أحوال عربيةأخبارأخبار العالم

جو بايدن غرق في مستنقع غزة

غزة ما بين مأزق بايدن وهذيان نتنياهو

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري

اختياري لعنوان مقالتي هذه لم يأتي من فراغ وإنما جاء بعد نظرة شمولية لما لهذا الموضوع من أهمية على الصعيدين الإقليمي والعالمي، فهو من جهة، برز هذا الموضوع مجدداً على الساحة الإعلامية بشكل كبير، ومن جهة أخرى وهو الأهم دور الحراك الطلابي الداعم لغزة والمندد بالعدوان الإسرائيلي، والأمر اللافت هو امتداد الاحتجاجات إلى خارج الحرم الجامعي ناهيك عن انضمام أعضاء الهيئة التدريسية لهذه الاحتجاجات.

تطور الأحداث بهذا الشكل، يدفعنا إلى التخوف من سيناريو العنف والفوضى الذي يهدد الولايات المتحدة، وحتى الآن لم تنجح السلطات الأمريكية في كبح جماح هذه التظاهرات، فالسلطات الأمريكية أصبحت الآن بين نارين، فهي من جهة تريد وقف هذه التظاهرات خاصة بعد سرعة انتشارها الجغرافي خوفاً من “الفوضى”، وفي نفس الوقت ليس لديها القدرة على حفظ الأمن وحدها، فعدد المتظاهرين ضد إسرائيل يتفوق على قوات الشرطة.

بالمقابل أن الكثير من الطلاب الناشطين، هم من منظمات يهودية علمانية من أجل السلام، وهذا التحدي اليهودي لما تقوم به اسرائيل في قطاع غزة يضرب على وتر حساس داخل إسرائيل فيما يخص الصراع بين العلمانيين واليهود المتشددين والمتطرفين.

رغم الدعم الأمريكي السياسي والعسكري لإسرائيل منذ اليوم الأول للحرب على غزة، إلا أن الخلافات تتجدد بين الرئيس الأمريكي بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو حول كيفية إنهاء الحرب هناك، في حين منحت واشنطن تل أبيب وقتاً كافياً للنزول من فوق الشجرة، ولكنها أدركت الآن أن إسرائيل ستجرها لمزيد من المعارك والخسارات الداخلية والخارجية.

وتزداد حدة الخلافات بين بايدن ونتنياهو بسبب عدم قدرته على إقناع إسرائيل بتغيير تكتيكاتها العسكرية في قطاع غزة، وتتزايد هذه الخلافات إذا تم اجتياح قطاع رفح الذي سيؤدي الى مجازر حقيقية، وبالتالي سينعكس على مستقبله السياسي ومستقبل حزبه وإدارته، ومن هنا فإن الادارة الامريكية لن تقبل بذلك وستضغط هي و الدول الأوروبية بعدم اجتياح رفح لأن في هذه الحالة سيؤدي الى توسيع الحرب ودخول دول جديدة في هذا الصراع الدائر.

لقد وضع الرئيس الامريكي بلاده على حافة انفجار العنف والفوضى، وفاقم حالة التخبط التي سقطت فيها البلاد بعد استمرار الاحتجاجات الشعبية واتساع رقعة التظاهرات الرافضة للحرب في قطاع غزة في عدة جامعات أمريكية، تزامناً مع تصريحات غاضبة قادمة من إسرائيل ضد هذه التظاهرات، الذي وصفه مسؤولون إسرائيليون بالـ “معادي للسامية” وطالبوا بـ”التصدي لها”

بالمقابل هذه الاحتجاجات ستزيد الضغط السياسي على الرئيس الأمريكي وفي الوقت نفسه تمثل ضربة لصورة الولايات المتحدة على الصعيد الاقليمي والدولي، ومن جهة أخرى، أثرت أعمال الشغب على السياحة في الولايات المتحدة وتضاف إلى ذلك الخسائر الهائلة والناجمة عن العنف، والتي يصعب تقديرها.

وعلى الطرف الأخر، حققت الاحتجاجات العديد من النقاط الإيجابية حيث هزت الأجندة البرلمانية بالكامل، كما لعبت دوراً مهماً في إيقاظ وعي الشعب تجاه ارتكاب المجازر بحق المدنيين العزل في فلسطين، كما ساعدت على خلق روح الترابط والتعاون بين الطلبة وأساتذتهم، وهنا يمكن النظر إلى هذه التظاهرات على إنها إشارة واضحة ودعوة للاستيقاظ، فالأمريكيين لم يعودوا يخافون من الشرطة، أو رد الفعل العسكري على الاحتجاجات.

إن إسرائيل قلقة لآنها متخوفة من خسارة الدعم الأميركي بعد إزدياد وتيرة الاحتجاجات خاصة بعد تعهد الطلبة بمواصلة الاحتجاج حتى توافق الجامعات على الكشف عن أي استثمارات مالية قد تدعم الحرب في غزة وسحبها ، وكذلك قطع الصلات بين المؤسسة المرموقة وإسرائيل ، علماً بأن الدعم الاميركي لإسرائيل هو الذي يجعلها قادرة على تحدي العالم مثل الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية والرأي العام العالمي، وهذا أمر تدركه إسرائيل جيداً.

وعلى الطرف الأخر أصبحنا نسمع أصواتاً من داخل أوروبا تعبر بكل صراحة عن مدى الاعتراف والشعور بالإحباط وخيبة الأمل من الفشل الذريع الذي ترتكبه إسرائيل من خلال استراتيجيتها في غزة، إذ فقدت الكثير من الخيوط وقدمت خسائر فادحة لم تكن في حساباتها، بالمقابل بدأ الدعم الإقليمي والدولي المطلق لإسرائيل بالانخفاض والتآكل.

مجملاً….إن الصراع بين بايدن ونتنياهو هو الذي يطغى على متانة العلاقات فيما بينهم، وبايدن عندما أيد اسرائيل تأييد مطلق وفتح لها مخازن السلاح ومليارات الدولارات كان متوقع أن تستمر العملية لبضعة أيام ويتم تهجير الفلسطينيين الى سيناء، بعد ان سد رجال المقاومة الفلسطينية بوجههم كل السبل، و فشلت تل أبيب ومن معها بإخضاع غزة أو تحقيق أي نصر يذكر على مقاومتها.

ومما لا شك فيه يبدو أن إسرائيل أصبحت تلفظ أنفاسها الأخيرة، بهمة المقاومة وبهمة من لا يريدون أن تدنس أرض الانبياء والأولياء بأقدام أقزام الارهاب .. بالتالي فإن التوقعات التي خططت لها إسرائيل وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته تل أبيب في غزة والتي وضعت به كل إمكاناتها، نجد بأنها خسرت رهانها لذلك نرى إن سياستها تجاه قطاع غزة في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى