في الواجهة

حرب أوكرانيا ..النزول عن الشجرة

خالد بطراوي

ونحن نقترب من بدء العام الثاني للحرب الروسية – الأوكرانية، باتت مجموعة من الحقائق تتضح أكثر فأكثر، وربما تشكل أبرز الملامح لأجراء إستقراء سياسي وعسكرى للسنة الثانية من الحرب التي باتت على الأبواب.
أولى هذه الحقائق تتجسد في أن أمريكا بالدرجة الأساسية وأوروبا كحليف لها نجحت أيما نجاح في جعل أوكرانيا وقادتها رأس حربة متقدم في مواجهة روسيا إبتداء ثم في جرّها الى مواجهة عسكرية الخاسر الأكبر فيها أوكرانيا نفسها ثم روسيا.
ثاني هذه الحقائق تتجسد في أن الشعب الأوكراني وجد نفسه درعا بشريا للنازيين الجدد وللدوائر الإمبريالية التي إستخدمته وإستخدمت مقدراته وحضارته التي شيدها قبل وإبان حقبة الإتحاد السوفياتي.
ثالث هذه الحقائق تتجسد في نجاح الإمبريالية في تغذية الكراهية بين الشعبين الشقيقين الروسي والأوكراني لدرجة تصل الى شبه القطيعة التامة رغم وجود علاقات النسب والمصاهرة ما بينهما، فقد سطر التاريخ صفحة دامية سوداء من حرب ضروس فقد فيها الشعبين الروسي والآوكراني من أبنائهما وخلف الجرحى والأسرى والدمار والويلات.
رابع هذه الحقائق تتجسد في أن الإمبريالية لا يعنيها على الإطلاق أن يتم التوصل الى وقف إطلاق نار و/او البدء بمفاوضات سلام ، حيث أنها جاهزة للتضحية باخر مواطن أوكراني رغم وجود تقارير عن سقوط بعض العناصر القتالية المقاتلة الى جانب أوكرانيا من جنسيات أجنبية.
خامس هذه الحقائق تتجسد في أن القيادة الأوكرانية مسيرة وفقا لإملاءات الغرب وماضية في هذه التبعية العمياء كالغريق الذي يتمسك بقشة، رغم تصريحات بعض القادة الاوكران بانهم محبطون من شحة الدعم الغربي لهم.
سادس هذه الحقائق تتجسد في أن كل من يظن أن روسيا قد إنزلقت في حرب إستنزاف فهو واهم، فأوكرانيا ليست أفغانستان، ويعلم الروس تمام العلم ماذا يفعلون على الصعيدين السياسي والعسكري.
سابع هذه الحقائق تتجسد في أننا أمام حقيقة دامغة مفادها أن التفوق العسكري الروسي بات جليا للقاصي والداني، وأن روسيا لم تستخدم بعد ترسانتها العسكرية بالغة التطور، بل نكشف يوما بعد يوم عن إدخالها وسيلة قتالية جديدة ” الى الخدمة” على نحو لا يستطيع أي محلل عسكري أن يدّعي معرفته المستفيضة بالسلاح الجديد الموظف في الخدمة وكل ما يقال لا يخرج عن كونه ” تفصيعات” تتلقفها وسائل الاعلام بينما يلتزم الروس الصمت، وهم يستمعون ما تصفهم وسائل الاعلام ” بالخبراء العسكريين” الذين ما زالوا في صف ” الروضة”.
ثامن هذه الحقائق تتجسد في أننا أمام معادلة صعبة للغاية، فلن نستطيع أن نقول للشعب الأوكراني العظيم أن عليه الإستسلام ورفع الراية البيضاء، إذ أنه يخوض حربا دفاعا عن أرضه وعن نفسه، ولو رفع الراية البيضاء فلن ينهض من جديد، إلا ربما بعد عقود من الزمن. ونتفهم في ذات الوقت أنه لا يمكن لروسيا أن تتوقف وتتراجع عن تحقيق أهدافها وإلا إعتبر ذلك هزيمة سيكلفها أيضا عقودا من الزمن لإعادة ترتيب أوضاعها. وبين هذا وذاك، هناك الغرب الذي لا يمكنه أيضا رفع الراية “لبوتين” لإنه إن فعل، فسوف يخسر كل إنجازاته وسيطرته على معظم دول قارات العالم.
إذا نحن أمام معضلة، فكل طرف ينتظر مبادرة من طرف خارجي غير موجود، روسيا طرف وأوكرانيا طرف وأمريكا مع أوروبا الى حد ما تشكل طرفا، وأمام عجز الأمم المتحدة لأنها بحد ذاتها تشكل افرازا سياسيا لهذه الأطراف الثلاث وغيرها، فلم يبق من الأطراف ذات النفوذ إلا الصين و/او إيران و/او اليابان وبدرجة اقل السعودية ومصر للعب دور الوسيط ، لكن الظروف لم تنضج بعد كي تجري عملية إنزال الأطراف المتورطة في هذه الحرب ” عن الشجرة”.
الى أن تنضج هذه الظروف …. ستستمر الحرب ويستمر القتل والدمار.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى