إقتصادالجزائر من الداخل

التمويل الأخضر .. نشاط اقتصادي و مالي في تطور مستمر

ينقسم سوق التمويل المستدام حسب نوع المنتج إلى سندات خضراء، وسندات
مستدامة، وصكوك خضراء، وقروض مستدامة، واستثمارات مؤثرة، وغيرها. تعتبر
السندات الخضراء النوع الأكثر شيوعاً من منتجات التمويل المستدام، حيث استحوذت على
أكثر من 50 في المائة من السوق في عام 2022. تمثل القروض المرتبطة بالاستدامة ثاني
أكثر أنواع منتجات التمويل المستدام شيوعاً، تليها أدوات الاستثمار المؤثر، إضافة إلى
الصكوك الخضراء التي لا تقل أهمية كذلك في منطقتنا العربية.
السيدات والسادة الحضور،
يشمل التّمويل الأخضر مجموعة واسعة من الخدمات المالية، تتوزع بين خدمات مصرفية،
واستثمارية، وتأمينية. يشمل ذلك السّندات والصكوك الخضراء، والقروض ذات الآثار
الخضراء، وصناديق الاستثمار الأخضر، والتأمين ضدّ مخاطر تغيّرات المناخ، والمشتقات
المالية المرتبطة بمخاطر تغيّرات المناخ.
يمكن من خلال السندات الخضراء وصناديق الاستثمار المستدامة والأدوات المالية
المبتكرة، توجيه رأس المال نحو الطاقات المتجددة والتقنيات النظيفة والمبادرات التي تعزّز
العدالة الاجتماعية. كما يمكننا تعزيز التأثير وتسريع التقدم من خلال دعم الشراكة بين
الحكومات والشركات والمؤسسات المالية.

التمويل الأخضر والمستدام ليس مجرد مفهوم، بل هو منهج للانتقال نحو
عالم مستدام يتعلق بمواءمة الأنشطة المالية مع الأهداف البيئية والمجتمعية، وبتوجيه رؤوس
الأموال نحو مشاريع ليست مربحة فحسب، بل تعود بالفائدة أيضاً على البيئة والمجتمع ككل.
كما يعتبر الانتقال نحو التّمويل الأخضر والمستدام توجهاً استراتيجياً يربط القطاع المالي
بعملية التحوّل نحو اقتصادات منخفضة الكربون وذات الكفاءة في استخدام الموارد، حيث
يدعم انتقال تدفقات رؤوس الأموال إلى الشركات، وتعزيز الاستثمار في المشاريع الخضراء
والمستدامة، واستخدام التقنيات التي تساعد على انخفاض انبعاثات غاز ثاني أوكسيد
الكربون.
تتأثر الدول محدودة ومتوسطة الدخل بشكل غير متناسب بتأثير تغيرات المناخ، على الرغم
من مساهمتها المحدودة في زيادة مخاطر تغيرات المناخ، وغالباً ما تفتقر هذه الدول إلى
الموارد والبنية الأساسية والتقنيات الحديثة اللازمة للتكيف مع آثار تغيرات المناخ والتخفيف
من آثارها. إن تحقيق العدالة ينطوي على ضمان حصول هذه الدول على الدعم الكافي، ونقل
التقنيات الحديثة لبناء اقتصادات مرنة، والتكيف مع تغيرات المناخ.
يعكس النمو الملحوظ في حجم التمويل المستدام في أسواق المال العالمية الاهتمام المتزايد
بالتمويل الأخضر والمستدام. حيث تشير آخر الإحصائيات أن إجمالي حجم التمويل المستدام
على المستوى العالمي بلغ 391 مليار دولار أمريكي في عام 2022 ومن المتوقع أن يصل
إلى 1.4 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2028، بمعدل نمو سنوي قدره 19.2 في المائة
خلال الفترة 2022-2028. يعزى نمو سوق التمويل المستدام إلى أربعة عوامل رئيسة: (1)

زيادة الوعي بتغير المناخ والحاجة إلى الاستثمار المستدام، (2) السياسات الحكومية، (3)
تزايد الطلب على المنتجات والخدمات المستدامة، و(4) زيادة توافر المنتجات المالية
الخضراء والمستدامة.

من المتوقع أن يستمر سوق التمويل المستدام في النمو في السنوات القادمة، مدفوعاً بالعوامل
المذكورة أعلاه. كما أنه من المتوقع أن يشهد نمواً كبيراً في المنطقة العربية، حيث تتطلع
دول المنطقة إلى الاستثمار في مشاريع البنية التحتية المستدامة.

لعل من الأهمية تواجد النظرة الشمولية في مواجهة تحديات المناخ، حيث لا يمكن فصل
سياسات تعزيز التمويل المستدام ومواجهة مخاطر تغيرات المناخ عن قضايا أمن الطاقة، من
خلال التأكيد على تحقيق هدف حصول الجميع بتكلفة ميسورة على إمدادات الطاقة الحديثة
المنتظمة والمستدامة، لإتاحة الاستثمارات وإطلاق الابتكارات والصناعات التي تُعد
محركات لتوفير الوظائف والنمو الشامل للجميع والرخاء المشترك للاقتصادات بأكملها.
والتحذير من الدفع لتَبنّي سياسات مستعجلة أو غير واقعية – خاصة للدول النامية والمنخفضة
الدخل – لتخفيض الانبعاثات، من خلال إقصاء مصادر طاقة رئيسة أو إهمال الاستثمار فيها،
مما يؤدي إلى تحديات غير معهودة وأثر غير متكافئ على المجتمعات والدول منخفضة
الدخل.
ذلك أن استهداف مصادر الطاقة بدلاً من استهداف الانبعاثات الكربونية، يؤدي إلى تشوهات
في أسعار الطاقة، وما لها من انعكاسات على استقرار وأمن العرض والطلب على الطاقة،
بما في ذلك الوصول إلى مصادر الطاقة الموثوقة وميسورة التكلفة، والقدرة على الحفاظ
على البنية التحتية للطاقة وتحسينها، وهو ما يمثّل جوهر أمن الطاقة.
إن أمن الطاقة، والاستثمار في مجموعة واسعة من مصادر الطاقة، والدعم العادل للدول
الفقيرة، وتكامل التمويل الأخضر والمستدام، والاستجابة لتغيرات المناخ هي جوانب
مترابطة تشكل مشهد الطاقة العالمي. تدعم هذه العناصر مجتمعة التحول نحو مستقبل مستدام
قابل للإستمرار. يعتمد أمن الطاقة على استثمارات متنوعة في مجال الطاقة، وتحقيق
التوازن بين مصادر الطاقة المتجددة والمصادر التقليدية.
في الوقت نفسه، فإن توجيه الموارد المالية نحو المبادرات السليمة بيئياً يدفع إلى التحول إلى
اقتصاد منخفض الكربون. في خضم هذه المساعي، تصبح معالجة تغيرات المناخ ذات أهمية

قصوى، وخاصة في الدعوة إلى المعاملة العادلة للبلدان النامية والفقيرة، حيث تشكل هذه
العوامل الأساس لنهج شمولي نحو عالم أكثر اخضراراً وإنصافاً وقدرة على الصمود في
وجه تغيرات المناخ.
كما أن الاستثمار في مصادر الطاقة المتنوعة، بما في ذلك المصادر المتجددة
والتقليدية، أمر ضروري لضمان أمن الطاقة. كما يساعد بناء محفظة الطاقة المتوازنة التي
تتضمن مصادر الطاقة المتجددة إلى جانب المصادر التقليدية في تخفيف المخاطر المرتبطة
بانقطاع الإمدادات وتقلبات الأسعار واستنزاف الموارد، إضافة إلى أن تنويع الاعتماد على
مصادر الطاقة يعزز أمن الطاقة بشكل عام.
في العالم العربي، لدينا الموارد والخبرة والإرادة للانتقال نحو الاستدامة.
يمكننا تطوير تقنيات ونماذج أعمال مبتكرة تدعم الانتقال إلى اقتصاد مستدام، وتوفر فرص
عمل جديدة في مجالات مثل الطاقة المتجددة، وإدارة الإنبعاثات الكربونية من خلال التوجه
نحو الاقتصاد الدائري للكربون.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى