أخبارتقنيةفي الواجهة

اشارات مزيفة تخدع الطائرات

كاظم فنجان الحمامي

سوف نتناول في هذه المقالة ظاهرة التضليل والتشويش الالكتروني التي تركت تداعياتها السلبية هذه الأيام على أجواء العراق، ونتناول تأثيرها على حركة الطائرات المدنية (العراقية وغير العراقية) القادمة أو المغادرة أو العابرة، لكننا وقبل الخوض في صلب الموضوع نؤكد ان شركة خدمات الملاحة الجوية التابعة لوزارة النقل لا تتحمل وزر هذا التشويش، ولا علاقة لها به، ونؤكد أيضاً انه لا يشكل خطورة على سلامة الرحلات الجوية، لكنه يدخل ضمن المؤثرات المزعجة، ويُحسب من المنغصات الباعثة على القلق. .
لقد تحدثت الصحف الأوروبية عن هذه الظاهرة، وذكرتها منصات التواصل، ومنها موقع: (Simple Flaying) قبل بضعة أيام. آخذين بعين الاعتبار ان الطائرات المدنية المتنقلة بين آسيا وأوروبا تفضل عبور الأجواء العراقية، بعيداً عن الاجواء السورية والايرانية المحفوفة بمخاطر من نوع آخر. لكنها وجدت نفسها واقعة تحت تأثير التشويش على إشارة نظام تحديد المواقع (GPS) اثناء مرورها فوق بغداد، وفوق المناطق الشمالية، ما أدى إلى انحراف الطائرات عن مسارها. وهذه هي المرة الأولى التي تتعرض فيها رحلات الركاب لمؤثرات مجهولة المصدر تسببت حتى الآن في تعطيل عمل منظومة الملاحة، وإرباك عمل جهاز الطيار الآلي Auto Pilot، واضطرار الطائرات إلى الإعتماد على ATC، وتعني: Air Traffic Control، للمساعدة في تحديد موقعها الدقيق. .
نحن نعلم أن التشويش على نظام تحديد المواقع (GPS) أكثر شيوعاً، ويسهل التعرف عليه من قبل الطيارين، إلا أنه من الصعب إكتشاف إشارات التوجيه الخارجي، لأن أجهزة استقبال نظام تحديد الموقع (GPS) الخاص بالطائرة تتقبل الإشارات الخاطئة، وتسمح لها بتوجيه الطائرة وفقاً لقوة المؤثرات الخارجية. .
وأصدرت إدارة الطيران الفيدرالية (FAA) تحذيراً دولياً للرحلات الجوية فوق بغداد بسبب هذه المنغصات الخارجية. وذكرت التقارير العالمية انحراف أكثر من عشرين طائرة تجارية عن مسارها، كانت معظمها تحلق فوق إيران على مدى الأسبوعين الماضيين، وذلك بسبب إشارات GPS خادعة مُرسلة من الأرض. وقد تغلبت هذه الإشارات على أنظمة الملاحة الجوية وأثرت على طائرات متعددة، بما في ذلك طائرات بوينغ 737 و 777. .
وفي تقرير جديد لمجموعة OPS، تناولت فيه سلامة الطيران، ذكرت فيه تأثر طائرة من طراز بوينغ 777 بإشارات التشويش وانحرافها عن مسارها لدرجة أن الطاقم سأل مراقبة الحركة الجوية في بغداد: (ما هو الوقت الآن، وأين نحن ؟). وجاء في التقرير إن معظم الحالات العشرين حدثت في رحلات جوية على طول الطريق الجوي UMB688 في شمال العراق، وهو طريق جوي مهم بين الشرق الأوسط وأوروبا. وكادت طائرة رجال أعمال أن تدخل المجال الجوي الإيراني دون تصريح. .
ويعزا هذا الانحراف إلى تداخل إشارات التشويش مع إشارة نظام تحديد المواقع (GPS)، وهو نوع من الهجمات السيبرانية التي لجأت اليها القوى الدولية لتوجيه الأشخاص أو البضائع بعيداً عن المسار الصحيح. على الرغم من أن تداخل إشارة نظام تحديد الموقع (GPS) كان موجوداً منذ فترة طويلة، إلا أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استهداف رحلات الركاب التجارية إلى هذه الدرجة المعقدة. .
يحدث هذا التداخل عندما تتعمد محطة أرضية ارسال إشارة راديوية مزيفة إلى هوائي جهاز الاستقبال لتتجاوز إشارة القمر الصناعي المرتبط بنظام تحديد الموقع (GPS). الأمر الذي يضطر قادة الطائرات إلى طلب المساعدة من برج المراقبة الجوية لمعرفة مواقعهم الدقيقة. علما ان معظمهم لديهم قوائم مرجعية متعددة، وربما خضعوا للتدريب على كيفية التعامل مع التشويش. ومع ذلك، يتعذر عليهم اكتشاف الاشارات الخادعة لأن جهاز GPS لا يميزها، ولا يستطيع تجاهلها. ويتعين عليهم إعادة توجيه طائراتهم كلما شعروا بالانحراف. .
وقد أصدرت إدارة الطيران الفيدرالية NOTAM (إشعار جوي) للطائرات المحلقة فوق بغداد

ظاهرة تضليل الطائرات المدنية المحلقة الآن في أجواء العراق. تبين لي ان هجمات التزييف Spoofing Attacks التي تستهدف الطائرات تختلف عن التشويش على اجهزتها المخصصة لتحديد الموقع، والذي نطلق عليه: (GPS Jamming)، وله تأثير أقل على الطائرة بسبب وجود IRS، وهو (Inertial Reference System). .
وبالتالي فان تزييف الإشارات أو الـ (Spoofing) هو الاخطر عليها، لأن هذا النوع من الهجوم تشنه محطات أرضية مع سبق الإصرار والترصد، وقادرة على التحكم من بعيد بأجهزة الطائرة المرتبطة بنظام الملاحة العالمي عبر الأقمار الصناعية المعبر عنه بالاحرف (GNSS) وهذه الاحرف تمثل مختصرات العبارة التالية: (Global Navigation Satellite System)، ولا يختلف نظام (GNSS) في الطائرات المدنية عن نظام (GMDSS) في السفن التجارية مع بعض المتغيرات الطفيفة. .
اما كيف يتم التزييف ؟، فذلك عن طريق القرصنة الالكترونية بإرسال بيانات خادعة تتفاعل معها اجهزة الطائرة، فتستجيب لها بلا اعتراض. وبالتالي فان هجمات التزييف ضد نظام الملاحة العالمي المرتبط بالأقمار الصناعية، هي السبب الرئيس لخداع أجهزة استقبال المنظومات المعنية بخدمات الملاحة الجوية حول العالم، وذلك عن طريق بث إشارات مزيفة من جنس الإشارات الشائعة في الرحلات الجوية، وربما يلجأ الطرف المهاجم إلى تعديل اشاراته لكي يرغم اجهزة الطائرة (الهدف) على تقبل الاحداثيات الموقعية الخاطئة، وتقبل المسارات البوصلية المنحرفة، فيظهر موقع الطائرة المحلقة في اجواء البحر الأحمر وكأنها تحلق فوق مياه الخليج العربي، ويظهر مسارها البوصلي نحو الشرق وكأنه متجه نحو الغرب. .
نذكر أيضاً ان أحد أشكال هجمات التزييف تُعرف بهجوم الاختطاف، وتبدأ ببث إشارات متزامنة مع الإشارات الحقيقية التي تعمل عليها اجهزة الطائرة المستهدفة. ثم يصار إلى تعزيز قوة الإشارات المزيفة، بقصد التلاعب بارتفاع الطائرة ومسارها، وارغامها على الجنوح خارج طريقها المرسوم. .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى