 في المائة و12.50 في المائة على التوالي.
مما يعكس الأداء الجيد للبنوك وكفاءتها في توظيف موجوداتها، وفاعليتها في استخدام
رأسمالها وقدرتها على مواجهة الخسائر التي من الممكن أن تتعرض لها مستقبلاً.

كشفت أزمة جائحة كورونا أهمية التقنيات المالية الحديثة في استمرارية توفير المنتجات
والخدمات المصرفية التي تقدمها البنوك، بالتالي يبرز الاهتمام بتعزيز البنية التحتية الرقمية
للقطاع المالي، وتشجيع التحول المالي الرقمي، وإيجاد فرص تطويرية واستثمارية في
مجالات التقنيات المالية. إلا أنه وفي الوقت نفسه، لا بد من التنبه إلى ضرورة تعزيز القواعد
التنظيمية الداعمة لجهود تطوير الأداء التقني ووسائل التواصل والعمل عن بعد، وأهمية
التأكد من وجود إجراءات وتدابير وأطر واضحة لتعزيز الأمن السيبراني وأمن المعلومات،
وتوفير البنية التحتية الملاءمة، وتوفير الدعم التقني المناسب. كما من الأهمية بمكان مواصلة
تعزيز منظومة الامتثال وإدارة المخاطر لدى القطاع المالي وتطوير منهجياتها لمواجهة
التحديات المرتبطة بمخاطر التقنيات المالية الحديثة في تنفيذ العمليات المصرفية والمالية،
والحد من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وكما سبقت الاشارة تُشكل مواجهة مخاطر تغيرات المناخ والكوارث الطبيعية تحدياً وعبئاً
إضافياً على الحكومات العربية بشكل عام، والمصارف المركزية ومؤسسات النقد العربية
بشكل خاص، حيث واصلت الدول العربية تطوير ووضع إستراتيجيات وطنية وخطط للحد
من مخاطر تغيرات المناخ والكوارث الطبيعية، وبرامج دعم للمشروعات صديقة البيئة، من
خلال التمويل بأسعار فائدة وآجال مناسبين، وتعزيز التمويل المستدام والمسؤول، وتقديم
الحوافز للبنوك التجارية وأصحاب المشاريع الصديقة للبيئة بشكل مدروس. إضافةً إلى
التنسيق والتعاون بين المصرف المركزي ووزارة المالية والجهات الأخرى ذات العلاقة
لتعزيز دور السياسة المالية في دعم التحول البيئي نحو المشاريع منخفضة “غاز الكربون”،
وتعزيز أمن الطاقة، ودعم الاستثمارات الخضراء، وإصدار السندات والصكوك الخضراء،
كما تبذل الدول العربية جهوداً معتبرة في مجال الاقتصاد الدائري للكربون وتعزيز
الاستدامة، حيث قطعت أشواطاً هامّة في الحد من مخاطر التغيرات المناخية، وتحقيق تنمية
اقتصادية مستدامة، مع الاستمرار في تعزيز أمن الطاقة، وتحويل الانبعاثات الكربونية إلى
سلع ذات قيمة مضافة اقتصادياً من خلال تقنيات تخزين واستخدام ثاني أكسيد الكربون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى