رأي

الوفاء والغدر ..قصة وفاء نادر وزوج غادر أنا شاهدها :

حامد كعيد الجبوري

قصة حقيقية وليس فلما هنديا :
ايام صيف ٢٠٠٢م وكهرباء التقنين لا تستمر اكثر من ساعة متقطعة طُرقت باب داري، فتحت باب الدار لأجد أمامي رجلا ستيني يميل لونه للسواد وليس للسمرة، يعتمر العقال والكوفيه البيضاء، ويرتدي جلبابا ابيضا، ويحمل بيده حقيبة سفر صغيرة، وبعد السلام عرفت انه قادم بالقطار الذي يصل الساعة الرابعة لمحطة قطار بابل قادما من البصرة، قال انه يبغي الوصول لصديقيه (فلان وفلان) وهما صديقاي أيضا ، وحسنُ الصدف له أن أحد المسافرين القادمين من البصرة ارشده لبيتي وقال انا اعرفهما، ولا أعلم أين يسكنان في الحلة، واعرف (حامد) متزوج من اخت صديقك فلان، قلت له بإذن الله وصلت، فتحت له غرفة الاستقبال، وبعد أن تحمم من سفره من هذا الصيف القائظ، وقاربت الساعة السابعة توجهت به لمكتب صديقه وصديقي في شارع الإمام علي المكتظ بالعمارات والشقق السكنية، وعيادات الأطباء، ومكاتب المحامين، القينا التحية على صاحب المكتب فنهض واحتضن صديقه البصري، حوالي الساعة الثامنة قَدم خال أولادي ومباشرة تصافحا وقبّل أحدهما الآخر.
بعد الساعة التاسعة ينتهي صاحب مكتب المحاماة من الاستماع لمراجعيه والاتفاق معهم لإنجاز ما يطلبون .
خلا المكتب إلا من الضيف البصري وصديقاي وانا، ومن خلال الحديث علمت ان البصري كان يعمل في بابل ستينيات وبداية سبعينات القرن الماضي، وعمله سائق شفل، ويحمل الشهادة المتوسطة، ويحسن كتابة الشعر الشعبي، وله علاقات وطيدة مع رموزه، عريان السيد خلف، ناظم السماوي، كاظم اسماعيل الكاطع، ووو، وعرفت أيضا ان البصري كان منتميا لأحد الاحزاب الوطنية آنذاك، وعلمت ومن خلال حديثه انه احب فتاة من قضاء ….. ، وعلمتُ ان اخ حبيبته كان معه بنفس الحلقة التنظيمية، وعرفت انه وبعد إلحاح كبير وافق والد حبيبته واخاها ان يقترن بها، وتم الزواج، وعلمت منه اختلافه معها وعودتها لبيت أهلها، وهو الآن يطلب من صديقيه التدخل ليعيد زوجته، شخصيا وحينها كنت من المناصرين لتعود إليه، واتفقنا انا وخال أولادي والرجل البصري الذهاب لقضاء …… صبيحة اليوم التالي.
صباح اليوم التالي رن هاتف الدار وكان على الطرف الآخر خال أولادي وهو يعتذر عن الذهاب راجيا مني إنجاز ما وعدنا به الضيف البصري، قلت للبصري الذي قضى ليلته ضيفا عندي لا عليك نتناول فطورنا ونتوكل على الله.
ونحن متوجهان لقضاء…. سألت البصري أين يقع مسكن اهل زوجتك؟ قال لا أعرف اسم المنطقة، قلت اتحسن ارشادي للوصول لبيت أهلها؟ قال ربما لا احسن ، قلت له رقم هاتفهم الأرضي؟ قال لا أعلم لديهم هاتف ام لا، قلت كيف سنصل لهم إذن، قال انا فقط اعرف اسمها الكامل وكذلك اسم أخيها، قلت له مهمتنا ليست بالسهولة التي تتصور، ثم القضاء الذي سنذهب اليه يشطره الفرات لنصفين، والقضاء تطور عمرانيا بشكل ملحوظ، فأين نجد بيت اهل زوجتك؟، واردفت قائلا انت ومنذ زواجك منها لم تزر أهلها، قال لا، قلت منذ اختلفتما وغادرت بيتك لأهلها لم تتواصل معها او مع أخيها؟ قال لا قلت منذ متى وهي عند اهلها؟ قال من مدة، كل اعتقادي ان الزوجة تسكن معه في البصرة، واختلفا كأي زوجين وعادت لأهلها وهو يروم الصلح معها والعودة بها لبيتهم .
لي قريبة تسكن القضاء، وزوج قريبتنا البعيدة بالقربى متزوجة من حلاق ، والحلاق متوفي وله ولدان يعملان بنفس مهنة والدهم، وصالة حلاقتهم موقعها مدخل السوق الرئيسي للقضاء، وكان تفكيري سليم جدا بسبب ان الحلاقين ولكثرة زبائنهم يعرفون اغلب رجال وشباب القضاء بحكم عملهم، ركنتُ سيارتي المرسيدس موديل ١٩٧٩ قرب صالون الحلاقة، استقبلني والضيف البصري ولدا قريبتنا أجمل استقبال، وفورا سألت الولد الأكبر عن بيت والد زوجة البصري الضيف، وبعد استفسار من الحلاق للبصري قال ان زوجته المقصودة بيتها لصق بيت والده، سبحان الله ما هذه المفاجأة المفرحة، الغريب ان الشاب الحلاق قال انا على يقين ان زوج جارتنا قد توفي من زمان، بين سؤال وجواب، وتفكير من البصري وانا والشاب الحلاق اتفقنا ان يذهب الشاب الحلاق لبيت اهل الزوجة لتقصي حقيقة الأمر رغم معارضة البصري لهذا الاقتراح الذي طلب مرافقته لبيتها ، وفعلا غادرنا الشاب الحلاق لبيت اهل الزوجة وبقينا ننتظر عودته على أحر من الجمر.
لم تمضِ اكثر من ٢٠ دقيقة عاد الشاب مكفهر الوجه مرتعدا من صدمة ما لاقاه، قال للبصري نعم هي زوجتك المقصودة ولكنها ترفض ان تلتقي بك، بل تقول لها موقف معك أمام الله جلت عظمته، سألت الحلاق ما تقول؟ ولماذا ترفض اللقاء بزوجها؟ قال لي اسمع خالي ما أقوله لك نقلا عنها، قلت تفضل استمع، قال انها قبلت الزواج منه ولم تلتفت لشهادته او عمله سائق شفل وحتى لونه ، ولم تنظر للفارق الاجتماعي والمالي بينهما، وهي تعمل بسلك التعليم الابتدائي، وبعد العقد الشرعي بالمحكمة الشرعية، وتهيئة متطلبات الزواج من أثاث واستئجار بيت تزوج البصري منها واستوطن القضاء الذي تسكنه زوجته ، بعد أقل من شهر
قال لها زوجها أنه يرغب بزيارة اهله في البصرة، ولن يتأخر هناك اكثر من اسبوع، وفعلا سافر لزيارة والده ووالدته في قضاء الزبير ولم يعد منذ ذلك التاريخ إلا اليوم، عاد بعد أكثر من ٣٠ سنة، لم استوعب حديث الحلاق جار الزوجة، بقيت انظر للبصري وللحلاق مرة ومرة اطرق للأرض ، قلت للبصري هل ما سمعته صحيح؟ ، قال نعم ولكن ليس ٣٠ سنة، ربما ٥ او ٦ سنوات، قلت ولماذا لم تعد لها حتى وان كانت ٦ سنوات كما تقول؟ سارع الحلاق مجيبا وقال لي ( خالي) كان الزواج بداية السبعينات ونحن الان ٢٠٠٢، لم أجد اي جواب او سؤال لذلك البصري، وسمعته يقول للحلاق اذهب وقل لها أن زوجك يرغب بالحديث معك؟ أجاب الحلاق للبصري ان الزوجة ترفض رؤيتك، بل تخشى ان يعتدي عليك أحد أبناء أخيها الذي انتقل لرحمة الله وهم على علم بما جنيته معها، وربما يتهور أحدهم ويقتلك ، قلت له هيا نعود للحلة وأريد أن تحدثني بتفصيل ذلك ونحن بطريق العودة.
علمت انه حين عاد للبصرة والتقى بوالديه الذي كان يزورهما بين وقت وآخر قبل زواجه، وكان يعطيهما بعضا من مال يكسبه من عمله سائق شفل بقضاء….، وبتلك الفترة احتاجت شركة نفط الجنوب سواق شفلات وقدم البصري أوراقه للتعيين وفعلا استلم عمله، نسي انه متزوج من معلمة وتركها دون حتى رسالة او تواصل يذكر، بعد سنة أو سنتين تزوج من ابنة عمه البصرية من قضاء الزبير، مضى على عمله مع شركة النفط الوطنية اكثر من ثلاثين سنة، وأصيب بداء الربو واحيل للتقاعد.
ايام الحصار المفروض على العراق تسعينيات القرن الماضي، وتراجع قيمة الدينار العراقي، ولم يعد راتبه يكفي لطلبات زوجته وأولاده وبيته ، بدأ الخلاف يدب بينهما، وبدأت الزوجة والأولاد يطالبونه بأن يكون مثل قريبه الشاعر الذي اسرف بمدح الطاغية المقبور صدام حسين ونال الكثير من المال ، تقول له زوجته انت من علّم الشاعر المدّاح كتابة الشعر فلماذا لا تكتب مثله للقائد لننعم كما ينعم ذلك الشاعر بما يغدقه عليه المقبور الطاغية، تعمق الخلاف بينه وبين زوجه وولده فطردوه خارج البيت.
تذكر البصري الغادر الخائن أن له زوجة تركها من أكثر من ٣٠ سنة، ولا يعرف هل أنجبت له طفلا من تلك الأيام القليلة التي عاشرها كزوجة؟ ، وحدثته نفسه اللئيمة العودة لزوجته التي هجرها ولم يطلقها، وتركها أرض موقوفة، لا زوجة ولا مطلقة، أو ربما يأتي لها نصيب فتتزوج ، وحدثته نفسه المريضة أيضا ربما زوجته المهجورة ستحتضنه مجددا ويقضي معها سنوات عمره الأخيرة.
وصلنا لبيتي في الحلة وانا مندهش من هذه القصة الحزينة الغادرة، قلت للبصري تناول طعام الغداء وخذ حقيبتك ولا أرغب ببقائك عندي، كأن حديثي لم يصل له، قدمت له طعام الغداء واخذ حقيبته وقال لي حبذا لو توصلني موقف سيارات بغداد، اوصلته لموقف سيارات بغداد وغادر للعاصمة.
بعد احتلال العراق من قبل القوات الأمريكية سمعت انه توفي في احد الفنادق العامة في بغداد منطقة باب الشرقي .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى