رياضة

الحرب العالمية في كرة القدم

تقول الألمانية آنييت ديتيرت مديرة مكتب “ARD:
” إن ألمانيا ترى نفسها -كما إنجلترا- مهدا لكرة القدم بوصفها المنتخب الأكثر نجاحاً في التاريخ، وترى أن كأس العالم 1966 لقب مسروق بامتياز برعاية حكم سوفييتي لم يتردد في ظلم الألمان، أما الصحافة الألمانية، فتجد في منافسة إنجلترا على أرضية الميدان متنفسا دائما للانتقام من ذيول الحربين العالميتين ومؤامرة المونديال.. “
بعد مونديال 1966 ، استجمعت ألمانيا قواها لاحقاً و في غضون 4 أعوام فقط ، إنتقمت من إجلترا ..
ربع نهائي كأس العالم 1970 في المكسيك بهدف جيرد مولر بالأوقات الإضافية، ألمانيا تقصى أنجلترا ، لكن لم يتغنى يومها الألمان بهذا الفوز لأنه بنظرهم لا يشفي الغليل وكتبت صحيفة بيلد الألمانية :
” فوز وفقط !! “
ثم عادت ألمانيا بعد عامين و طردت الأنكليز من ربع نهائي كأس أمم أوروبا 1972 بنتيجة 3-1 بأقدام مولر أيضا، لكن هذه المرة كان الفوز من قلب ويمبلي، ليتغنى الألمان وقتها بقولهم:
“أي فوز كان الأقسى على وقع الإنجليز؟ انتصاران في عامين، هنا تساوت الرؤوس”.
ليكتب ساندر كواتلا، مدير مركز الأبحاث البريطاني :
” الألمان استقروا نفسيا في حربهم مع إنجلترا ، بعد مباراتين فقط “
في مونديال إسبانيا 1982 تعادلا سلباً ، لكن في أكتوبر 1982 وعلى ستاد ويمبلي القديم هزمت ألمانيا الغربية أنجلترا ، يومها عنونت بيلد بالبند العريض :
” أسود أم قطط أليفة ” ، أظن أن المعنى وصل ..
أما صحيفة ال غارديان البريطانية فكتبت :
” تتواصل المهازل “
03/أكتوبر 1990 تم توحيد الألمانيتين ، ولكن قبل ذلك في الصيف كان الحدث في إيطاليا كأس العالم 1990 ، ليجمع القدر الفريقين في نصف نهائي كأس العالم ، إنجلترا _ ألمانيا
الصحف البريطانية وضعت ضغط كبير على منتخبها تطالبه بالفوز والثأر ، لكن على العكس من ذلك كانت الصحف الألمانية تمدح منتخبها فقط وتبعده عن الضغط ..
تقدّم أندرياس بريمه للألمان على ملعب “الدالي ألبي” وعادل غاري لينكير النتيجة للإنجليز في الدقائق الأخيرة، ليحتكم المنتخبان إلى ركلات الترجيح التي أهلّت الألمان بنتيجة 4-3، وبهذه النتيجة، غدت ألمانيا أول منتخب في تاريخ كرة القدم يتأهل 3 مرات تواليا إلى نهائي المونديال، ما أثار إعجاب اللاعب الإنجليزي الشهير لينكير الذي قال جملته الشهيرة:
“كرة القدم رياضة يلعب فيها 11 لاعبا ضد 11 لاعبا، وفي النهاية يفوز الألمان”.
حينها كانت ألمانيا قد حققت لقبها الثالث، بينما فشلت مساعي إنجلترا لتحقيق اللقب الثاني ..
هذا الفشل جعل الإنكليز يشعرون بالذل والإهانة ، عندما تشاهد مقال الديل ميلر تفهم الكثير :
” لم نحفظ ماء الوجه “
رغم فوز الألمان إلى أن هناك شيء يحز في نفسهم ، ولم يشفي غليلهم ، يجب الفوز على الأنكليز في بطولة كبيرة في عقر دارهم و في أدوار متقدمة ولما لا في نهائي ..
بعد 6 سنوات ، كأس أمم أوروبا 1996 التي احتضنتها إنجلترا بعد إعادة توحيد ألمانيا الغربية والشرقية، فقد حظيت البطولة ببروباغندا إعلامية غير مسبوقة وأصوات متعالية في الصحافة الإنجليزية بأن “كرة القدم تعود إلى موطنها”، وتوقع الجميع أن تظفر إنجلترا بالكأس وسط أنصارها وملاعبها العتيقة وتُقدّم نسخة أسطورية ..
بالنسبة للإنكليز كانت النسخة رائعة ، والأروع أن القدر وضعهم في مواجهة الألمان في نصف نهائي كأس أوروبا و على أرضهم وأمام جماهيرهم ، بالنسبة لهم الثأر من العدو الأزلي والتتويج باللقب سينهي كل تلك المهازل الماضية .
أما بالنسبة للألمان ( إنها اللحظة ) الفوز على الغريم الأزلي في عقر الديار وإفساد الحفلة والثأر من ذلك النهائي ، فرصة إنتظرها الألمان أزيد من 30 عام ، لكن كالعادة الصحف الألمانية لا تمارس الضغط عن منتخبها ..
” إنها مباراة صعبة أمام المنتخب المرشح “
لكن الدالي ميرر البريطانية ترد ( لا تبتلع طعما قدمه لك العدو ) ورغم ذلك ، الألمان أفسدوا الحفلة وأقصوا الإنجليز من نصف النهائي بركلات الترجيح 6-5 بعد أن أهدر مدرب إنجلترا الحالي غاريث ساوثغيت الركلة الأخيرة ..
ما أثلج قلوب الألمان أن الانتصار كان على ملعب ويمبلي، وما أحرق قلوب الإنجليز ردة فعل أندرياس مولر الذي استفزهم باحتفال ” الرايخ ” جندي هتلر والذي وصفته الصحف الإنجليزية بـ “النازي الأكبر” و قالت الغارديان
” قمامة في منزلنا ..”
و كتبت الصحف الألمانية بالبنذ العريض :
” درس آخر .. وأجمل فوز “
2001 الموعد في ميونيخ ضمن التصفيات المؤهلة الى مونديال ،2002 يومها انهزم الألمان بنتيجة ظل الإنجليز يحتفلون بها لسنوات، لدرجة أن مذيع “BBC” جو موتسون قال بالحرف:
“إنه أعظم انتصار لنا منذ الحرب العالمية”
إذ سجّل مايكل أوين ثلاثية في فوز إنجلترا 5-1 في مدينة ميونيخ في سبتمبر عام 2001، وتحدثت الغارديان عن أن الأسود الثلاثة صارت خمسة وألتهمت ميونيخ بأكملها، لكن الرد جاء بعد 9 أعوام وبالتحديد في ثمن نهائي مونديال 2010 عندما انهزم الإنجليز بأربعة أهداف لهدف في المباراة الشهيرة التي تخطت فيها تصويبة لامبارد خط مرمى مانويل نوير ولم يحتسبها الحكم، يومها عنوّنت يومية “بيلد” الألمانية بـ ( العدالة الإلهية إنه الثأر).
في إشارة لنهائي كأس العالم 1966
في 2013 واحتفالًا بمرور 150 عاما على تأسيس الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، لم يجد الإنجليز أفضل من الألمان ليشاركونهم هذه المناسبة الأسطورية، حينها أفسد أبناء المدرب يواكيم لوف حفلة الشاي الإنجليزية بهدف يتيم من توقيع المدافع بيير ميرتساكر، الآن وبعد 55 عاما من نهائي 1966، ستدخل إنجلترا ثمن نهائي يورو 2020 بصفتها الطرف الأضعف أمام الألمان ، هكذا تبدّل الحال خلال نصف قرن.
29/ 29 يونيو/حزيران 2021) ربع نهائي الأورو في لندن ، أنجلترا ألمانيا ، الصحف والمجلات والقنوات الرياضية و السياسية وحتى الوثائقية الكل يتحدث عن المباراة ، ضربوا عرض الحائط كل البروتوكولات المعمول بها من أجل الوقاية من الكوفيد .
وكان ساوثغيت واضحاً في رسالته للاعبيه قبل هذه المباراة ، حيث شدد على ضرورة التركيز على الحاضر وعدم التفكير بالماضي، وأشار إلى أن لاعبيه الشباب ولدوا في الألفية الجديدة، ولا يعرفون ما الذي فعله بيتر بونيتي في عام 1970 وما حدث في عام 1990 وما إلى ذلك
بداية اللقاء كانت بصافرات الإستهجان على النشيد الوطنى الألماني ، وأنتهى اللقاء بفوز الإنكليز ب2/0 وكان هذا الفوز بمثابة فك العقدة فهو الفوز الوحيد لإنجلترا على ألمانيا في دور خروج المغلوب بعد نهائي 1966.
رُغم أن إرث الألمان لا يُقارن بما قدّمه الإنجليز على مستوى كأسي العالم وأوروبا، ولا مجال للجدال في هذا، لكن الفيصل هنا ليس عدد الكؤوس المرفوعة أو الألقاب المحققة إذ يمتد الأمر إلى ما هو أكبر من ذلك ، فأحداث اليوم هي وليدة الماضي …

صفحة فيلسوف إيطالي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى