أخبار هبنقة

أحصنة طروادة

في عام 1870 ذهب إلى تركيا مغامر أمريكي ألماني الأصل يُدعى “هنريخ شيلمان” حصل من السلطان العثماني على حق التنقيب عن طروادة التي خلبت اسطورتها لبه حين قرأ الإلياذة في شبابه، وأنفق آخر عشرين سنة من عمره وكل الثروة التي جمعها في أيام حمى التنقيب عن الذهب في كاليفورنيا على حفرياته التي أظهرت ما يُدعى أطلال أربع طروادات بعضها فوق بعض! كما عثر على ما زعم أنه كنز مجوهرات الأميرة الفاتنة ” هيلين” التي كانت بذرة الفتنة في الملحمة. المفارقة أن الرجل خبأ هذا الكنز عن العثمانيين حتى عرضته زوجته للصحافة، فأهداه لمتحف برلين!
الآن، وبعد مزيد من التنقيب وصل عدد الطروادات المتراكبة بعضها فوق بعض إلى تسع، يُرجَّح أن واحدة منها كانت الموقع الحقيقي الذي ألهم شعراء الإغريق الشدو بالأسطورة، وقد تعلمنا من التنقيب عن جذور الخيال البشري أن كل أسطورة وراءها بذرة واقعية، وهذا ما أثبتته دراسات حديثة بينت أن هناك آثارا لمدينة محصنة شيدتها قبيلة ” فريجيه “سليلة محاربي آسيا الوسطى تقع على قمة هضبة “هاسارليك” المطلة على الجانب الآسيوي من مضيق الدردنيل الواصل بين بحر مرمرة و بحر إيجة المفتوح على البحر المتوسط، ومن موقعها الجغرافي يقوى الافتراض بأنها المكان الذي كان طروادة، والتي تركز عليها الصراع الإغريقي الطروادي، لا بسبب منافسات الآلهة وفتنة جمال الأميرة هيلين وترجيديا موت البطلين هيكتور وأخيل كما تقول الأسطورة، ولكن للسيطرة على بحر إيجه والإطباق على الطرق الملاحية في البحر المتوسط .
طبعا تبدو الحقيقة جافة وبذيئة إذا ما قورنت بتحليق الأسطورة ورفيفها، عن الحب والحرب وحصار طروادة الذي امتد لعشر سنوات، وعن الحصان الخشبي العملاق الذي خدع به الإغريق خصومهم، وخبأوا فيه عشرات وربما مئات من مقاتليهم المدججين بالسيوف والمعاول، وتركوه خارج أسوار الحصن وانسحبوا حتى انطلت الخدعة على الطرواديين الذين حسبوا الحصان رسالة من الآلهة التي أزاحت الحصار فأدخلوه إلى قلب مدينتهم، وسهروا يشربون ويرقصون فرحا بالبشارة وانحدار العدو حتى انهدَّت قواهم وغلبهم النوم، وفي غيابة نومهم وتحت جُنح الظلام أظهر الحصان بركته الخادعة، فانسل من جوفه مقاتلو الإغريق، وأعطوا الإشارة إلى جيشهم المتواري وفتحوا لجحافله أبواب الحصن فانتشرت تفتك بالنيام وأشباه النيام، تقتل وتحرق وتسبي وتُدمِّر الحصن الحصين!

  • د. محمد المخزنجي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى