ثقافة

-الورقة الخضراء- قراءة في رواية عاصفة

احمد جمعة
روائي

الهروب للرواية يخلصك من بدائية العالم ويفسر طعم الهدوء بمذاق نهارك الذي تشرق شمسه بكلمات مألوفة مثل صباح الخير وكيف حالك؟ وأين تسهر الليلة ثم تمضي يومك بتعاسة لأنك لم تقرأ رواية لتفهم ما هي الحياة وليس كيف تسير الحياة؟ إن لون الشمس بعد يوم ممطر هو البرتقالي ولكن بذهنك المدرب بالتبعية سترى لونها أخضرًا كورقة خضراء، رواية الصديق يوسف حسين…
الورقة الخضراء، شدتني منذ البداية تحولت، حتى أنني تخيلتها الورقة الحمراء، ميلودراما عاصفة، قرأتها وعند الورقة الأخيرة أثارت فيّ سؤال شرس بودي لو يجيبني عليه صديقي العزيز يوسف، كل هذه التقنية والفذلكة بأدوات الرواية، وإمتلاك قدرة فائقة على السرد البديع وكل هذه الزخارف البنيوية في هيكل الرواية، تنم عن مهندس متميز في السرد، قوة بناء ونظام صياغة متقن في اختيار الزوايا والثنايا داخل الرواية، كل هذا التمكن جعلني أقف أمام حكم: استوفت الرواية تقنيتها كاملة بدءًا من إعلان داليا عم فكرتها الخضار بالمؤتمر الصحفي، مرورًا بعلاقتها المثيرة للريبة والشكوك مع ليلي، وهذا ما يومئ به الكاتب، ثم رحلة الشك عند ليلي بعلاقة كمال مع داليا، ويأتي السفر المريب لبتسوانا والمغامرة في الأدغال ثم التحول والتقمص السحري على طريقة غابرييل غارسيا ماركيز، وهذا شارع بالرواية العالمية اليوم تحت مسمى الرواية السحرية! وسلسلة الأحداث الدامية بين كمال وعمر وصوفيا ثم اغتيال كمال بظرف غامض سرعان ما تتكشف تعقيداته إلى منحنى آخر يأخذ إليه الكاتب في علاقة ليلي بخالها الشيخ مراد، إلى أن تتزاحم وتتكثف الأحداث بإيقاع سريع وتقني ينم عن صنعة روائية متقنة أبدي اعجابي بها، خاصة البناء الدرامي والتقطيع السريع الأشبه بالمونتاج السينمائي، السرد مع قطع الأنفاس فيما يشبه فيلم أكشن حتى الورقة الدموية الأخيرة التي تنفجر الكرة الأرضية بالجميع مع تدخل المباحث وقوى الأمن وأزيز الرصاص مع النهاية الفاجعة لعمر والغياب الغامض لداليا ثم ظهورها السحر بالأدغال، وعلاقتها مع توماس ثم أخيرًا داليا الصغيرة التي أصر الكاتب على أنها تشبه داليا الساحرة:
صديقي الغالي يوسف: أصارحك بكل نفس من صداقتنا ومحبة ورغبة برؤيتك نجم في ساحة الرواية بمصر:
1- تقنيًا أنت مهندس بارع في السرد الروائي.
2- تملك كل أدوات وأسرار السرد الروائي التي يملكها الكبار والعالميين.
3- بناء محكم وتوليفة منذ الورقة الأولى حتى الأخيرة مسبوك بحنكة درامية.
ملاحظاتي:
1- داليا، ليلى، كمال، عمر، توماس، الحاجة فاطمة، باستثناء الشيخ مراد، كانت شخصيته مرسومة بدقة، بقية الشخصيات لم ترسم بحرفية لترسخ في ذهن القارئ كما لو يعايشها، وأعنى تحديدًا بناء تضاريس ظاهرية ومشاعر داخلية، لتصنع شخصية أشبه بالحقيقية، لقد مررت عليهم بسرعة وكأنك فقط تريد خلق شخصية لداليا وشخصية لكمال أو ليلى ثم تمضي في سرد الأحداث، أتمنى بالمرة القادمة التوقف عند كل شخصية ونقشها كما لو تزخرف لوحة بأدق التفاصيل لتكون عالقة بذهن القارئ منذ الصفحات الأولى، فأنا لم أشعر بداليا أو ليلي إلا كرسم وكان بالإمكان نحتهما كما يفعل الفنان التشكيلي.
2- موضوع الرواية رغم جسارته وقوته لكن أتمنى بالرواية القادمة تركز على الجانب والمضمون الإنساني والاجتماعي وهذه سبب من أسباب نجاح الروائيين. تخيلت الورقة الخضراء وأنا أقرأها أنني أشاهد فيلم أكشن مشوق ومبني بدقة ويقطع الأنفاس، إنه أشبه بسيناريو فيلم حرفي متميز.
صديقي العزيز: هذا لا ينقص ولا يقلل من كون الرواية مصنوعة بحرفية وتميز ولكن هذه ملاحظات تفصيلية كثيرًا ما أوجهها لنفسي أنا شخصيًا مع كل رواية أكتبها ولم أقدمها لك بصدق وصراحة إلا باعتبارك صديق وفيّ أصارحه بما أصارح نفسي
وأعذرني إن قصرت معك صديقي الغالي يوسف.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى