أحوال عربية

علاقة سورية والجزائر.. تعاون يمتد عبر الزمن

الدكتور خيام الزعبي- جامعة الفرات

لا يمر يوم إلا ويتجدد الحديث حول علاقة سورية والجزائر، حيث سطر عام 2023 أحداثاً فارقة في تاريخ العلاقات السورية-الجزائرية، وشهد هذا العام زخماً جديداً على مختلف الأصعدة السياسية والاقتصادية يضاف لحجم العلاقات الثنائية التي تضرب جذورها أعماق التاريخ وبذلك تكتسي هذه العلاقات طابعاً خاصاً واستثنائياً من حيث عمق روابط الأخوة الصادقة التي تجمع البلدين، لذلك ينظر الشعبان السوري الجزائري الى هذه العلاقة على إنها لها أهميتها وعمقها وحيويتها الآن وفي المستقبل لأنه ليس في مقدورنا أن ننفصل عن تاريخنا وتراثنا وحاضرنا.

منذ بداية الحرب على سورية أدركت القيادة الجزائرية جيداً ما يحاك لدمشق، وكان لها طوال الأزمة مواقف متميزة على جميع الدول العربية، وحتى متعاطفة على نحو كبير مع الدولة السورية، وما تتعرض له من حرب مخطَّط لها مسبقاً، وكانت واعية ومدركة حجم التآمر على سورية، حتى إنها لم تسلم خلال السنوات الماضية من الانتقادات والهجمات والاتهامات، وحتى التهديدات بأن دور الجزائر سيأتي بعد الانتهاء من سورية تبعاً للتصريحات والمؤشّرات والتحليلات، التي كانت تكتبها الصحف العربية والأجنبية.

كما تنظر الجزائر إلى سورية على أنها ضمن “محور المقاومة”، وجزء من دول مجموعة “الصمود والتصدي”، والتي تشكّلت بعد حرب تشرين التحريرية التي شاركت فيها قوات جزائرية بحماس وقوة على جبهة القتال، وبالمقابل تعتبر الجزائر “إسرائيل” الإرهابية عدواً استراتيجياً، إذ إنها لم توقع حتى اليوم اتفاقية تطبيع معها، وبالتالي، فهي تنظر إلى سورية كحليف طبيعي في مواجهة العدو الصهيوني الإرهابي، كما أن الجزائر لا تنسى أن دمشق كانت بين أربع دول فقط لم تفرض التأشيرة على الجزائريين، عندما كانت بلادهم تعاني أزمة أمنية خلال سنوات تسعينيات القرن الماضي.

في هذا السياق وصل وزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى الجزائر حاملاً رسالة من الرئيس الأسد وقال في تصريح صحافي عقب وصوله إلى مطار الجزائر الدولي “مهما قلنا لا يمكننا وصف الدور المهم الذي تقوم به الجزائر على مختلف المستويات”، مضيفاً أن زيارته إلى الجزائر “للتعبير عن المشاعر امتنان سورية لوقوف الجزائر بجانبها، خاصة في الأحداث الأخيرة”، في إشارة إلى الزلزال المدمر الذي ضرب سورية مؤخراً.

وفي إطار التشاور المستمر يحرص رئيسا البلدين على دفع مسار العلاقات الثنائية والتنسيق المشترك لمواجهة التحديات التي تواجهها المنطقة، ومتابعة كافة قضايا الأمة العربية والتطورات الجارية على الساحة العربية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، والعمل على تحقيق الاستقرار السياسي في الدائرة العربية والإسلامية وتعطي الدولتان أهمية بالغة لمواجهة الجماعات الإرهابية في تلك المرحلة الفارقة من تاريخ المنطقة.

فليس جديدا أن أقول إن الدولتين ترتبطان بمسيرة طويلة من علاقات نمت وارتقت، لتتجاوز آفاق الأروقة الدبلوماسية والسياسية، إلى مصير مشترك ورؤية موحدة، وصولاً إلى مستوى غير مسبوق من التعاون فى كافة المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، تحت قيادة الرئيس الأسد والرئيس تبون.

وهنا أرى بأن هناك رؤية إستراتيجية موجودة في كل الأوساط الجزائرية وعلى أعلى المستويات، مفادها أن الجزائر المؤثرة في الإقليم، هي الجزائر التي يمكن أن تسهم في عودة الاستقرار مرة أخرى إلى منطقة الشرق الأوسط المضطربة كما إن هناك رؤية إستراتيجية ثابتة وهي دعم سورية في كل الأوقات وهو الذي يستطيع الآن أن يقيم توازناً جديداً في المنطقة وأن يحدث تغييراً مهماً في معادلة إدارة الصراعات، وعاملاً أساسياً في قيادة الدفة العربية مع نهوض سورية من جديد ، وإنطلاقاً من ذلك الجزائر هي دوماً الأقرب إلى سورية، والأقدر على فهم ما يجري فيها، انطلاقا من تجربتها التاريخية في النضال من أجل التحرر وحماية وإستقلالية القرار السياسي والوطني فيها.

مؤكد أن هناك من يزعجهم التحالف السوري الجزائري وطبيعى أن يعمل البعض لضرب الأخوة والصداقة، وليس مستغرباً إن هناك قوى تتربص لضرب العلاقات السورية الجزائرية وعزل سورية عن الصف العربي وفي مقدمتها الشقيقة الجزائر لأنها تدرك جيداً خطورة التقارب السوري الجزائري على مصالحهما الحيوية في المنطقة، وإنطلاقاً من ذلك كشف زلزال سورية عن الوجه الحقيقي لأوروبا والغرب عموماً وأثبت للعالم أن الغرب مهتم بالتدمير والحرب أكثر من اعتماده بالتعمير والبناء.

لكننا على ثقة تامة أن الشعبين السوري والجزائري قادران على تجاوز وتخطي أزمتهما ومحنتهما الراهنة بفضل تماسكهم ووحدتهم الوطنية، لأنهم يدركون جيداً دورهم في المنطقة العربية من خلال عودتهم لتبوأ موقعهم ومكانتهم العروبية والقومية في مواجهة كل المشاريع الامبريالية في المنطقة العربية الرامية الى تجزئة وتقسيم الأقطار العربية وتفتيت وحدة الانسان العربي من المحيط الأطلسي حتى الخليج .

واختم بالقول أن سورية والجزائر هما الأكثر قدرة وجرأة على جذب ودفع الآخرين نحو صياغة الحل العربي، بعد أن أثبت تاريخ العرب الطويل بأن محور دمشق والجزائر كان وما زال هو الفاعل المؤثر في الإقليم، والأهم من كل ذلك هو دور الجزائر لإستعادة سورية لمقعدها في جامعة الدول العربية التي تعتبر دمشق هي إحدى مؤسسيها، وبذلك تكون قوائم العمل العربي المشترك قد إكتملت بين دمشق والجزائر والقاهرة والرياض.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى