أحوال عربيةأخبار العالم

جنين… عنوان الشرق الاوسط الجديد

الدكتور خيام الزعبي- كاتب سياسي سوري

تتجه الأنظار اليوم الى بؤرة الصراع الملتهب في فلسطين والمذابح التي يرتكبها الكيان الصهيوني في مدينة جنين وذلك بدعم جوي من الطيران الحربي الذي استهدف بالصواريخ مخيم جنين و أطرافه، وتتوارى قضايا كثيرة أمام بشاعة ما يجرى هناك، فقد اعتادت إسرائيل على ارتكاب مجازر جماعية ومذابح ضد الأبرياء والأطفال العزل، حيث يتّخذ الإسرائيليون أشكالاً متعددة لتحقيق أهدافهم، فمن عمليات الاغتيال والتصفية الجسدية إلى المجازر والمذابح الجماعية التي باتت أوسمة تُعلّق على صدور القادة الإسرائيليين وجنوده، في حين أن هذه القضايا لا تقل أهمية ما يرتبط بها من دلالات خاصة بالأمن العربي ومستقبل خريطة المنطقة ككل.

لا تزال مدينة جنين تعيش حرباً بعد أخرى، لتكون أشبه بحقل تجارب لإسرائيل، ما يحصل الآن من مجازر دموية إسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، ما هو إلا مؤامرة هدفها كسر يد المقاومة الفلسطينية، وإبادة الشعب الفلسطيني، وبمباركة الصمت العربي المخيف الذي نراه حالياً، حيث وصل الوضع إلى قمة الخزي والعار، وتجرد من كل معاني القيم والمبادئ، فالذي يحدث في جنين، ليس حلقة من حلقات الصراع مع الاحتلال فحسب، لكنه أيضاً معركة فاصلة بين مسار المقاومة ومسار التسوية والاستسلام، فبعد عدة سنوات راهن فيها الكثير على سقوط محور المقاومة، أو حتى محاولة إضعافه، ثبت أن مكونات هذا المحور خرجت أقوى مما كانت عليه، وبامتحان فلسطين الآن نجحوا في البرهنة -كالعادة- أن فلسطين هي قلب وقبلة المقاومة.

ما يجري في جنين، لا يمكن عزله عن الأحداث التي تعيشها سورية، فالحرب واحدة وممتدّة ومتصلة، ومن أجل قضية فلسطين إندلعت حرب سورية لاستنزاف الجيش السوري، وكذلك حزب الله وإيران، واليوم يراد لها أيضاً أن تستنزف جنين وغزة، لكن الأمور جرت عكس ما خططوا له، وما حصل أن المقاومة صنعت قاعدة إسناد إقليمية مؤثرة عبر دعم الحركات المناهضة للاحتلال الإسرائيلي.

في إطار ذلك إن المنطقة يعاد تشكيلها على ضوء الحرب الكبيرة التي تشنها إسرائيل على مدينة جنين، ومواجهة المقاومة الفلسطينية لها، و محور المقاومة يستجمع قواه ويعيد تشكيل المنطقة من جديد بعدما حاولت أميركا وحلفاؤها ملء فراغ تركته الأحداث التي جرت منذ سنوات، لذلك فإن المقاومة تعبّر الآن عن آمال وتطلعات الشعوب التي وجهتها نحو فلسطين وهي نفسها التي تتوق إلى نيل الحرية والاستقلال، وبالتالي فإن سقوط المقاومة في جنين وغزة يعني دخول المنطقة برمتها في الزمن الإسرائيلي.

والسؤال الذي يفرض نفسه هنا بقوة، هل هذه الحرب قادرة على إعادة تجميع قوى الممانعة في المنطقة؟ لا سيما أن محور المقاومة والممانعة هو كل لا يتجزأ، على المستوى الاستراتيجي، برغم كل الفروق التي قد تظهر خارج ميدان الصراع مع الاحتلال، وعليه يبدو واضحاً انه حتى لو قرر أحد أطراف هذا المحور أن يبتعد عن الآخرين، كما فعلت حركة حماس عند نشوب الأزمة السورية، فأن إسرائيل لا تميز بين أعدائها ولا تفصل بين هذا وذاك، بل هي تعتبر أن سورية وإيران وحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي وغيرها تمثل في نهاية المطاف وجوهاً عدة لخطر واحد، وبالتالي فإن كل معركة تخوضها إحدى هذه الجهات لا بد من أن تنعكس بشكل تلقائي على الأضلاع الأخرى للمحور، لذلك فإن دول المقاومة تنحّي الخلافات السياسية جانباً أمام القضية الفلسطينية لأن هناك حالة فرز في العالم وإعادة تشكيل دائمة لكل القوى، وفي الحالة الفلسطينية يجري التصنيف وفق الأطراف الداعمة للقضية ومن هم ضدها، فالحرب الجارية ستخلق تحولات جديدة، وستعمل على إعادة تموضع كل القوى، ومن المؤكد ستجمع فلسطين القوى الحليفة معها مهما كان حجم الاختلاف على القضايا الإقليمية،

وعلى الطرف الأخر، إن إسرائيل متخوفة أكثر من أي وقت مضى على ضوء إخفاقها في تحقيق إنجازات كبيرة في مجال صدّ صواريخ المقاومة التي تضرب العمق الإسرائيلي، وبالتالي فإن المواجهة الصلبة في جنين ستكون لها تبعات كبيرة على الصعيد المحلي و الإقليمي والدولي.

كل المراقبين في الشرق والغرب يعترفون ويقرون بانتصار المقاومة الفلسطينية على العدو الإسرائيلي الجبان الذي لم ينجح سوى في قتل المدنيين والأطفال في جنين وغزة و..و..، وفي نهاية المطاف لن نغفر ولن ننسى أبداً، لن نغفر جريمة واحدة، ولن ننسى أحداً من شهدائنا في فلسطين الجريحة المقاومة، لن نغفر جرائم قانا، وصابرا وشاتيلا، ودير ياسين، ولن نغفر للنازية الجديدة ما سفكته من دماء الفلسطينيين في جنين، وفي الضفة، وغزة، ونابلس، وحيفا، لن ننسى أن إسرائيل هي الدولة المزعومة الوحيدة في العالم التي لا تعلن عن حدودها، لأن حدودها مفتوحة بقدر أطماعها، ولن ننسى أن إسرائيل هي القاعدة العسكرية التي شاركت في ضرب العراق ونهب تراثه ومتاحفه، وشاركت في تقسيم السودان، وضربت لبنان، واحتلت ومازالت أراضي فلسطين، والجولان، ومساحات من جنوب لبنان، لذلك لا بد أن نستمر في طريق النضال والكفاح، والدفاع عن المصالح العليا للشعب الفلسطيني، من خلال مغادرة مسار المفاوضات العبثية.

مجملاً…إنها معالم المعركة الكبرى التي سيكون للكيان الصهيوني النصيب الأكبر من نتائجها، إنها ملامح رسم شرق أوسط جديد يصنعه مقاومو جنين وغزة ولبنان ومعهم جنود الجيش العربي السوري في الميدان، إنها معركة الإرادة الواحدة والجبهة الواحدة في مواجهة عدو واحد وهجمة موحّدة.

وأخيراً ربما أستطيع القول، إن الشرق الأوسط الجديد هو الشرق الأوسط المقاوم الذي تسطر فيه حركات المقاومة أروع الدروس في الصمود والعزة والشرف، وهنا لم يعد بمقدور دول العالم تجاهل قوى المقاومة فيه وباتت مجبرة على الاعتراف بهذه القوى والتعامل معها لكي لا تبقى خارج اللعبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى