تعاليقرأي

بكاء أم استغباء؟

رشيد مصباح (فوزي)

**

الكاتب الكندي ذو الأصول اليهودية كشف في مؤلّفه ”موساد“ بعض الأسرار من التي لها علاقة بتكوين الأعوان والعملاء السرّيّين خلال فترة الجندية التي أمضاها في حيفا… ومن بين الأشياء التي ذكرها في كتابه هذا هو كيف استطاعت إسرائيل زرع رقاقة تعقّب و تنصّت في طاولة تم إهداؤها للرئيس الراحل (صدّام حسين)من خلال الملحق العسكري العراقي في سفارة العراق بباريس، ومن ثمّ الوصول إلى المفاعل النووي العراقي وتدميره في سنة 1981.

كذلك من بين الأشياء التي بقيت عالقة في ذهني منذ قراءتي لهذا الكتاب المدعّم بالحقائق والأحداث، جملة سخر من خلالها هذا الكاتب بالحالة الذهنية للعرب، حيث كتب و بالحروف اللاتينيّة يقول:

”انتم العرب تقولون على باب الله“.

هل نحن ضحايا بمعنى ”مفعول بنا“؟

أكيد.

نحن ضحايا استبداد ”مزمن“؛ سياسيٍّ، وفكريٍّ، ودينيٍّ، مورس علينا لفترة لا بأس بها من الزمن الطويل. وحتى إنّه لم يعد من السهل استئصاله والتخلّص منه.

استبداد سياسي؛ لأنظمة بوجه قبيح وأقنعة مزخرفة ومزركشة. لتبدو جميلة في نظر الآخرين.

استبداد فكري؛ وقد أشار إلى ذلك العلاّمة (ابن خلدون) من خلال فكرة ”ولوع الغالب بالمغلوب“. ولخّصه الفيلسوف الجزائري (مالك بن نبي) في جملة واحدة هي: ”القابلية للاستعمار“. وكلاهما يؤكّد ما لا يدعو للشك من أن هناك بالفعل استبداد فكري.

وأمّا الاستبداد الديني؛ فهو الدّعامة الأساسيّة التي يرسو عليها الاستبداد السياسيّ وحتى الفكريّ. ولأن الدِّين يعني العِصمة؛ حتى لا نقول ”أفيون الشعوب“ كما قال الفيلسوف الملحد قديما. لأنه ربما يقصد به النّسخة التي تم تحريفها وتوظيفها لخدمة أغراض السلطان على حساب الرعيّة.

والعِصْمة في اللّغة هي الحفظ والوقاية؛ إذ العِصْمة معناها: المنْع، في كلام العرب. والعاصِم: الحامي المانِع. ويذكّرنا هذان المعنيان بالمقولة الشهيرة: ”حاميها حراميها“.

وانظر إلى هؤلاء المشايخ الذين استأمنهم الناس على دينهم كيف ينافقون ويخدعون، ويخادعون، ويتملّقون الأنظمة والحكّام.

لكل شيء ثمن، وثمن الحريّة باهض قد لا يقدر عليه بعض الأفراد؛ فمن ذا الذي يستطيع التضحية بمستقبله ومستقبل أبنائه؟

يتظاهر بعض أصحاب العمائم في هذه الأيّام الأخيرة بالبكاء على غزّة وأطفالها!؟

عجيب أمركم يا هؤلاء!

ما دمتم غير قادرين على رفع راية التحدّي ودعوة النّاس إلى الجهاد فلمَ هذا البكاء ”على الأطلال“؟!

بل هي أدوار تقومون بها وتمثيل وتدجيل؛ بغرض التدجين. تدجين الشعوب مسالِـمة ”متأسلمة“، بكت كثيرا لخسارة مباراة في كرة القدم حتى ابتلّت أقمصة اللّـاعبين. ولم تذرف دمعة واحدة على أطفال غزّة وهم بلا ملجأ ولا مأوى، يتوسّدون الأرض ويتلحّفون السّماء في هذا الشتاء. وهم أشلاء مقطّعة ومتناثرة هنا وهناك.

أليس من أجل ”الابتزاز الديني“ ثارت الشعوب في أوروبا؟

ثمّ تحرّرت هذه الشعوب من الخرافة والهرطقة والدجل؟

وها نحن اليوم نعيش تحت رحمة هذه الشعوب الغربية المتفوّقة علينا في كل شيء.

حتى لا تخرج الأمور عن السيطرة، فإن الأنظمة في البلدان العربية وغيرها تحرص على إبقاء المساجد تحت سيطرتها. ويكون الدِّين بذلك وسيلة لممارسة الاستبداد بطريقة ناعمة.

لذلك يتم إبعاد الشريعة وتجميد أحكامها؛ بدواعي عدم ملاءمته وانسجامها مع الواقع. ولأن الواقع شيء وما تنصّ عليه الشريعة شيء آخر. ويتم اختزال الدّين في طقوس تؤدّى آليّا؛ ويغدو الدين الاسلاميّ كغيره من الدِّيانات القديمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى