المنطقة العربية في ظل الصراعات والتواطؤات الاقليمية والدولية ….!!!!
زياد عبد الفتاح الاسدي
من المفارقات العجيبة والمُحزنة في عالمنا العربي الراهن هو انعقاد ما أطلق عليه كاس العرب أو مونديال قطر في ظل ما ينطوي عليه المشهد العربي المُفجع سواء في المشرق العربي أو في مغربه من سخرية مُحزنة ومأساوية على كافة المستويات .. فيما شاهدنا حجم الانفاق الهائل من المشيخة القطرية على هذا المونديال الاسطوري والذي تجاوز مئات المليارات من الدولارات .. وهذا يُذكرنا أيضاً ما أنفقته هذه المشيخة الخليجية ولم تزل تنفقه بسخاء هائل أيضاً على تمويل وتسليح عشرات الالوف من الجماعات الاخوانية والتكفيرية الاجرامية لتدمير سوريا منذ ربيع عام 2011 بالاشتراك مع النظام التركي الاجرامي وحتى مع السعودية بمرحلة من المراحل ,وذلك بتوجيه ودعم غربي لتخريب وتدمير مجمل المنطقة العربية وفي مقدمتها سوريا باعتبارها دولة المواجهة الوحيدة مع العدو الصهيوني ويحكمها نظام وطني علماني مُتحالف مع الاحزاب والقوى الوطنية والتقدمية وداعم أساسي حينها للمقاومة الفلسطينية واللبنانية .. وللتذكير فقد تم استهداف سوريا منذ عام 2011 بتدمير جميع مدنها وأريافها ومعظم بنيتها التحتية وقتل مئات الالوف من أبنائها وأطفالها ونهب ثرواتها النفطية ومحاصيلها الزراعية وسرقة معاملها الصناعية الفريدة من نوعها على صعيد المنطقة , مع فرض جميع اشكال الحصار والعقوبات الاقتصادية عليها .. هذا عدا عن تشريد الملايين من سكانها الى أوروبا ودول الجوار , وذلك في اخطر عملية تهجير مأساوية في البر والبحر شهدها التاريخ الانساني من حيث الكثافة والتعرض لكل اشكال المخاطر والنصب والاحتيال والقتل أو الموت غرقاً في مياه البحر الابيض المتوسط .
وفي عرض سريع وفهم واقعي لما يجري في المنطقة وما تتعرض له الشعوب العربية والمشرقية من مؤامرات غربية وتركية وخليجية وتواطؤ وتخاذل من بعض القوى الدولية والاقليمية , و بعيداً عن ما يُروجه الاعلام العربي والاقليمي من شعارات وطنية مُزيفة وأكاذيب وتحريف ونفاق يُمكننا إيراد الملاحظات الهامة التالية :
أولاً : مخطئ من يعتقد من بعض المثقفين والوطنيين والتقدميين العرب أن تعدد القوى أو الاقطاب سواء على الصعيد الاقليمي أو الدولي هو في مصلحة الشعوب العربية وقضاياها الوطنية أو حتى في مصلحة دول العالم الثالث … فتعدد الاقطاب ليس حكماً في مصلحة الشعوب وقد يكون حتى أسوأ من سيطرة القطب الواحد .. لانه كلما كثرت القوى الاقليمية والدولية في المنطقة العربية في صراعها للسعي لتحقيق مصالحها المتعددة من نفوذ وقواعد ومنافع اقتصادية في إطار التحالفات وصراع المحاور أو حتى التواطؤات وغير ها من الاساليب , كلما ساءت الامور على شعوب المنطقة .. وهذا ما شاهدناه في الماضي ولم نزل نشاهده ولا سيما خلال العقد الاخير وتحديداً منذ الدخول الاجرامي التركي على المنطقة والذي تلاه بعد سنوات دخول القطب الروسي و” والحليف ” الاقليمي الايراني .. حيث إزداد تدهور الاوضاع السياسية والاقتصادية والمعيشية الى درجة خطيرة عما كانت عليه سابقاً من سوء وتراجع .. لانه بكل بساطة كلما كثر من يُحاولون إقتسام كعكة المصالح والنفوذ والهيمنة والمكاسب الاقتصادية في المنطقة في إطار صراع المحاور والمصالح كلما كان ذلك أكثر ضرراً على شعوب المنطقة من الضرر الذي يسببه عدد أقل من القوى أو حتى من وجود قطب واحد مهما كان حجم الضرر الذي يُسببه هذا القطب .. فهذه معادلة تناسبية , أي كلما كان عدد الاقطاب والمحاور المتنافسة أقل , سيكون الضرر بالتالي أقل والعكس صحيح … وبتشبيه آخر أيضاً وإن كان مُختلف (فقط على سبيل المثال) .. كلما ازداد عدد المافيات التي تنشط في مدينة أو منطقة مُعينة كلما كان الامر أسوأ على هذه المدينة والمنطقة من وجود مافيا وحيدة أو عدد أقل من المافيات التي تتقاسم الصراع والنفوذ والمكاسب .
ثانياً : إضافة لما سبق , أصبحت الامور في المنطقة العربية يوماً بعد يوم أكثر وضوحاً , من حيث استمرار التدهور والاوضاع المُزرية نحو الاسوأ دون أي تغيير … فالمنطقة العربية بمجملها وفي مقدمتها سوريا ولبنان والعراق واليمن والسودان وليبيا …الخ , لا تزال منذ انتفاضات الربيع العربي تخضع لصراعات وأزمات مُتواصلة لا نهاية لها من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي والامني دون ظهور أي بوادر أو أمل لأي تغيير أو حلول ولا حتى في الافق المنظور أو البعيد ( ربما باستثناء تونس والسودان ) , فيما لا تزال الامور تزداد سوءاًً يوماً بعد يوم .. فشعوب معظم الدول العربية تتعرض من قبل أنظمتها ليس فقط للفساد المالي والاقتصادي والاداري , كما تتعرض أيضاً من قبل التحالف الغربي والصهيوني والخليجي والتركي والرجعي العربي للحصار والتدمير وإلافقار والتجويع , وذلك بهدف إركاع شعوب المنظقة ودفعها الى الفقر والبؤس والجوع واللجوء والتشرد , أو الاستسلام والموت وهم أحياء …… هذا من جهة ومن جهة أخرى يزداد أيضاً للاسف تواطؤ وتخاذل وانكشاف واضح للقوى الدولية والانظمة الاقليمية التي تنشط في المنظقة كروسيا وإيران , ولا سيما في سوريا مع تزايد الاعتداءات الصهيونية على الاراضي السورية والمواقع العسكرية الايرانية .. فيما يتواصل التجاهل الروسي لهذه الاعتداءات الصهيونية دون أي إعتراض .. ونرى بالمُقابل ( وهو الاسوأ ) التجاهل والتقاعس الايراني في الرد على هذه الاعتداءات وهي التي تدعي بأنها تقود محور المُقاومة ضد الاحتلال الصهيوني … ولكن للاسف لا يزال البعض يعتبر هذه الدول حليف استراتيجي لسوريا ومُساند لتطلعات شعوب المنطقة .. بينما هي في حقيقة الامر تُمارس ما يخدم فقط نفوذها ومصالحها الاقتصادية والاستراتيجية التي قد تتعارض في كثير من الحالات مع مصالح شعوب المنطقة … وهنا لاحاجة لان نستعرض تاريخ التآمر الغربي والخليجي والتركي والرجعي العربي فهو معروف للجميع ولا يخفى على أحد سوى الاغبياء والجهلة .. بل سنُذكر البعض فقط بطبيعة وأهداف التواطؤ والتخاذل المُبطن الذي مارسته ولم تزل تُمارسه للاسف كلا من روسيا وإيران وهما دولتان حليفتان لسوريا وبعض بلدان المنطقة في إطار ضمان مصالحها الاقتصادية وتوسيع نفوذها العسكري والجغرافي والبحري وبناء مطارات حربية في سوريا كما كانت تسعى لتحقيقه روسيا التي لا تشبه باي حالٍ من الاحوال روسيا السوفياتية … أما الجمهورية الاسلامية في إيران فمن الواضح أنها كانت تسعى فقط لترسيخ وامتداد نفوذها ونشر مُعتقداتها الدينية المُتخلفة للسيطرة على المنطقة وتوسيع نفوذها ونشاطها العسكري ” المُقاوم والجهادي ” الذي للاسف لا يُجابه أو حتى يُحاول القيام برد عسكري مُباشر على الاعتداءات الصهيونية المُتكررة بكثرة على الاراضي السورية والمواقع العسكرية في السنوات الاخيرة … وهنالك أيضاً دلائل عديدة وواضحة على تواطؤ أو تخاذل روسيا وايران فيما يتعلق بوحدة الاراضي السورية أو استرجاع وتحرير الاراضي الخاضعة لسيطرة الجماعات التكفيرية المُسلحة … وقد شاهدنا هذا التواطؤ في اللقاءات العديدة التي جمعت بين القيادتين الروسية والايرانية مع الرئيس التركي المجرم أروغان لتقرير مصير محافظة إدلب والمناطق الحدودية في الشمال السوري دون أي إشراك (ولو شكلي ) لمندوب عن القيادة السورية … وهنا استغلت القيادتين الروسية والايرانية الضعف والانشغال والمصاعب والتحديات الخطيرة التي تواجهها القيادة السورية على الصعيد الداخلي والاقليمي من تخريب وتدمير مُمنهج وحصار سياسي وتآمر غربي وعقوبات إقتصادية خانقة ومعارضة عميلة وفساد داخلي مستشري خارج عن السيطرة وانقسام طائفي في المجتمع في غاية الخطورة , بالتوازي مع محاولات مُتواصلة ومُدمرة من قبل تحالف الغرب لتقسيم سوريا وإضعافها … ووللاسف فقد تم هذا التواطؤ والتخاذل الروسي والايراني في الشمال السوري في إطار مُراعاة روسيا وأيران فقط لمصالحها الاستراتيجية والاقتصادية مع تركيا وعلى حساب وحدة الاراضي السورية والمصالح الاستراتيجية للدولة السورية … حيث خسرت سوريا نتيجة لهذا التواطؤ العديد من أراضيها لصالح تركيا والجماعات الاخوانية والتكفيرية التابعة لها بما يشمل عفرين ومعظم محافظة إدلب وجرابلس وتل أبيض وراس العين والباب …الخ وقد تخسر أيضاً في المستقبل اذا استمر هذا التواطؤ تل رفعت ومنبج وعين العرب . فالتواطؤ والتخاذل الروسي والايراني لا يزال قائماً الى الآن ليس فقط من خلال مهادنة العدوان الاجرامي التركي المُتواصل على الشمال السوري , بل حتى من خلال مشاركة إيران لتركيا في قصف الاراضي العراقية في اقليم كرستان والحاق الدمار والاذى والقتل والتشرد لمئات المواطنين العراقيين في الاقليم .. هذا عدا عن السكوت عن مواصلة العدوان الاجرامي التركي في السنوات الاخيرة على المناطق الحدودية السورية مع تركيا مما أدى الى استشهاد وتشريد عشرات الالوف من المواطنين السوريين من عرب وعشائر وأكراد وآشوريين وغيرهم من السوريين .
ثالثاً : باختصار وبعبارة أخرى لقد آن الاوان علينا كوطنيين وتقدميين عرب أن نقتنع تماماً وبلا تردد بأنه يتحتم على شعوب المنطقة العربية وقواها الوطنية والتقدمية أن تسعى للاعتماد الكلي ” فقط ” على نفسها وعلى شعوبها وعلى قواها الوطنية والتقدمية وليس على قوى خارجية ( التي قد يراها البعض حليف قوي أو استراتيجي ) .. وهذا الاعتماد على النفس أمر أساسي وضروري للغاية سواء في سعينا لتحرير أراضينا وشعوبنا من الاحتلال والاستغلال والهيمنة والفقر والتخلف , أو لاستثمار ثرواتنا الوطنية وتطوير إقتصادياتنا واستقلالنا الوطني والتنموي … وفي هذه الحالة علينا بدلاً من اللجوء والاعتماد على قوى خارجية سواء كانت دولية أو إقليمية أن نلجأ الى التحالف والتنسيق مع القوى والاحزاب الوطنية في دول المنطقة العربية التي تواجه نفس التآمر والظروف ونفس المصير وذلك في إطار استراتيجية التواصل والتعاون والعمل الجبهوي على أرضية الحد الادنى من الاهداف الوطنية المُشتركة .