رأي

بالمحبّة الصّادقة تهون الصّعاب

رشيد مصباح(فوزي)

…..

أخيرا عاد الجهاز ليعمل من جديد، بعد توقّف دام نحو أربعة شهور. ولأن المصائب لا تأتي فرادى، فقد تعرّض بريدي الالكتروني للقرصنة هو الآخر، لكن والحمد لله الهاتف الذي اشتراه لي ابني لم يتأذّى ممّا سمح لي بفتح حساب جديد؛ فقد لازمني النّحس سنوات، منذ رجوعي إلى طريق الصّواب. حتى وإن كنتُ لا أؤمن كثيرا بمثل هذه الخزعبلات. لأنّي أرى فيها مدعاة للتشاؤم، بغرض الهروب من الحق والمسئولية.

وبينما أنا بصدد تصفّح بعض المواقع الافتراضية، علّني أعثر على بعض الحلول للمعاضل التي أنا فيها، استوقفتني بعض الصّور لأصْدقاء جمعتني بهم الدراسة أيام الثّانوية، زمن “البراءة” والماضي الجميل. أيام تقاسمنا فيها الحلو والمر معا؛ صداقة بريئة من الخبث والنّفاق.

بفضل تلك الأخوّة والمحبّة الصّادقة التي كانت تجمعنا استطعنا أن نتجاوز كل المحن والصّعاب التي كانت تعترضنا ونحن تلاميذ في الثّانوي؛ نعاني من مشكلة التنقّل اليومي من وإلى الثانوية التي توجد على بعد أميال من المقر. نحاول الاستيقاظ باكرا، قبل حتى طلوع الفجر، للّحاق بحافلة البلدية المهترئة. وقد دفعنا ذلك إلى الاحتيال على أصحاب السيارات الذين يتكبّدون مشقّة ايصالنا إلى الباب ثم بمجرّد توقّفهم نفرّ كأسراب الطّيور في كل الاتّجاهات، فيصعب عليهم الإمساك بنا. وقد دفعنا ذلك أيضا إلى العودة إلى الديّار في ساعات متأخّرة من اللّيل، مشيا على الأقدام.

نعاني يوميا من مشكلة الأكل. وقد دفعنا ذلك إلى التحايل على أصحاب بعض المطاعم و المحلاّت التي تبيع السندوشات؛ وقد وجدنا ملاذنا في حانوت العم (علي)رجل طيّب القلب، الذي كنّا نعتاده في كل ظهيرة تقريبا لتناول سندويش بالبيض مع كازوزة صغيرة. كما لا يمكن نسيان العم(موسى) صاحب الابتسامة الجميلة والعريضة، والمطعم المتواضع الذي كنا نزوره مرّة على مرّة لتناول طبق اللّوبيا “ساك” من دون لحم، نظرا لسعره الزّهيد.

لم يكن لدينا ما يكفي من النّقود يومها. ولم نشعر بذلك رغم كل المعاناة. لأنّنا كنّا متعاضدين ومتآزرين. وبشيء من الإحسان والإيثار تغلّبنا على الظّروف في تلك الأيّام الصّعبة، التي أثبتت مدى تجنّينا على أنفسنا وعلى أهالينا حين قرّرنا الفرار من النّظام الدّاخلي وما له من فوائد عظيمة النّفع علينا وعلى أهالينا، فغدونا أحرارا. لكنّها حريّة تسكّع ومجون، وتضييع للأوقات الثّمينة.

كان ذلك في السّنة الثانية من العام الدّراسي: (1980/1979).

ضائعٌ بين أقرانه

-الجزء الثّاني-

(20)

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى