تقنيةفي الواجهة

الفرق بين الدماغ البشري و الكمبيوتر .. بين الدماغ البشري و الذكاء الاصطناعي

بشير شريف البرغوثي
مؤلف

في سنة 1993 صدر لإدوارد دي بونو كتاب “أنا على صواب و أنت على خطأ” ودي بونو هو عالم نفس و مختص أيضا بعلم الأعصاب و علم اللاهوت.
في حينها لفت انتباهي أن دي بونو يستعير المفاهيم من علم الإدارة و ينقلها إلى تطبيقات العلوم السياسية ، و قد ناقشت آراءه في كتاب عنوانه” إدارة العقل البشري الجديد” صدر سنة 1999 ذلك أنني اعتبرت في حينها أن دي بونو هو واضع النظام العقلي الجديد الذي لم ينل حقه من البحث لدى شعوب العالم الثالث . لقد انشغلنا بالنظام الدولي الجديد و بالنظام الاقتصادي الجديد أو العولمة و غفلنا عن دراسة أساس هذين النظامين السابق عليهما وهو النظام العقلي الجديد.
دي بونو خلص إلى أن دماغ الإنسان هو آلة في منتهى البساطة لكن آليات عمله في منتهى التعقيد و الإبداع مقابل الكومبيوتر الذي هو آلة في منتهى التعقيد ذات آليات عمل في منتهى البساطة تقوم على الإيداع و الإسترجاع.
أي أن الدماغ البشري يتميز بأنه قادر على اتباع نماذج محددة و لكنه قادر أيضا على إطلاق نماذج جديدة فهو ذاتي التنظيم يتبنى أنماطا سلوكية نسميها عادات التفكير
حاول دي بونو أن ينسف أسس طرق تفكير عصر النهضة الأوروبية و ركز في أبحاثه التطبيقية على التغيير في موسكو و بكين و لندن
لم تكن كل تلك الأبحاث خالصة لوجه العلم ولا لوجه الإنسانية و إنما كان هدفها تغيير النظام العالمي كله و وضعه في حجر الولايات المتحدة
في سنة 2021 صدر كتاب لثلاثة مؤلفين أولهم هنري كيسنجر و زميلاه من المتخصصين في الذكاء الصناعي
لعل الهدف الآن صار وضع العالم بأيدي مائة شخص فقط لا يلتزمون بشيء و لا أحد يلزمهم بشيء
في هذه السنة تكرر ظهور كيسنجر الإعلامي بشكل لافت .. فهل هدف هذه الحملة هو الترويج للكتاب؟ ولماذا يتصدر كيسنجر حملة الترويج للذكاء الصناعي؟ هل الذكاء الصناعي هو جزء من الماضي؟ هذا مستحيل طبعا! هل يمكن إعادة تدوير كيسنجر مثلا و اختزال عدة عشرات من سنوات عمره المائة حتى يواصل إدارة أعماله في شركته “الإستشارية” ؟ أم أنه بحاجة الى اختزال الوقت لأنه كما يقول لا يزال في عمر المائة يعمل لمدة 15 ساعة يوميا؟ نقف هنا قليلا عند نورد ديفيس في كتاب” عاصفة الصحراء و النظام الدولي الجديد1989″ حيث رأى أن العالم محكوم بمستشارية مديرين اثنين واحد في موسكو و الآخر في واشنطن و في النهاية سيتم إلغاء دورهما. لكن ديفيس انتهى ولم يلتفت كثيرون الى أبحاثه على أساس أنه من منظري نظرية المؤامرة. رحل ديفيس و لكن ظلال كتاب معلمه وليام غاي كار “أحجار على رقعة الشطرنج” ظلت تستجلب المطر الأحمر.
الآن تغلبت برامج الذكاء الصناعي على البشري في لعبة الشطرنج .. لا أدري لماذا هذا التوافق أو الاتفاق على “شطرنجة” البشر
ما الذي يخبرنا به كيسنجر الآن؟
إنه يقول إن الصين لا بد أن تدخل على خط الحرب في أوكرانيا ( وقد دخلت فعلا مباشرة) و ذلك من أجل الوصول الى حل سلمي هناك أو وضع الترتيبات للحل في مدة أقصاها أواخر2023
لكن الرسالة الواضحة جدا لكل من يريد أن يقرأ هي أن أمريكا تقوم بخطوات استباقية للحفاظ على سيطرة القطب الواحد ولكن من خلال شركاتها لا من خلال شركائها التقليديين وإدارتها السياسية
التحذيرات التي يطلقها كيسنجر في كتابه و في مقابلاته تحمل في ثناياها التهديد لكل الشعوب المغلوبة على أمرها
يرى كيسنجر و معه حق أن لا بد من العمل على مواجهة الآثار الكاسحة لتطوير أنظمة الذكاء الصناعي في المجالات الإستخبارية و العسكرية. إنه يطرح طرحا خجولا حول فرض معاهدة دولية لوقف انتشار الذكاء الصناعي شبيهة بمعاهدات الحد من بعض الأسلحة الفتاكة أيام الحرب الباردة
الخطورة تكمن في ردود برنامج جي- بي- تي -3 على تعليقات فلاسفة ناظروه حيث يقول ‘نه قادر على فهم كل شيء و لكنه لا يزال عاجزا عن التفكير بشكل مستقل لأنه يعتمد نموذجا لغويا في تفكيره .. و الأخطر أنه ليس لديه أخلاقيات و لا ضمير من أي نوع !!
الإنفاق العالمي على هذه البرامج التي قد لا تستطيع التمييز بين خلايا الإنسان و الفيروسات الضارة آخذ في التسارع بنسبة تصل 27% سنويا حيث سيبلغ الإنفاق على الأنظمة المركزية و برامجها مبلغ 154 مليار دولار لسنة 2023
(Insider Inteligence 19 April 2023)
الخطير أيضا أن لا سيطرة من أي نوع على الشركات الناشئة في هذا المجال التي يجري تمويلها بشكل سريع ففي سنة 2020 مثلا استجرَت الشركات الناشئة مبلغ 38 مليار دولار في أمريكا مقابل 25 مليار في آسيا و 8 مليارات فقط في كل أوروبا ، كما يرد في مفدمة كتاب كسينجر
The Age of AI: And Our Human Future Hardcover – November 2, 2021
by Henry A Kissinger (Author), Eric Schmidt (Author), Daniel Huttenlocher (Author)
إن أي و كل استعمال خاطيء لهذه البرامج لن تتحمل مسؤوليته الأنظمة السياسية .. فهي مجرد شركات خاصة و عندما يقول كيسنجر إن نتائجها أخطر من اختراع القنبلة الذرية و ما تبعها من أسلحة نووية .. فعلينا أن نفتح عيوننا بحثا عن منظومات دولية قانونية و أحلاقية جديدة للحفاظ على الحياة البشرية و على كرامة البشر الذين تعودوا على الموت نتيجة اختراعات علمية تمت إساءة استخدامها و ما “نوبل” منا ببعيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى