أخبارتعاليقرأي

حان وقت الرحيل ..!!

“حان وقت الرحيل ..!!
محمد سعد عبد اللطيف .مصر،،
قررت الرحيل في صمت ،
قد تضطرنا الظروف للإستسلام، والرحيل بصمت دون عودة، قد نتألم وننجرح ولكننا نوقن أن ما نقوم به هو الصواب، وأنه على الرغم من صعوبة الموقف إلا أن هذا سيزيدنا قوة وإستمرار. حين تكتشف أن المكان ليس مكانك، وأن الإحساس ليس إحساسك، وأن الأشياء حولك لم تعد تشبهك، وأن مُدن أحلامك ما عادت تتسع لك عندها لا تتردد وارحل بلا صوت.
الى مدن عشت فيها او مدن جديدة لا أعرفها،
وأدخل مقاهي ومطاعم ومطارات وموانئ لم أعرفها من قبل،
وأسكن في شقق صغيرة في حواري أو على البحر، دائما على البحر لكي أواجه الأبدية…،،
كم هو رائع أن تتمشى في شوارع لا يعرفك فيها أحد ولا تعرف أحداً، منسي وحر،
وأن تدخل في مغامرات محسوبة في أمكنة نظيفة،
عليك أن تنتهي من حروبك الكبيرة،
لا تفكر طويلاً بمصير النظام العالمي الجديد والفراعنة الجدد والحروب الأهلية ،
لا تشغل بالك كثيراً بتاريخ والجغرافيا والسياسة ، لا تبحث عن مذبحة بحر البقر في القرن الماضي،ذاكرة
الناس هكذا وستظل هكذا وانت لن تصلح التاريخ والجغرافية.
نحن عندما نكتب لا نكتب بحبر القلم، بل نكتب بدماء القلوب، فعذراً إن ظهرت بعض الجراح على السطور، سئمت واكتفيت من الكلام فأثرت الصمت ولغة العيون‬، ‫سأصمت، نعم سأصمت، وأدع الحبر يتكلم عني لأننا نتقن الصمت.‬ عندما نختارالرحيل بصمت هذا لايعني بالضرورة سذاجتنا أو أننا لا نعي ما يدور من حولنا، بل في ذلك إرضاء لرغبتنا،، في الماضي القريب ذاكرة الحنين لسنوات عشتها عبرت فيها حدود دول / بولندا واكرونيا.والمانيا وروسيا البيضاء والنمسا وسويسرا وايطاليا والدانمرك وقبرص واليونان . صادقت.رجال دين ، وزهاداً وصوفيين ولصوصاً صغاراً وتعرفت على قتلة ونصابين وعلى متسولين أنقياء في منزلة ملوك مخلوعين،
عشت مع القراصنة.ولعبة مع الكبار .. كضيف سعيد مرفه فوق حافة القطب الشمالي الجليدي علي بحر الشمال بين قطاع من الغزلان ، عشت مع الرعاة والفلاحين والعمال والصنايعة وتركوا فينا أثراً أكثر من كل الكتب وصداقة المثقفين الماكرين. لم تكن تجربتي
تجربة صالونات وحانات “بارات” ومقاهي وغرف دخان. في مقاهي برلين في منطقة هيرمن بلاتس..،
عليك اليوم أن تغلق الباب على التاريخ من أحفاد الفراعنة والبطالمة .والرومان والأمويين والعباسيين .والقرامطة والاخاشيد .والفاطميين .
والأيوبيين والمماليك والعثمانيين والفرنسيين والانجليز والملكية والجمهورية..
اترك كل هذا الي مزبلة التاريخ والي جهنم وتجول في شوارع ضيقة صغيرة لا تكفي إلا لمرور شخص واحد ، كما في جزر اليونان، لا تقرأ قصائد النثر العربية المزورة ،ولا تقرأ خطب زعماء العرب فكلها نحو وصرف وأدب
، لا يهم الوصول بل الأهم الرحلة التي ستعلمك الحكمة حتى لو هرمت في الطريق.لا مشكلة أن تلتقي بذكرياتك علي شاطيء النخيل في لارناكا في قبرص في أوائل التسعينيات من القرن المنصرم ..، ستشعر بالحنين للماضي وستجد في جزيرة قبرص اليونانية المنعزلة أصدقاء لك على حافة البحر في مدينة بافوس وليماسول ، في بيوت بيض مكسوة بالأزرق الهادئ وزبد البحر وطاولات خضراء حية من جذوع مبرعمة وكؤوس من طين. في ميناء ليماسول .ومراكب الصيد واشجار مثمرة في الشوارع .في اول تجربة في حياتي خارج الوطن ،،
عندما تجلس لوحدك وتتذكر من كان يونسك على قارعة الطريق، الآن بعد ان تقرر الرحيل هل سعيد التاريخ نفسة ،ام هي اضغاث أحلام ، هل سوف تجلس لوحدك مع ذكريات مضت تجلس بصمت متأمل ما حدث وما يمكن أن يحدث، لحظات لا نحبها ومن الصعب تجاهلها، إنها لحظات صعبة وذكريات مؤلمة جداً تسرق منا أجمل اللحظات، لحظات السعادة تمضي كلمح البصر وتنتهي كي تفسح مجال للحزن ليحتل قلوبنا، تمضي الأيام بنا ونسير مع الحياة ويمضي بنا قطار العمر ، تبتعد خطواتنا ونقترب من اللحظات الأخيرة الموت الذي نهرب منه . لقد قررت الرحيل..
الي عالم اخر تمشي فية
بقامة أطول من قامة الإسكندر الكبير التافه، أنت أقوى من فرعون، وليتك تظهر من الخارج كما أنت في الداخل
لا تشغل بالك بمن قال أو من سيقول ، ولا كيف خسرت هنا وربحت هناك،
لا يشغلك مصير العرب البدو . ولا أحلام الزنج، ولا معركة الجمل ومن حرض على من، ولا تندفع مع حملة المصاحف الجدد، كلهم زائلون يوماً كغبار على زجاج السيارات، لا تصدق حكايات بطولات العرب ، كل ما عليك أن تفعله أن تجهز حقيبتك، حقيبتك هي كل ما تملك، مع كتب قليلة ورسائل الموتى.
كما تعلمت كيف تعيش تعلم كيف تموت فوق أكثر الأمكنة حرارة ولهباً ونقاءً.
من العيب أن تذهب للموت بأعضاء سليمة هدية للدود غير محطمة ،
لا تحمل سلاحاً معك عدا جواز سفرك الذي يحمل إسمك مقلوباً،
وعندما تخرج من بابك للمرة الأخيرة لا تنظر للخلف من مدن من الأقزام حيث الكبير يأكل الصغير والغني يأكل الفقير ، لأن ذاكرة الغجري والطفل والمشرد والعربي في المنعطف القادم،
لا تودع أحداً عدا أشجار الكافور والجميز في قريتك ، قد تضطرنا الظروف للإستسلام، والرحيل بصمت دون عودة،يا دنيا أخبريهم أن لي قلباً ليس من حجر فقررت الرحيل.،
مجمد سعد عبد اللطيف كاتب مصري وباحث ومتخصص في علم الجغرافيا السياسية “”

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى