أخبارالحدث الجزائري

الذكرى السابعة والستون لإستشهاد القائد الرمز زيغود يوسف

الذكرى السابعة والستون لإستشهاد القائد الرمز زيغود يوسف

عزالدين معزة
كاتب

” إذا ربحنا الشعب سنربح الثورة، وإذا خسرنا الشعب سنخسر الثورة “
زيغود يوسف
القائد البطل الشهيد زيغود يوسف هو أحد الرجال الأفذاذ الذين انجبتهم الجزائر لعبوا دوراً ريادياً و رائعاً في الجهاد المسلح ضد الاستدمار الفرنسي تميز بذكائه الخارق وحبه لوطنه وكراهيته للظلم ، وقد كانت سيرته، وجهاده وعبقريته وما تزال نوراً يسطع ويتجدد عبر الأجيال لتؤكد عظمة هذا الشهيد البطل الذي يذهب الكثير من الدارسين والمؤرخين إلى التأكيد على أنه هو الذي غير مجرى تاريخ الثورة الجزائرية المظفرة بتصميمه لخطة هجومات الشمال القسنطيني 20أوت1955م ، التي شكلت مرحلة حاسمة في الكفاح التحرري الجزائري ومنعرجا رئيساً لاكتساب الثورة الجزائرية المباركة طابعها الشعبي، وأعطت ضربة قاصمة للاحتلال الفرنسي الذي حاول القضاء على الثورة المجيدة في عامها الأول حتى لا تشمل مختلف أنحاء القطر الجزائري، كما منحت هجومات20 الشمال القسنطيني أوت1955م بعداً إقليميا و دولياً للثورة الجزائرية، وعجلت بدخولها إلى الأمم المتحدة، وكانت هزيمة كبرى لا تُنسى لكبار جنرالات فرنسا.
فهجوما ت الشمال القسنطيني 20 أوت1955م هي واحدة من أهم الذكريات النضالية المجيدة في تاريخ الجزائر، فالأحداث العظيمة تنمو وتكبر قيمتها مع مرور الزمن، وتظل معانيها وقيمها خالدة في نفوس الشعوب، نظراً لما تستمده منها من زخم وصور خالدة تبث الثقة في النفوس، فمراحل النضال والانتصار تعتبر صفحات خالدة تفرض على الأجيال المعاصرة أن تعتني بها عناية بالغة من أجل تحقيق تواصل تاريخي وحضاري يربط الماضي بالحاضر، ويبني جسور تواصل وطيدة بين السلف والخلف وينير الدروب.
تعتبر هجومات الشمال القسنطيني معلما هاما في تاريخ ثورتنا المباركة، فقد كانت دفعا هاما لها، كما تمكنت من تحقيق عديد الأهداف داخليا وخارجيا. بما ترتب عنها من نتائج من الناحية العسكرية والسياسية. داخليا بقطع الطريق أمام المتشككين والمترددين، وفند ادعاءات فرنسا ُ أن ما وقع، بعد نوفمبر هو عمل متمردين وقطاع طرق ولصوص، فجاءت هذه الأحداث لقطع دابر هذا الادعاء من ناحية، والبرهنة للعالم، أن ما يجري في الجزائر من أحداث، إنما هو ثورة شعبية عارمة. وقد جاءت هجومات 20 أوت 1955م لتنسف جميع الادعاءات والأكاذيب الفرنسية، وتؤكد شمولية الثورة الجزائرية المظفرة، ووفق ما جاء في شهادة المجاهد أحمد هبهوب، التي رواها الأستاذ عثمان الطاهر علية فالأهداف التي كان يصبو إلى تحقيقها زيغود يوسف هي :
: 1-فتح أبواب الثورة على مصراعيها أمام جميع المواطنين الجزائريين لدخول المعركة، وألا تبقى محدودة في مجموعات صغيرة من الرجال ثورتنا ثورة مجموع الشعب كله .
ـ 2 : فك الحصار على منطقة الأوراس وإجبار القوات الفرنسية على الانسحاب منها. 3- : التعبير عن التضامن مع الشعب المغربي بعد اعتقال ونفي الملك محمد الخامس
4- : القضاء على الدعاية الفرنسية القائلة بأن ثورة الجزائر مستوحاة من الخارج وليست نابعة من صميم الشعب الجزائري.
. 5-أما الهدف الأسمى فهو تسجيل القضية الجزائرية في جدول أعمال الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة.
يقول العقيد الراحل علي كافي رحمه الله:” إن فكرة عملية 20 أوت 1955 ّ كانت بمبادرة شخصية من البطل الشهيد زيغود يوسف، وتحمل خطورة مسؤولية نتائج العملية إن لم تسر على ما يرام وحسبما يرجى منها«، وقد فكر زيغود يوسف في البدء أن 6 يشمل ذلك الهجوم كافة أرجاء التراب الوطني ويستمر لمدة أسبوع كامل، بيد أن الظروف الصعبة التي كانت تمر بها الثورة في تلك الفترة لم تكن تسمح بتعميمه ليشمل كامل القطر، فقرر تنظيمه في المنطقة التي يقودها ــ منطقة الشمال القسنطيني ــ. وعن الخلفيات التي سبقت هجومات 20 أوت 1955م هو أن ربيع 1955م شكل مرحلة مخاض عسير ذلك» إن مسؤولي المنطقة لم يكن يخيفهم رد فعل العدو. فهم محصنون بالقناعة الثورية، وليس مثل موقف رؤساء الأحزاب والمترددين والمشككين ــ نظرة العسكري للسياسي ــ. فقد دبروا وتوقعوا كل هذا قبل الانطلاقة وأعدوا له العدة، ولكن الشغل الشاغل لهم هو الأسلحة واحتواء الشعب للثورة ً واحتضانها وتبنيها عن قناعة والتزام ومسؤولية. فهي ثورة شعبية من الشعب وإليه، وكل هذا يتطلب تخطيطا ً للتضحية والفداء، وبالتالي مواصلة العمل مهما كان الثمن وتكريس ً كبيرا ً واستعدادا ً موضوعيا ً ثوريا وتفكيرا التواجد في كل شبر من تراب المنطقة، تواجد جنود جيش التحرير الممثل الحقيقي والوحيد للثورة والمدافع الحقيقي والوحيد عن الشعب والثورة.
وصاحب الفكرة ومن خطط لهذه الهجومات هو البطل الشهيد زيغود يوسف، حيث يذكر المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط أنه في شهر جويلية1955م تحدث زيغود يوسف مع كل من بوقادوم بشير وبوبنيدر،وبوجريوي،واسماعيل زقات، وساسي وبوركايب وبوشريخة ومجموعة من معاونيه المقربين من منطقة الوسط عن المشروع وبرمج اجتماعاً مع بن طوبال وبن عودة وقد تم الاجتماع الذي حضره أكثر من مائتي جندي من بينهم عمارة العسكري بالمكان المسمى( قندابو) الذي يبعد خمسة عشر كيلومتراً عن سكيكدة، ولم تتسرب أية أخبار إلى مصالح الاستخبارات الفرنسية، وخلال التسعة أشهر التي سبقت هجومات 20أوت1955م عمل زيغود يوسف مع مجموعة من مرافقيه جاهداً على تنظيم سكان الأرياف والمدن بالناحية الثانية من الشمال القسنطيني.
يقول الباحث صالح جراب في كتاب موسوم ب: ( زيغود يوسف :قيم ومواقف) الذي صدر حديثاً عن منشورات مؤسسة بونة للبحوث والدراسات: «فإذا كان الأمير عبد القادر رجل دين ودولة (مشروع مجتمع ودولة) فإن “زيغود يوسف” بعبقريته وحنكته أنقذ الثورة من الضياع ، وغير مجرى التاريخ ، وخطة 20 أوت 1955 شاهدة على ذلك فيها هـزم عشرات الجنرالات والمارشالات الفرنسيـين المشهود لهم بالنظام والتنظيم ، ومن ورائهم الحلف الأطلسي بأرمادته الجهنمية التي رست بميناء سكيكدة ، ومن نتائج هذه الخطة فك الحصار المضـروب على الأوراس قلعة الثورة العتيـدة التي ظلت تقاوم ، إلى أن وجدت من يساندها ويقف إلى جانبها، لقد جاء في وقت قصير ، ثم مضى سريعا ، ليترك الثورة تمضي آمنة بعد أن صحح مسارها!
كان الوطن في أمس الحاجة إلى من يحميه ، ويعيد له مجده السليب حتى يخلصه من نير الاحتلال الغاشم ، الذي ظل يرزح تحت وطأته عشرات السنين ، إلا أن قيض الله له رجالا مخلصين كانوا كالسد المنيع ، في وجه الغزاة ، أمثال هذا البطل الفذ زيغود يوسف ، الذي لولاه لكان للوطن شأن آخر ،وظل رفاقه من بعده يواجهون العدو بكل ما لديهم من سلاح الإيمان وصدق العزيمة ، فمنهم من قضى نحبـه ، ومنهم من ما يزال يناضل ، وما بدلوا تبديلا ،والتاريخ الجزائري حافل بالبطولات والأمجاد ، وما زالت مآثره تضيء درب الحرية لكثير من الشعوب المقهورة ، في شتى بقاع العالم ويكفي الثورة الجزائرية فخرا ، أنها توصف بثورة الشهداء .
يحسن بنا أن نلتفت إلى هذا البطل الشهيد، ونتحرى في حياته الدؤوبة، والظروف التي بوأته هذه المكانة المرموقة وساهمت في إعداده ليكون قدوة لجيلنا وللأجيال القادمة».
ومن جهة أخرى يقول المجاهد إبراهيم سلطان شيبوط ووزير المجاهدين الأسبق في كتابه: «زيغود يوسف الذي عرفته» والذي يعد مساهمة ثمينة وجادة في إضاءة الكثير من الجوانب الهامة من شخصية الشهيد البطل زيغود يوسف، بعد أن تساءل: من هو زيغود يوسف؟
ما أن يذكر هذا الاسم إلا وتستحضر ذاكرة الجزائريين اسم الوطني الذي كان عضو (مجموعة 22)،اسم ذلك الذي زعزع أمن المحتل بالشمال القسنطيني،اسم الذي نظم الأيام الثلاثة20-21-22أوت1955.هذه الأيام التي سمحت للشعب الجزائري بأن يغوص في الثورة التحريرية ليبين لفرنسا الاستعمارية أن عهد الشغب المحلي انقضى بدون رجعة.
زيغود يوسف كرّس شبابه للجزائر، توفي في سن الخامسة والثلاثين(35) لم يخصص لعائلته سوى ست سنوات(06) من عمره. انخرط منذ الثامنة عشرة في حزب الشعب الجزائري.
ولد زيغود يوسف بقريدة كندي سمندو (حالياً بلدية زيغود يوسف) عاش طفولته قرب والدته وجده (والد أمه).غرابي محمد الطاهر بكندي سمندو. لقد كان يتيم الأب. من مواليد كندي سمندو حيث قضى طفولته بمدرستها القرآنية ثم بالمدرسة البلدية الفرنسية للأهالي. اجتاز امتحان الشهادة الابتدائية بمركز الحروش بامتياز.بكندي سمندو بدأ حياته كرجل بجانب عائلته إذ صار صانعاً. وانطلاقاً من هذه القرية كندي سمندو كتب زيغود يوسف صفحة تاريخية ينبغي أن نعرفها ونتأملها…»
واعتماداً على منظور الباحث صالح جراب في كتابه( زيغود يوسف: قيم ومواقف)،فالبطل الشهيد زيغود يوسف يمتد نضاله من انتقاله من الكشافة الإسلامية إلى الانخراط في صفوف حزب الشعب الجزائري وعمره لا يتجاوز الثامنة عشرة ، وقد أصبح المسؤول الأول لهذا الحزب ، ناحية السمندو ، رغم صغر سنه ، واستمر في النشاط السياسي ، يناضل متحديا غطرسة الاستعمار ، هازئا بوعيده ، وكان خلال هذه الفترة نموذجا للسلوك الحميــد ، والخصــال السامية ، أخلاقيا ودينيا ، متشبثا بالقيم الإسلامية ، والوطنية النبيلة ، وهو الشيء الذي أكسبه تقدير رفاقه، ليتحمل المسؤوليات الكبرى ، وكانت له مسؤوليات تنظيمية ، اضطـلع بها على أحسن ما يرام ، فكون رجالا مناضلين ، شحنهم بالعزيمة والروح النضالية العالية ،ولا غرابة أن تسند له مهمة الإشراف على مظاهرات 8 ماي 1945 السلمية بناحية – سمندو – مما جعله ينجح في تنظيمها حيث قام أثناءها بإخفاء (24) بندقية بمنزله .ويشير في هذا الصدد المجاهد (بولعراس) أن “زيغود يوسف” هو الذي أشرف على عملية الإعداد للمسيرة بالجهة ، وعقد في هذا الشأن اجتماعا بمسجد القرية ، تحددت فيـه خطة المسيرة واللافتات المحمولة ، وكذلك العلم الوطني .
ويُنبه الباحث صالح جراب إلى أن زوجته (عائشة) هي أول من صنع راية جزائرية في المنطقة صنعتها بمساعدة إحدى جاراتها التي تدعى (نيني حلاّسة) وكذلك اللافتات التي كتبت عليها شعارات وطنية ورفرف هذا العلم الجزائري في سماء – سمندو- لأول مرة ، مما جعل عدداً كبيراً من الناس يعتقدون أن الثورة اندلعت في ذلك الوقت بالذات ،وفي سنة 1947 برز “زيغود يوسف” كنموذج لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، في القوائم الانتخابية لبلدية –سمندو- إذ فاز في هذه المعركة الانتخابية فوزا ساحقا ، رغم مكائد الإدارة الاستعمارية ، وألاعيبها التزويرية ، هذا الذي جعله يتأكد أكثر بأن القوة الحقيقية تكمن في قلوب الجماهير ، لا في غطرسة الاستعمار الفرنسي .وأصبح نائبا لرئيس بلدية – سمندو- من عام 1947 م حتى عام 1949 م.
وفي غمرة نشاطه النضالي ، وتطلعاته واتصالاته بالمسؤولين الكبار في المنظمة السرية لحركة الانتصار للحريات الديمقراطية ، أشرف “زيغود يوسف “ على تنظيم هذا الجهاز السري في بلدته ، وتطور نشاط هذا الجناح السري الشبه عسكري ووسع مجاله في الناحية ،ورغم سرية هذا التنظيم فقد تمكن بوليس العدو من اكتشافه سنة 1950م على إثر ما يعرف بحادثة تبسة ، ومؤامرة 1950م ، وتم على إثر ذلك اعتقال مئات المناضلين ، من التنظيم السري للحزب ، في عدة مدن وقرى من التراب الوطني ، ومن بينهم “زيغود يوسف” حيث ألقي القبض عليه بتاريخ 22/03/1950م ، ونقل إلى سجن عنابة ، وحكم عليه بـ (20) سنة حبسا ، إذ حوكم بتهمة (المس بالأمن الداخلي والخارجي للدولة الفرنسية ) ، ومن ضمن رفاقه الذين ألقي عليهم القبض في المناسبة نفسها ، ابن زعيم محمد المستـــشار لدى بلدية (بونا) عنابة ، وعجـــومي إبراهيــــم بن مصطفى ،و مصطفى بن عودة ، وبكوش عبد الباقي ، الذين كانوا على متن عـــربة واحـــدة ، ومن الذين ألقي القبـــض عليــهم ابن عمــه الطاهر بـ – كندي سمندو- وهنا تروي (الحاجة زبيدة) ، وهي تتذكر يوم إلقاء القبض على أخيها ، سنة 1950م ، وكيف كان سريع البديهة ، لا تزعزعه الأحداث ، مهما كبرت ، حتى لو تعلق الأمر بحياته ، فتشير أنه عندما شاهد عربة البوليس ، وكان وقتها يصلح سقف بيته ، أمر على الفور زوجته بإخفاء كل الوثائق السرية في صدر ابنته (شامة) ، البنت الوحيدة التي ظلت على قيد الحياة حتى استقلال الجزائر ، وهي من أبنائه الستة ، وهكذا ظهرت براعة هذا القائد الفذ في أصعب اللحظات ، ولم تتمكن السلطات الاستعمارية من العثور على الوثائق ، باستثناء الكتب التي كان يطالعها، وبعد بضعة أشهر ، ألقي القبض على (بوشريحة بولعراس) وتمكن هذا الأخير أن يحضر عملية الفرار من السجن ، التي نظمها البطل الشهيد “زيغود يوسف”.
وقد لخص الباحث صالح جراب عدة محطات متميزة من مسيرة الشهيد البطل زيغود يوسف، حيث جاءت في كتاب: ( زيغود يوسف: قيم ومواقف)،رواية مفصلة عن هروبه من السجن، حيث يقول: «في انتظار المحاكمة ، كان المناضل القائد يفكر في طريقة التخلص من هذا الكابوس ، إذ دبر عملية للهروب من السجن وخطط لها ، وبعد محاولة الفرار الأولى التي فشلت اهتدى “زيغود” إلى ضـــرورة صنع مفتـــاح لبــاب السجن ، صنعـــه بنفسـه وهو الحداد الماهر- وبعد تجاوز صعوبات الحصول على قطعة حديد أدخلها تحت قشابيته من مرحاض السجن ، وصقلها في سرية تامة، وصنع منها مفتاحا ، فتح به باب غرفة السجن ، ثم ثغرة في السقف فكانت خطته لتدبير الفرار من السجن ، وقد رواها لنا أحد رفاقه الذين كانوا معه في السجن ،وهو الشيخ (بوشريحة بولعراس) ، وقد كانت خطة ذكية وجريئة لم ينتبه إليها العدو ، رغم مخابراته الدائمة الحركة ، وتجربته الواسعة ، فإنه لم يتوصل إلى الكيفية التي تمت بها خطة الفرار المحكمة ، وقد فشل العدو فشلا ذريعا ، في الحصول على أية معلومات عن ذلك ، ولم تستطــع مخابراته تحــديد المكان الذي توجــه إليه “زيغود يوسف” ورفاقه ، وقد قرر أن يكون الفرار في ليلة 21 أفريل 1954 م لتنفيذ خطة الهروب ، وكان معه ثلاثة من المناضلين الذين اقتنعوا بنجاح خطته ، فقطعوا الجبال والوديان والوهاد ، حتى وصلوا إلى ضواحي – سمندو- عند الشيخ (بوشريحة بولعراس) بدوار صوادق ، حيث وجدوا هناك مأواهم ونصرتهم ،وبعد عملية الفرار ظل الشهيد يتنقل في سرية تامة ، من موقع إلى آخر (الصوادق- الداموس) ، وهي أماكن جبلية حصينة ، وواصل
نضاله فيها إلا أن أصبح مسؤولا على منطقة -السمندو-كلها، إذ عالج فيها الجرح الذي أصابه أثناء عملية الفرار، كما كان يتنقل ما بين الحروش وسمندو عند أصهاره، فينتقل إلى “لقرارم” عند (عمار قوقة) فالأوراس، مع مجموعة من القادة الذين اعتصموا بالجبال أمثال: مصطفى بن بولعيد، وعلى إثر ذلك عمل “زيغود يوسف” على ربط الاتصال بالأوراس، هذه المنطقة التي نجت من مؤامرة 1950، ولم يكتشف الاستعمار تنظيمها السري،
وبالنسبة إلى مشاركة الشهيد البطل زيغود يوسف في مؤتمر الصومام سنة:1956م،يؤكد الباحث صالح جراب على أن زيغود يوسف شارك بفعالية في مؤتمر الصومام التاريخي (20 أوت 1956) الذي أرسى قواعد تنظيم الثورة التحريرية ، وانبثقت عنه لجنة التنسيق والتنفيذ ، وكذا المجلس الوطني للثورة الجزائرية ، الذي كان الشهيد أحد أعضائه المؤسسين ، لقد كان على دراية كبيرة بالأمور العسكرية ، للولاية الثانية ، التي أقرها له مؤتمر الصومام ، ورقّاه بموجبها إلى رتبة عقيد ، كما هو الشأن بالنسبة إلى عدد من ضباط جيش التحرير الوطني ، وكلف رسميا بقيادة الولاية الثانية ،و يذكر الأستاذ صالح جراب أن زيغود يوسف لم يكن يلهيه التنظيم العسكري عن التخطيط السياسي ، فقد لعب دورا بارزا في مؤتمر الصومام الذي انعقد بقرية إيفري (وادي الصومام) بالمنطقة الثالثة ، هذا اليوم الذي يمثل الذكرى الأولى لهجومات 20 أوت 1955 في الشمال القسنطيني ، لقد شارك كعضو بارز ونشيط في أشغال المؤتمر ،فقد حضر عدد كبير من ممثلي الولايات ، باستثناء الولاية الأولى ، ويرجع السبب في ذلك إلى استشهاد البطل مصطفى بن بولعيد في القتال في مارس 1956م ، وكان استخلافه صعبا ،لذا أوفدت الولاية الأولى بعض المندوبين عنها ، وفي وقت متأخر وعندما وصلوا ، كان المؤتمر قد انتهى ،ونتيجة لمقررات مؤتمر الصومام الحاسمة في مختلف الميادين المتعلقة بتنظيم الثورة على المستويين ، السياسي والعسكري ، وفور عودته من المؤتمر شرع “زيغود يوسف” مباشرة في إجراء اللقاءات لإعداد الرجال وضبط الأهداف، وتم تنفيذ ما اتفق عليه في مؤتمر الصومام ، وبعد سلسلة من الاجتماعات والأعمال ، التي استغرقت شهرا كاملا ، في نواحي الولاية الثانية ، قصد “زيغود يوسف” مقر الولاية الثانية الذي كان موجودا بنواحي وادي زهور قرب الميلية ، وقد كلف المؤتمر “زيغود يوسف” بمهمة إعلام الولاية الأولى بقرارات المؤتمرين ، فقد اختير لأنه كان يعرف عدداً كبيراً من مجاهدي الولاية وقضى معهم فترة من الزمن عايشهم فيها ، لكن ، بينما كان التحضــير للاجتماع التنسيقي المتعلق بإذاعة الأخبار المتعلقة بمؤتمر الصــومام الذي اختتمت أشغاله مند فترة وجيزة ، فإذا بـ “زيغود يوسف” يسقط شهيدا في مواجهة مع العدو غير متكافئة ، حينما كان في طريقه إلى الأوراس (النمامشة) يوم 23 سبتمبر 1956 .
قيلت القصائد الكثيرة في البطل زيغود يوسف
تحرّى الشاعر السوري سليمان العيسي ، عن ظروف استشهاد البطل في واد من وديان الجزائر المضرجة بالدماء، ووصف وصفا دقيقا معركة الاستشهاد فقال في قصيدة عنوانها “يوسف زيغود”:
صَمتٌ على الوادي يروع الوادي
وسحابة من لوعةٍ وحِدادِ
أرسى على الهضَبات ريشُ نسورها
وتمزقت من بعدِ طول جِلادِ
هدأ الوميض.. فلا أنينُ شظِيةٍ
يُصمي، ولا تكبيرةُ استشهادِ
(الحَفنة) المتشبّثون بحفنة
ضؤلت وهانت من لظىً، وعتادِ
ألقَوْا بوجه الموت آخرَ صفعةٍ
وتساقطوا تحت الجحيم العادي
النار تأخذهم.. فسربُ رائحٌ
من باصقاتِ ردًى، وسِربٌ غادِ
وكتيبةٌ تنثال إثر كتيبةٍ
كثرت هناك كتائبُ الجلاّدِ
حشدَ الألوفَ.. يكاد يعتقد الحصى
والريحَ ثوارا.. وحَرج الوادي
حشدَ الألوفَ.. لقاءُ (سيِّدَ أحمدٍ)
رُعْبٌ يشلّ النبض في الأكباد
رعب يسمِّر بالمدرّعة الخُطى
فمدافع السفاح كالأوتاد
وتُجَنُّ من حنَقٍ، فتُمطر موتها
حينا بلا هدف، بغير رَشاد
وتلعلع النيران.. كل حنيَّـة
لهَبٌ إلى دمنا لهيفٌ صادِ
وتجيب من وكر النسور رصاصةٌ
لتُصِرَّ,, هذي تربتي وبلادي
لن يُسلمَ الوادي ثراه لغاصبٍ
إلا على جثث.. على أجسادِ


صمتٌ على الوادي، كما جثم الرَّدى
فوق المقابر، جُلِّلت بالوادي
(الحفنة) المتشبّثون بصخرة
تلقَى الجحيمَ بإصْبِع وزِناد
صمتوا فلا تسري (لسيّدِ أحمدٍ)
بين الشِّعابِ رهيبةُ الإرعاد
سمراء.. يُرسلها هتافا ماردا
فتُفجر الإعصار في مُرادِ
صمتوا لقد ألقوا بآخر طلقةٍ
وتمزّقوا تكبيرةَ استشهاد


الثائر المقْدودُ من نارِ
أغفى على الغار
كخُمود إعصارِ
كصباح نُوّارِ
ضُربت عليه ألف زوبعة
وسحابةٌ سوداء كالقار
الصامدُ المقدودُ من لهبٍ
الفارس العربيُّ
عرفته أرض المجد حَدَّادَا
في ركن حانوتِ
يحيا على الخَشِنيْنِ من ثوب ومن قوتِ
وسرى نداء الثأر رعّادَا
وأهابت الثورهْ
وتكلمت آلامنا غورًا وأَنجادَا
فإذا الكَميِ.. فِراشه صخرهْ
وإذا هو الثورهْ
سيسير مثل رفاقه الدَّرْبا
سيخوضها حربا
سيخُط قصة أرضه الحرّهْ
بالدمع.. بالدم
قطرةً قطرهْ

للمقال مراجع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى