الاقتصاد المصري خلال النصف الثاني من القرن العشرين، 1952 – 2005
مصطفى العبد الله الكفري
استاذ الاقتصاد السياسي
بكلية الاقتصاد – جامعة دمشق
مر الاقتصاد المصري بعدد من المراحل منذ انتهاء العهد الملكي والتحول إلى النظام الجمهوري إثر قيام ثورة الضباط الأحرار في عام 1952 أهمها:
المرحلة الأولى – إعادة توزيع الدخل والثروة (1952 – 1960):
تميزت هذه المرحلة باتخاذ عدد من السياسات الاقتصادية تصب في اتجاه إعادة توزيع الدخل والثروة، من خلال تدخل الدولة الواضح في النشاط الاقتصادي، وكانت أبرز هذه السياسات قانون الإصلاح الزراعي في أيلول / سبتمبر 1952، واتباع سياسة التصنيع لاستيعاب مزيد من العمالة وإنشاء (المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي) وبدء الاستثمار الحكومي المباشر من خلاله في شركة الحديد والصلب عام 1954، ثم تأميم قناة السويس عام 1956. ومع تزايد تدخل الدولة بدأ الاتجاه للتخطيط عبر إنشاء لجنة التخطيط القومي عام 1957 بدلاً من مجلس الإنتاج القومي.
المرحلة الثانية – التخطيط الشامل (1960 – 1966):
يطلق عليها مرحلة التخطيط الشامل ومن أهم ملامحها التخطيط الاقتصادي القومي الشامل والتطبيق الاشتراكي، وتم البدء بأول خطة خمسية شاملة 60 – 1965 يرتكز تنفيذها على قطاع اقتصادي قائد تسنده عدة سياسات أهمها القوانين الاشتراكية وتحديد ساعات العمل والأجور وتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر والتدخل في تحديد الأسعار، وقد أسفرت تلك المرحلة عن تحقيق معدل نمو بلغ 38% خلال الخطة الخمسية.
المرحلة الثالثة – اقتصاد الحرب (1967 – 1973):
مرحلة تطور الاقتصادي المصري ومرحلة اقتصاد الحرب، حيث عانى الاقتصاد من مشكلة تمويل الخطة وكانت السياسات الاقتصادية تخدم الاستعداد لتحرير الأرض المصرية المحتلة، وزاد الإنفاق العسكري من 5.5% من الناتج المحلي في عام 1962 إلى 10% في عام 1967، ثم إلى20% في عام 1973.
المرحلة الرابعة – الانفتاح الاقتصادي (1974 – 1981):
تميزت بالانفتاح الاقتصادي وتم إحداث تحول جذري في النظم والسياسات الاقتصادية، وكانت أبرز ملامح هذه المرحلة التحول من نظام التخطيط المركزي الشامل، واستبداله ببرامج سنوية في شكل خطط متحركة، والاستعانة برأس المال العربي والأجنبي في تمويل التنمية وظهرت قوانين الانفتاح الاقتصادي، ومن أهم نتائج هذه المرحلة تحقيق معدلات نمو اقتصادي مرتفع وصل إلى 9.8% ولكنه كان مرتبطاً بالنمو في قطاع الخدمات أكثر مما هو مرتبط بقطاع الإنتاج.
المرحلة الخامسة – عودة التخطيط الشامل (1982- 1990):
مرحلة العودة للتخطيط القومي الشامل، ومواصلة السير في سياسة الانفتاح الاقتصادي وتشجيع الاستثمار، فقد شرع بتنفيذ مشروع وطني للتنمية الاقتصادية، وأطلقت الدعوة لعقد المؤتمر الاقتصادي في فبراير/ شباط عام 1982 لتحديد من أين وكيف تبدأ مسيرة التنمية في مصر؟
اتفق الخبراء الاقتصاديون والمتخصصون في هذا المؤتمر الاقتصادي على ضرورة إتباع إستراتيجية تنموية طموحة ومتواصلة من خلال الخطط الخمسية والتي بدأت عام 1982. وقد تم تحديد أولويات عملية التنمية في المرحلة الأولى كما يلي:
• بناء بنية تحتية أساسية قوية،
• جدولة الديون،
• تكثيف إجراءات التحول نحو اقتصاد السوق،
• إلغاء نظام التخطيط المركزي والاستعاضة عنه بأسلوب التخطيط ألتأشيري،
• إعادة النظر في أولويات الخطة،
• تقليص دور القطاع العام تدريجياً،
• التحول إلى القطاع الخاص مع الإبقاء على دور الدولة في إدارة الاقتصاد الكلي على نحو يكفل استقرار الأسعار والتوازن الخارجي والعدالة في التوزيع ومنع الاحتكار،
• الانتقال من مرحلة التصنيع من أجل الإحلال محل الواردات إلى مرحلة التصنيع من أجل التصدير.
تُعد السياسات الاقتصادية المذكورة أعلاه بداية مرحلة جديدة في الاقتصاد المصري، حيث انعكست آثارها على الخطة الخمسية الأولى (82 / 83 – 86 / 1987). (والتي تعتبر ثاني الخطط الثابتة بعد الخطة الأولى في 60 / 1964). نظراً لوجود عاملي الثبات والمرونة وما تضمنته من أهداف تفصيلية يمكن أن توصف بأنها خطة (واضحة الأهداف والأسس) كما كانت ذات طابع تطبيقي توزعت فيه الأهداف الإجمالية على الأنشطة الاقتصادية وعلى جهات الإسناد الرئيسية بحيث تصبح الجهات على وعي كامل بالأهداف المطلوب تحقيقها.
المرحلة السادسة – مرحلة الإصلاح الاقتصادي في مصر (1991 – 1997): مرحلة الإصلاح وتحرير الاقتصاد المصري:
بدأت هذه المرحلة منذ عام 1990 وهي مستمرة حتى الآن. وقد جاءت هذه المرحلة في إطار التحول إلى آليات اقتصاد السوق وتم اتخاذ عدة إجراءات لمعالجة الاختلالات النقدية والهيكلية ومن أهمها:
• تحرير سعر الفائدة،
• إصلاح وتحرير سعر الصرف،
• إنشاء سوق حرة للصرف الأجنبي،
• تنفيذ برامج للخصخصة وتحرير القطاع العام والتجارة الخارجية.
بذلت مصر خلال التسعينيات من القرن العشرين الجهد الكبير للتحول من الاقتصاد الموجه إلى الاقتصاد الحر مما أدى إلى تخفيض العجز في الموازنة وخفض معدل التضخم إلى أقل من 3% واستقرار سعر الصرف، بالإضافة إلى تحرير تجارتها والقضاء على قيود ومعوقات الاستثمار، وخصخصت أكثر من 50% من شركات القطاع العام، مما أدى إلى ارتفاع معدل النمو الاقتصادي السنوي إلى 5%.
خلال الفترة من عام 1991 – 1997 نجحت مصر في برنامج الإصلاح الاقتصادي وبدأ الاقتصاد المصري يحقق مزيد من النجاح مع أنه واجه بعض الصعوبات نتيجة التأثر بالاقتصاد العالمي منذ عام 1997 بسبب الأزمة الاقتصادية في دول شرق أسيا التي تسببت في دخول الاقتصاد العالمي في فترة من التباطؤ، فمنذ ذلك العام واجه الاقتصاد المصري مجموعة من التحديات تمثلت في:
• ارتفاع نسبة العجز في الموازنة،
• ارتفاع معدلات الائتمان،
• انخفاض عائدات البترول من النقد الأجنبي.
ورغم هذه التحديات استطاعت الحكومة المصرية السيطرة على عجز الموازنة من خلال العديد من الإجراءات الاقتصادية والإصلاحات التشريعية في مجال الضرائب والجمارك وبعض القوانين الاقتصادية الهامـة.
نعرض فيما يلي مسيرة التطور الاقتصادي في مختلف القطاعات خلال المرحلة السادسة مرحلة الإصلاح وتحرير الاقتصاد المصري:
إصلاح النظام الضريبي المصري: الذي تضمن العديد من الإجراءات المتعلقة بالضرائب والرسوم وبخاصة الضرائب على الدخل والضرائب على أرباح شركات الأموال وضريبة المبيعات والتعريفة الجمركية. والهدف من ذلك جذب الاستثمارات المباشرة المحلية والأجنبية، وبذلك تم تطوير شامل للنظام الضريبي، تتمثل أبعاده الأساسية فيما يلي:
• تسهيل عمليات الإنتاج والاستثمار.
• إتاحة موارد متواصلة من الإيرادات العامة.
• تشجيع نقل التكنولوجيا وتخفيض تكلفتها.
• تخفيف عبء التمويل على الشركات.
• تفعيل مبادئ العدالة الضريبية.
1 – الضرائب على الدخل: صدر قانون الضرائب رقم 91 لسنة 2005 ولائحته التنفيذية وهو يمثل نقلة نوعية ومنعطفاً جديداً في السياسة الضريبية المصرية، فيما يتعلق بتعامل الجهاز الضريبي مع الممولين. حيث تم تخفيض شرائح الضرائب إلى نحو 50 % أو أقل بحيث يستفيد منه المواطنون وكل من يعمل في مجال النشاط الاقتصادي.
2 – الضرائب على أرباح شركات الأموال: بهدف حفز الاستثمارات بجميع أنواعها، نص النظام الضريبي على منح شركات الأموال حزمة كبيرة من الإعفاءات الضريبية، وتأجيل استيفاء حق المجتمع في إخضاع دخول هذه الشركات للضريبة لمدد زمنية متفاوتة، تتراوح بين 5-20 سنة حسب الموقع الجغرافي، تخضع بعدها هذه الدخول للضريبة.
3 – ضريبة المبيعات: مع البدء بتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي في مصر، تم التحول إلى نظام الضريبة على المبيعات ليحل محل الضرائب النوعية على الاستهلاك. ولقد خضع نظام الضريبة على المبيعات لتطورات متعددة، أدت إلى استقرار ذلك النظام وترسيخ مفاهيمه داخل المجتمع.
4 – تطوير التعريفة الجمركية: صدر قرار وزير المالية رقم 10 لسنة 2006 المتضمن اللائحة التنفيذية لقانون الجمارك، وتم تجميع الإجراءات والتعليمات والتفسيرات كافةً في وثيقة واحدة لتكون المرجع الوحيد للتعامل مع الجمارك في كافة المنافذ المصرية، ويعد تبسيط الإجراءات الجمركية من أبرز عناصر برنامج الإصلاح الاقتصادي خلال المرحلة الراهنة عبر مجموعة من التعديلات الجمركية التي تهدف إلى:
أ – تبسيط هيكل التعريفة الجمركية.
ب – تشجيع الاستثمارات في ظل تخفيض الجمارك على الواردات من الآلات والمعدات وقطع الغيار.
ج – تحريك السوق وخفض الأسعار وتشجيع الصادرات.
د – رفع الكفاءة الاقتصادية عبر وصول السلعة للمستهلك بجودة عالية.
هـ – الحد من المنازعات التي قد تنتج عن كثرة فئات التعريفة الجمركية وخفض عدد فئات التعريفة من 26 فئة جمركية إلى نحو 5 فئات فقط، وتخفيض المتوسط العام للتعريفة الجمركية إلى نحو 9%.
إصلاح النظام المصرفي المصري: بدأت عملية إصلاح النظام المصرفي في مصر مع صدور قانون جديد في عام 2003، يمنح البنك المركزي المصري الاستقلالية الكافية لممارسة مهامه بحرية وكفاءة، وإجراء التعديلات اللازمة في السياسة النقدية بهدف زيادة موارد البنوك من النقد الأجنبي. وتولى الحكومة المصرية أهمية بالغة لبرنامج إعادة هيكلة البنوك والتوسع في عمليات الدمج وزيادة المساهمات الأجنبية في القطاع المصرفي حيث شهد هذا القطاع عمليات دمج واسعة خلال عام 2006، الأمر الذي أسهم في تحرير سعر صرف الجنيه المصري تجاه العملات الأجنبية وتنشيط حركة التعامل السوقي، وتحفيز وجذب المزيد من الاستثمارات لترتفع قيمة السيولة المحلية إلى نحو 560.4 مليار جنيه في حزيران / يونيو 2006.
سياسات الخصخصة في مصر: بدأت مصر منذ عام 1991 بتطبيق سياسة الخصخصة (بيع منشآت وشركات القطاع العام للقطاع الخاص)، ولم تعد الدولة هي المستثمر الوحيد وأصبح دورها يرتكز على التخطيط ألتأشيري والقيام بصورة مباشرة بتنفيذ الاستثمارات العامة الضرورية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والتي تتركز بصفة رئيسية في مشروعات البنية الأساسية.
وباعتبار سياسة الخصخصة مكوناً أساسياً من مكونات الإصلاح الاقتصادي، فقد استند برنامجها على آليات خاصة تستهدف تهيئة الاقتصاد المصري لعملية الخصخصة من خلال إعادة هيكلة المؤسسات الاقتصادية واستعادة التوازن المطلوب في المتغيرات الاقتصادية الأساسية مع اتباع سياسات أسهمت في فتح الباب أمام القطاع الخاص لتعزيز مشاركته في النشاط الاقتصادي. ومن أهم أهداف عملية الخصخصة في مصر:
• زيادة معدلات استخدام الطاقات المتاحة لشركات القطاع العام،
• توسيع قاعدة الملكية بين المواطنين،
• تخصيص عائد البيع لسداد مديونية البنوك،
• جذب واستقدام رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار،
• تنشيط سوق المال.
التجارة الخارجية المصرية وتشجيع الصادرات: ارتفعت نسبة اندماج الاقتصاد المصري بالاقتصاد العالمي خلال عام2005 / 2006 فزادت نسبة التجارة الخارجية (الواردات والصادرات) إلى نحو 60% من الناتج المحلي الإجمالي. وحققت الصادرات السلعية ارتفاعاً ملحوظاً بلغ نحو 16.60 مليار جنيه منها صادرات بترولية 7.10 مليار جنيه، كما بلغت قيمة الواردات السلعية نحو 27.87 مليار جنيه. كما شهد الفائض الجاري والتحويلات في العام نفسه زيادة تقدر بنحو 3.5 مليار دولار بالمقارنة مع فائض قدره 2.9 مليار دولار في العام السابق.
الصندوق الاجتماعي للتنمية في مصر:
يسعى الصندوق الاجتماعي للتنمية منذ إنشاءه عام 1991 إلى تنمية قطاع المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر وخلق وتوفير المزيد من فرص العمل وبخاصة لأصحاب المشروعات الصغيرة الجديدة ويوفر لهم الحزم الائتمانية والمساعدة الفنية ويعمل على إكسابهم المهارات المطلوبة للنجاح وإمدادهم بالمعرفة التكنولوجية سواء كانت مصرية أو دولية. ومن أهم أهداف الصندوق:
أ – خلق فرص عمل للخريجين الجدد والشباب المتعطل عن العمل،
ب ـ المزيد من الاستثمار في الخدمات ذات الطبيعة الاجتماعية والصحية والتعليمية والبيئية،
ج ـ إيجاد آليات من شأنها تحسين مستوى المعيشة وحماية الفئات المتضررة وتشمل المرآة والطفل وكبار السن،
د ـ إشراك الجمعيات الأهلية والتطوعية الخاصة في تنفيذ مشروعات تخدم الفئات المستهدفة،
هـ ـ تقوية الشراكة مع الجهات الحكومية وكل الأطراف الرئيسية الفاعلة في عملية صنع القرار.
أسهم الصندوق في إنشاء وتمويل أكثر من 510 آلاف مشروع صغير ومتناهي الصغر بتمويل حجمه 6 مليارات جنيه، وأوجد 1.2 مليون فرصة عمل، بالإضافة إلي 500 ألف فرصة عمل مؤقتة وفرتها مشروعات قطاع التنمية البشرية والمجتمعية بالصندوق.
وخطة الصندوق المستقبلية هي العمل على التوسع في منح القروض لتنمية المشروعات الصغيرة كأحد الآليات المهمة لمواجهة البطالة، حيث سيتم توفير جميع التيسيرات والحوافز لتشجيع إقامة وإنشاء الشباب للمشروعات الصغيرة. كما يقدم الصندوق لأصحاب المشروعات الصغيرة العديد من التيسيرات في مجالات التدريب ورفع مستويات المهارة وتسويق منتجاتهم من خلال إقامة المعارض داخل وخارج الجمهورية. ذلك لأن تطوير المنشآت الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر من أهم الموضوعات التي تشغل حيزاً كبيراً من قضية التنمية الاجتماعية والاقتصادية في مصر.
مشكلة الديون الخارجية: تعاني مصر من حجم المديونية الخارجية الكبير وخدمة الدين. وتسعى الحكومة جاهدة لمعالجة مشكلة الديون الخارجية، حيث بلغت قيمة الدين طويل الأجل في عام 2004 حوالي 31.09 مليار دولار.
التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري:
يواجه الاقتصاد المصري مجموعة من التحديات يحتاج للتعامل معها سواء على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي من أهمها:
– خطة للتنمية الاقتصادية: تهدف إلى تحقيق الأمن القومي وتلبية احتياجات المواطنين واستمرارية النمو، أي الخطة التي تحدث التوازن الصعب بين العناصر الثلاث ( الدفاع والاستهلاك والاستثمار )، فخطة التنمية الاقتصادية تتحدد أساساً ببلوغ عدد من معطيات التحديث، مثل زيادة الإنتاجية وتحقيق قدر من المساواة الاقتصادية والاجتماعية وترسيخ المعرفة الحديثة وتطوير المؤسسات الإنتاجية و الخدمية، كما عليها أن تحدث التوازن الدقيق بين مزايا الاندماج في الاقتصاد العالمي وبين مخاطر هذا الانفتاح وبخاصة على الصناعة الوطنية.
– هيكل الإنتاج الصناعي المصري: أصبح من الضروري إعادة تقييم هيكل الإنتاج الصناعي المصري على أساس المزايا التنافسية المبنية على المعرفة والتكنولوجيا. وعلى الصناعة المصرية أن تحدد أولاً الصناعات ذات الميزة النسبية في عوامل الإنتاج الأساسية. وهذا المحور هو نقطة البداية ولكن هذا لا يضمن الاستمرار أو التقدم، فهذه الصناعات يجب أن تتحول إلى مرحلة الابتكار، وهذا بالتالي يجعل الاختيار محكوما بمجموعة الصناعات التي لا تعتمد اعتماداً كبيراً على اقتصاديات الحجم (الصناعات الجلدية – النسيجية – الأثاث الغذائية الصناعات التعاقدية) ثم التحول إلى الابتكار من خلال الحصول على أفضل تكنولوجيا، من خلال تحالفات عالمية لإمكان توفير أساليب الاستثمار والإدارة والتسويق العالمية.
– مشكلة البطالة: تعد مشكلة البطالة في مصر من أهم التحديات أمام واضعي السياسات الاقتصادية وأمام المجتمع بأسرة، ويأتي التوسع في الاستثمارات وتشجيع مشروعات الخدمات في مقدمة السياسات لمعالجة مشكلة البطالة يليها الصناعات الصغيرة والحرفية، وسيكون للتكنولوجيا الجديدة تأثيراً على نمط الأعمال والمهارات المطلوبة من القوى العاملة، حيث سيتم إلغاء كثير من المهن وخلق مهن أخرى في مجالات جديدة وخاصة في قطاع الخدمات الذي سيستمر في التوسع لاستيعاب النمو المتوقع في القوى العاملة، ولكن التحول إلى مجتمع الاتصالات والمعلومات سوف يتطلب مجموعة لم يسبق لها مثيل من المهن والمهارات، لا يجوز بالتالي مقاومة التكنولوجيات الجديدة لأن ذلك سيؤدي على المدى الطويل إلى تدهور الصناعة المحلية والقدرة التنافسية.
– الخصخصة (التخصصية): يجب أن يتجه برنامج التخصصية أو الخصخصة في مصر أولاً إلى فك الاحتكارات العامة في مجال شبكات التوزيع والنقل والمواصلات والطيران والكهرباء والغاز وخدمات البريد وغيرها، وتحويلها للقطاع الخاص ( وهو أقدر في هذه الحالة على أدارتها بشرط عدم وجود احتكار) ثم الاتجاه بعد ذلك إلى المشروعات الصناعية الكبيرة، كما أن تحقيق نتائج ملموسة وسريعة في قطاع الخدمة عند تخصيصها سيخلق الثقة لدى الجمهور في عملية التخصصية برمتها ويحيي بالتالي تعاملات سوق المال بسرعة مما لا يتوافر بنفس القدر في حالة الصناعة.
لن يجدي نقل ملكية المصانع والشركات من الدولة إلى الأفراد إذا لم يقترن بتطوير الإدارة، فالرأسمالية الصناعية المصرية مازالت حديثة ولم تحدث بعد تراكمات رأسمالية كبيرة، وبالتالي فإن الإسراع في تخصيص منشآت الصناعة المصرية، يعني أن رأس المال الأجنبي مطلوب وخاصة في مجال نقل التكنولوجيا والخبرات الإدارية وفتح أسواق خارجية، ولكن بالقدر الذي لا يقضي على الرأسمالية المصرية مع التركيز في حوار التخصصية حول (إشكالية الإدارة). حيث يتم قياس مزايا وعيوب التخصصية في كل حالة بمقاييس الإدارة الجيدة.
إن سياسة تخصيص بعض المصارف الحكومية أكدت جدية الحكومة في إصلاح القطاع المصرفي، هذا كما أن جهود البنك المركزي في تعزيز المراكز المالية للبنوك سواء من خلال زيادة رساميلها أو من خلال تخفيض نسبة الديون المشكوك في تحصيلها كانت جهوداً موفقة.
– النهوض بمستوي معيشة المواطن: تقع مسئولية النهوض بمستوى معيشة المواطنين على القطاع الخاص والحكم المحلي، ولهما الدور الرئيس في عملية التنمية الحديثة، فاقتصاد السوق يقوم على دعامتين أساسيتين (القطاع الخاص والنظام اللامركزي للحكم المحلي)، ولا يمكن بالتالي أن تتحقق كفاءة وفاعلية دور القطاع الخاص في التنمية دون تطوير لنظام الحكم المركزي بما يشمل قطاعات التعليم والصحة وبعض أنواع الضرائب والإعفاءات كذلك في مجالات خدمات المياه والكهرباء والصرف الصحي.
– بنية الاتصالات والمعلومات: يبدو أن الاختراع والابتكار والإبداع أضحت الأسلحة الرئيسية للريادة الاقتصادية، وصارت المعرفة هي التي تحرك الاقتصاد، وهذا يتطلب نظام للاتصالات والمعلومات يربط أجهزة الدولة ومؤسساتها المختلفة كما يربطها بالعالم الخارجي وبنوك المعلومات الدولية، وهو ما أصطلح على تسميته (بالطرق السريعة الفائقة) حيث تقوم شبكة الاتصالات والمعلومات بمقام شبكات الطرق السريعة في عصر الثورة الصناعية وتمثل بالتالي (الجهاز العصبي الإلكتروني) لاقتصاد القرن الواحد والعشرين.
– الإدارة الاقتصادية الحديثة: تواجه الإدارة الاقتصادية المصرية تحدياً هائلاً في إعادة تشكيل عقليتها وإعادة توجيهها لتواكب فكر وديناميكية السوق العالمي. أن الإدارة هي ممارسة لنشاط فكرى عالي المستوى، فالذين يديرون المنشآت يجب أن يتميزوا بالمهارة والحذق في إدراك القضايا المعقدة وتحليل المشاكل وتقديم الحلول، وبالتالي فإن إدارة الأعمال في مصر يجب أن تسند إلى النخبة المتميزة في المجتمع، وعلى النظام التعليمي والاجتماعي أن يؤمن أحسن العقول المصرية في قطاع الأعمال والقطاع الحكومي على السواء.
– السياسة المالية: تحتاج السياسة المالية إلى جهود مضاعفة لتحقيق إنجاز أفضل فيما يتعلق بعجز الموازنة الذي حقق انخفاضاً من حوالي 9% إلى أقل من 7% لكن يظل المستوى الحالي يمثل نسبة مرتفعة ولها تأثيرها السلبي في المديونية العامة التي تعتبر بحد ذاتها مرتفعة. إن عبء خدمة المديونية العامة ممثلة بأسعار الفائدة على هذه المديونية تعتبر مرتفعة وقد تزيد على 15% من الإيرادات. إن الانخفاض البسيط الذي حصل في عجز الموازنة لا يبدو مطمئناً بشكل كبير حيث اعتمد على بعض الإيرادات غير المتكررة من خلال بيع بعض الأصول وقد يستدعي الأمر للوصول إلى تخفيض مستمر لعجز الموازنة إجراء إصلاحات في كل من جانبي الإيرادات والنفقات للميزانية.
– السياسة النقدية: كان للسياسة النقدية الدور المهم في استقرار سعر الصرف وإعادة هيكلة القطاع المصرفي وتعزيز المراكز المالية لبقية القطاع المصرفي، إلا أن هناك تحديات يحتاج البنك المركزي للتعامل معها بكفاءة خاصة في مجال مكافحة التضخم وتحقيق استقرار الأسعار والعمل على استمرار تحسين خدمات الوساطة المالية للقطاع المصرفي.
تعويم الجنيه المصري:
أصدرت الحكومة المصرية في بداية عام 2003 قراراً بتعويم الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي والعملات الأجنبية الأخرى، مما يعني أن خفضاً فعلياً كبيراً يمكن أن يلحق بالجنيه المصري تجاه العملات الأجنبية. وفي اليوم الأول للجنيه المعوّم شهدت السوق المصرفية تهافتاً كبيراً من جانب الأفراد، خصوصاً المسافرين لأداء فريضة الحج. ولبّت البنوك – في سابقة الأولى من نوعها منذ 12 عاماً – كل الطلبات التي انهالت عليها لشراء العملات الأجنبية. ووفقاً للمعايير الاقتصادية السليمة فإن النظام الجديد سيدفع حاملي الدولار إلى التخلص مما في حوزتهم، ما يؤدي إلى تدفق الحصيلة الدولارية للبنوك مرة أخرى، إلا أن سعر الدولار ارتفع في اليوم الأول لتطبيق القرار من 4.62 جنيه إلى 5.35 للشراء و5.39 للبيع، واعتبر مصرفيون هذا الارتفاع طبيعياً كونه بداية نظام جديد. إلا أن المخاوف من انهيار كبير للعملة المصرية سيطرت أمس على أوساط المواطنين العاديين الذين لا تعنيهم السياسات المصرفية، إلا فيما يمسّ حياتهم ومستوى معيشتهم المتدني أصلاً.
وكان قرار تعويم الجنية المصري مقابل الدولار قد ألزم شركات الصرافة بتحديد أسعارها وفقا للسعر الذي تقرره البنوك التجارية في هذا الصدد. وتلتزم البنوك التجارية في ظل الإجراءات الجديدة بإبلاغ البنك المركزي المصري كل ساعة عن التغير في أسعار الصرف.
أما الخبراء فتباينت تقويماتهم وتوقعاتهم للقرارات الجديدة. إذ رأى البعض أن الوقت غير مناسب لاتخاذ قرار تعويم الجنيه لأسباب عدة في مقدمها أن السوق تعاني من عدم توافر العملة الصعبة من خلال الجهاز المصرفي، بسبب الخلل في التوازن بين العرض والطلب، إضافة إلى ارتفاع الطلب في الفترة الحالية بسبب موسم الحج وازدياد الطلب على الدولار والريال السعودي.
يجب التركيز على عملية التوفيق بين النجاح في بعض المؤشرات الاقتصادية مثل ارتفاع معدل النمو وزيادة الاستثمارات وبين الإنجاز فيما يتعلق بالمؤشرات الاجتماعية مثل مستوى الفقر والبطالة ومستوى التعليم والخدمات الأخرى. على ضوء هذه المعطيات يبدو أن مصر تحتاج للتقدم في هذا الاتجاه التعامل مع مجموعة من الخيارات قد لا تكون خيارات سهلة.
الأول: كيفية تحسين مستوى معيشة الطبقات الفقيرة وترشيد الدعم لتخفيف عجز الميزانية.
الثاني: كيفية زيادة الإنفاق على مشاريع البنية الأساسية والاجتماعية وتخفيض العجز في الميزانية.
الثالث: كيفية القبول باستمرار التحسن في القوة الشرائية للجنيه دون الإضرار بتنافسية الصادرات المصرية والسياحية.
الرابع: كيفية رفع سعر الفائدة لمكافحة التضخم مع الحاجة إلى تخفيض أعباء تكاليف خدمة المديونية العامة.
الخامس: كيفية رفع سعر الفائدة لمكافحة التضخم مع الحاجة إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي.
وهذا يعني أن جهود الإصلاح في مصر يجب أن تؤدي إلى تحسين ملموس في مستوى معيشة الأفراد خاصة الطبقات الفقيرة وتخفيض مستوى الفقر والبطالة وتضييق الفوارق الطبقية وتقاسم أكثر عدالة لثمرات الإصلاح والانتعاش الاقتصادي بين فئات المجتمع المختلفة.
التحدي الحقيقي الذي يواجه الاقتصاد المصري:
ما هو التحدي الحقيقي الذي يواجه الاقتصاد المصري؟ هل يتمثل تقوية بنية الاقتصاد العيني من حيث تطوير هياكل الإنتاج، وتوجيهها نحو الصناعات والخدمات الحديثة عالية التقنية، والتوسع في الطاقة التصديرية للاقتصاد الوطني، والتوزيع الرشيد للمدخرات والاستثمارات بين القطاعات ذات العائد الإنمائي الكبير، وبعيدا عن القطاعات التي تقوم على المضاربة والربح السريع؟
أن نقطة الضعف في الوضع الاقتصادي الراهن والمستقبلي هي اتساع (فجوة الميزان التجاري) بين الصادرات السلعية والواردات السلعية، تلك الفجوة التي تصل أحياناً إلى نحو 9 مليار دولار في العام الواحد. وإذا كانت مصر تتمتع بفترة سماح محدودة خلال السنوات القادمة، من خلال تمويل هذا العجز بواسطة الصادرات غير المنظورة مثل دخل قناة السويس والدخل السياحي وتحويلات المصريين العاملين في الخارج وتدفق المعونات الأجنبية، فإن هذه المصادر متقلبة واتجاهها نزولي في المستقبل وبالتالي، فما لم يتم تقليص ” فجوة الميزان التجاري ” بتحقيق طفرة حقيقية في الصادرات السلعية من خلال تحسين بنية وهيكل وجودة الإنتاج، فإن مشكلة عجز الميزان التجاري قد تشكل مصدر تهديد للاقتصادي المصري، من خلال الضغط على سعر صرف الجنيه المصري وعلى احتياطيات النقد الأجنبي لدى السلطات النقدية المصرية، في ظل سياسات التحرير التجاري والمالي التي تسير عليها مصر.
خلاصة القول هنا إن مصر لم تعمل جدياً خلال الأعوام الماضية على تحسين أوضاع الاقتصاد العيني ورفع الإنتاجية وتحسين كفاءة توزيع الاستثمارات، ورفع الطاقة التصديرية، وتحسين رصيد وهيكل رأى المال البشري. كذلك ما يزال الاقتصاد المصري يسعى إلى الانتقال من مرحلة الإصلاح الاقتصادي إلى النمو والتنمية. وبالتالي فإن الرهان الحقيقي هو في تحقيق توازن دقيق بين نمو “الاقتصاد العيني، من ناحية، والتوسع في القطاع المالي (أسواق المال والخدمات المالية) من ناحية أخرى.
ويقتضي ذلك الاستمرار في السياسة الحذرة التي ينتجها البنك المركزي المصري في مجال السيطرة على حجم التوسع في الائتمان المصرفي ونمط توزيع محفظة القروض ومراقبة تحركات رؤوس الأموال الأجنبية قصيرة الأجل التي تدخل سوق المال المصرية. وكذا تطور مديونيات القطاع المصرفي بالعملات الأجنبية مما يحافظ على انضباط القطاع المالي وسلامة مؤشراته.
مصر ومشكلة عجز الموازنة:
أقر البرلمان المصري في منتصف أيار فرض رسوم جديدة وزيادات ضريبية على السيارات والمطاعم والسفر للخارج وخدمات الخلوي، مما أوضح أن مصر تعيش منذ سنوات في مستوى أعلى من إمكانياتها مع تزايد عجز الموازنة العامة الذي يتم تمويله بالدين الداخلي وهي مشكلة مستمرة للحكومة تتباين آراء الخبراء حول أساليب حلها.
وتؤدي الزيادة المضطردة في عجز الموازنة التي ترتفع بمعدل أكبر من الناتج المحلي الإجمالي إلى ازدياد عبء الدين الداخلي. وقد بلغ حجم هذا الدين حوالي 370 مليار جنيه (59,6 مليار دولار) في العام 2004 – 2003 من بينها 266 مليار جنيه ديون مستحقة على الحكومة مباشرة والبقية مستحقة على مؤسسات عامة. وبلغ حجم الدين الخارجي لمصر 28,7 مليار دولار في آخر حزيران 2003.
وبحسب الخبراء ومن المتوقع أن تظل موارد الدولة (الضرائب والجمارك والرسوم وأرباح الشركات العامة) أدنى من النفقات الجارية (الأجور ودعم السلع الأساسية وخدمات الدين وغير ذلك) مما يؤدي إلى تزايد حجم ديون الحكومة. وبذلك يبلغ الفرق بين الموارد والنفقات حوالي 20 مليار جنيه عام 2004 – 2003.
وتضطر الدولة بسبب الفرق بين الموارد والنفقات إلى الاقتراض لتغطية الاحتياجات الأساسية وهو ما يدعو إلى القول إن (مصر تعيش فوق مستوى إمكانياتها). وهذا يعني أن الدولة لم تعد تسهم في الادخار القومي بل إنها تسهم في (الادخار السلبي) بالاقتراض من مدخرات الأفراد والشركات للإنفاق على احتياجاتها على حساب الاستثمار.