الحدث الجزائريفي الواجهة

إحتجاجات فرنسا.. هل بدأ حساب الجزائر؟

علي شندب
أربعة أيام على احتجاجات الغضب غير المسبوقة في فرنسا. هي أعنف
بكثير من أحداث مشابهة سبقتها وخصوصاً تلك التي حصلت عام 2005
زمن جاك شيراك ووزير داخليته نيكولا ساركوزي على خلفية سلوك
عنصري واضطهادي خطير ضد بعض المهاجرين الأفارقة.
تفسير ما يجري في فرنسا يُضاعف من حقيقة الأمر، فعبارات مثل “الحرب
الأهلية تخيّم على فرنسا، و “شعرة رفيعة جداً تفصل فرنسا عن الحرب
الأهلية”، أخذت تنطلق على ألسنة النخب الفرنسية التي ربما على أصحاب
الرؤوس الحامية منها الإستعانة بفقيه علم فبركة الثورات المسمومة برنار
هنري ليفي، علّه يسعفها ببعض وصفاته الشيطانية.
شرارة إحتجاجات الغضب المكنون وغير المكبوت، اندلعت على خلفية
إقدام شرطي فرنسي على إطلاق النار على فتى من أصول جزائرية بدم
بارد، وبدون مسوّغ أو مبرّر قانوني. وذلك بخلاف ما حاولت بعض
الأطراف العنصرية الفرنسية إشاعته، الأمر الذي عزّز من أوار نار
الغضب المشتعلة في صدور المحتجين الذين حوّلوا شوارع وساحات المدن
الفرنسية الأساسية وخصوصاً باريس الى كتل متناسلة من النيران التي
تلتهم كل ما تصله ألسنتها.
بدون شك، وككل احتجاج أومشروع ثورة، ثمّة من ركب موجة
الاحتجاجات العنيفة على مقتل نائل الجزائري الذي يشببه كثيرون بـ
“بوعزيزي فرنسا”، ونحن هنا لسنا بمعرض توصيف تفاصيل الإحتجاجات
وألسنة النيران التي لا تقوى عليها خراطيم المياه. ما نحن بصدد قوله، أنّ
مشروع إدماج المهاجرين الذي يعتبر مشروع أساسي لكل رئيس وحكومة
فرنسية، يعاني مأزقاً يهدّد كينونة فرنسا بعدما ثبت فشله. وما نحن بصدده

أيضاً، هو أن الجمهورية الخامسة تلفظ أنفاسها، خصوصاً إذا ما انزلقت
الأمور للحرب الأهلية، في ضوء تقييد الحكومة الماكرونية لمواقع التواصل
الاجتماعي ونزوعها باتجاه الحل الأمني، ما يدعو الحكومة الفرنسية فضلاً
عن النخب الفرنسية المنبثقة من كافة المكوّنات الفرنسية الشروع في إعداد
وثيقة تأسيسية للجمهورية السادسة تنطلق من المتغيرات الديموغرافية
والدينوغرافية فضلاً عن الفجوات الإجتماعية والإقتصادية في الواقع
الفرنسي.
بدون شك، يشكل التوتر السياسي العميق بين فرنسا والجزائر عاملاً أساسياً
في تزخيم الإحتجاجات. سيّما وأنّه يتملّك الجزائريون شعور عميق بأنّ
فرنسا لم تزل تكابر في معالجة الجراح العميقة للذاكرة الجزائرية، كما
وترفض الاعتذار عن استعمارها للجزائر ودفعها للتعويض اقتداءً بالسابقة
القانونية التي أرساها العقيد القذافي عندما أجبر إيطاليا على الاعتذار ودفع
التعويض عن فترة احتلالها لليبيا، وأيضاً عن عشرات آلاف المنفيين الذين
لقوا حتفهم في بحار ايطاليا ومنافيها وذلك حتى لا يتكرّر الاستعمار مرة
أخرى. إنها السابقة التي حتى لا تعتبر تدشيناً لعصر جديد في العلاقات
الدولية، دفعت دولاً اوروبية بزعامة فرنسا الساركوزية ومن خلفهم وأمامهم
الولايات المتحدة بهدف المسارعة في الإجهاز على ليبيا القذافيّة، حتى لا
تقتدي دول عربية وافريقية أخرى بها في المطالبة بالاعتذار والتعويض.
العلاقات المتوترة بين فرنسا والجزائر، وصفها الرئيس الجزائري
عبدالمجيد تبّون بأنها علاقات المشاكل. ولهذا فضّل روسيا على فرنسا.
وخلال زيارته موسكو منتصف الشهر الماضي الذي وللمفارقة كان الموعد
المقترح لزيارته باريس في ذات الوقت، لأنّ معسول الكلام الذي كان يبيعه
الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون للجزائريين، سرّع خطوات الرئيس تبّون
باتجاه التعجيل بطلب انضمام بلاده لمنظمة البريكس خلال لقائه الرئيس
الروسي فلاديمير بوتين. ومن موسكو أطلق تبّون مواقف نوعية وخطيرة

استفزت ماكرون والادارة الفرنسية لأبعد الحدود، خصوصاً لدى تخشين
صوته بالقول “أنه يريد العلاقات الندية، أي الندّ للند”ّ. وبدا تبّون مباشراً في
تهديده ووعيده لفرنسا دون أن يسميها بالقول “اللي يمسّنا، نمسّه”.
لكن الصلية الخطيرة التي سدّدها تبّون لفرنسا، كانت في المرسوم
الجمهوري الذي أصدره ويقضي باعادة الفقرة الثالثة من نشيد الجزائر التي
تتوعد فرنسا بدفع الحساب. وقد فعل هذا المرسوم فعله ليس في الشعب
الجزائري والمهاجرين الجزائريين خاصة فحسب، وإنّما في الشعوب
العربية عامة والفلسطيين على وجه الخصوص. تماماً كما فعل هذا النشيد،
فعله المعاكس في الحكومة والبرلمان الفرنسي الذين أرغوا وأزبدوا تجاه
إعادة هذه الفقرة التوعدية لفرنسا الى النشيد الرسمي للجزائر.
ربّما على الغرب عامة وفرنسا بنخبها الفكرية والسياسية خاصة، أن يعمدوا
لإجراء المراجعات العميقة تجاه السلوك الإستعماري والإستعلائي الذي لم
يغادر تفكيرهم البتة، وأن يركنوا الى الإقتناع بأنّ القنبلة البشرية العربية
والمسلمة ربما ستكون أشد فعالية من قنابل الموت والدمار القائمة على
استعباد الشعوب والسطو على ثرواتهم ومقدراتهم كما يحصل في بلادنا
العربية والافريقية، فيقلعوا عن التفكير بالإستعمار مرّة أخرى، ويدفعوا
التعويض ويقدموا الإعتذار عن ماضيهم الاستعماري الأسود والملطخ بدماء
العرب والمسلمين، ليؤسّس على هذا الاعتذار والتعويض فيما لو أقدموا
عليه، إرساء قيم الأنسنة والسلام الحقيقي والتنمية للجميع والتي يحتاجها
العالم المهدّد في وجوده، كما في لقمة خبزه..
وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى