دراسات و تحقيقاترياضةفي الواجهة

أسرار دولة الألتراس

ا. د. محمود محمد علي
في هذه الورقة نحاول أن نكشف عن حقيقة فلسفة الألتراس”Ultras Philosophy of، والهوية الحقيقية لتلك الحركات، حيث نجيب هنا عن التساؤلات المطروحة حول نشأة الألتراس، وتطورهم، وانتماءاتهم، ومصادر تمويلهم، وعلاقتهم بالمجتمع المصري، ومستقبلهم؟.. وهل الألتراس تمثل حركات رياضية؟، أم سياسية؟، أم إرهابية؟.
وهنا يمكن القول بأن ظاهرة الألتراس قد شغلت الرأي العام العالمي منذ تبلورها وظهورها كأحد أشكال تطور حركة التشجيع الرياضي داخل ملاعب كرة القدم الأوروبية في النصف الثاني من القرن العشرين, وانتقال عدواها إلى مجتمعاتنا وملاعبنا العربية في مطلع الألفية الثالثة وبروزها في المجتمع المصري في الآونة الأخيرة, حيث أثارت جدلاً كبيرًا جعل من دراستها ضرورة وأهمية قصوى من أجل فهمها والتنبؤ بمستقبلها ومحاولة التحكم في حركتها.
وكلمة ألتراس هي كلمة لاتينية تعني الشيء الفائق أو الزائد، وهي فئة من مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها، وتتواجد بشكل أكبر بين محبي الرياضة في أوروبا وأمريكا الجنوبية، وحديثا في دول شمال إفريقيا. أول فرقة ألتراس تم تكوينها عام ١٩٤٠ بالبرازيل، وعرفت باسم تورسيدا Torcida ، ثم انتقلت الظاهرة إلى أوروبا،وبالتحديد إلى يوغوسلافيا عام ١٩٥٠، ثم كرواتيا، وبالتحديد جمهورHajdukSplit ، الذي كان أول من أدخل هذا النوع .
ويعد “الألتراس” تجمعاً لأشد معجبي فريق معين، ويهدف لتنظيم وتأطير تشجيع فريقهم المفضل، وكان أول ظهور لتلك الظاهرة خلال ثلاثينيات القرن الماضي في البرازيل، ثم انتقلت إلى باقي دول أميركا الجنوبية، وانتقلت بعد ذلك إلى أوروبا، وتمكنت التجربة الإيطالية التي انطلقت في بداية الخمسينيات من منح الظاهرة زخماً جديداً، حينما شرعت مجموعات من مساندي بعض فرق كرة القدم العريقة بإنشاد أغان حماسية على أنغام الطبول مع التلويح بأعلام الفرق، ومع مرور الوقت، أصبحت تلك الظاهرة أكثر تنظيماً عبر ظهور قواعد تأطيرية جعلت من “الألتراس” فريقاً موازياً للنادي الذي يشجعه، يضم لجاناً مختلفة في شكل مجموعات وله موازنة خاصة.
وتميل هذه المجموعات إلى استخدام الألعاب النارية، أو الشماريخ، كما يطلق عليها في دول شمال إفريقيا، وأيضا القيام بالغناء، وترديد الهتافات الحماسية؛ لدعم فرقهم، كما يقومون بتوجيه الرسائل إلى اللاعبين. وتقوم هذه المجموعات بعمل دخلات خاصة في المبارياتً الهامة، وكل ذلك يضفي بهجة وحماسا على المباريات الرياضية، وخاصة في كرة القدم.
بدأت ظاهرة الألتراس في الدول العربية من خلال دول المغرب العربي، بداية من نادي الإفريقي التونسي، الذي شهد تأسيس أول ألتراس تحت مسمى ،الأفريكان وينرز، في عام ١٩٩٥ ، ثم انتقل الأمر إلى باقي الأندية التونسية، مثل نادي الترجي التونسي الذي يضم ثلاث مجموعات ألتراس، هي: المكشخين – السوبراس- والبلود آند جولدي، وانتقلت الفكرة بعد ذلك إلى المغرب، حيث يضم أكثر من ٥٠ مجموعة ألتراس تتقدمهم مجموعة ،الوينرز winners ، التي تشجع فريق الوداد، و“الجرين بويز “التي تشجع فريق الرجاء البيضاوي).
وفي مصر تأسس أول ألتراس في ٢٠٠٧ وهو ألتراس وايت نايتس المنتمي لنـادي الزمالك وفي نفس العام تأسس ألتراس أهلاوي المنتمي لنادي الاهلي وتـبعهم بعد ذلك باقي روابط الألتراس للأندية المصرية، وكانت روابط الألتراس في البداية تهتم بالرياضـة فقـط وخصوصا مباريات كـرة القـدم ثم باقي اللعبات الجماعية .
ولم يظهـر لهم اي انتماء سياسي أو تدخل في الشأن العام ، وفي البداية رحب الجميع بهذه الظاهرة لما ادخلوه من طرق جديدة في التشجيع وخصوصا ما يطلق عليه الدخلات وهي رسالة تظهر كل بداية مباراة تغطي مدرجات كاملة .
وبرغم أن الألتراس من مشجعي الفرق الرياضية تعتبر ظاهرة حديثة على حياتنا ومنذ نحو 12 عاما فقط، على سبيل التقليد الرياضي القديم عالميا ، إلا أن هذا التقليد دخل إلى بلادنا منتقصا من الروح الرياضية التي نحتاج تدعيمها بإيجابية، فجعل بعض المستغلين لهذه الطاقة الشبابية، لتوظيفها في الأعمال السياسية والتدميرية في داخل الوطن ، والتي ظهرت جيدا في أحداث العنف التي ساقت إليها الجماعة الإرهابية ورجال أعمال، عندما اعتمدوا في حملاتهم الانتخابية على تلك التجمعات من الالتراس، ثم شكلت رياح “الربيع العربي” نقطة فارقة في واقع “الألتراس” التي أصبحت منذ العام 2011 تعتمد خطاباً سياسياً، وباتت تحوي في معظمها منذ ذلك الحين رسائل سياسية تضم مطالب معينة، وتنتقد الأوضاع الاجتماعية.
وقد بدا هذا واضحا من خلال مظاهر التعصب الشديد فـي إحدى مباريات كرة السلة بين فريقي الاهلي والزمالك، حيث قام أفراد مـن ألتراس الأهلي بحرق مشجع من مشجعي الزمالك، وهو ما مثل صدمة قوية للجميع، خصوصا أنه تصرف غير مسبوق ويعبر عن تعصب مبالغ فيه إذا استمر سيؤدي إلى نتائج لا يمكن توقعها .
واستمرت حالة الشد والجذب بين المجتمع والرياضيين والاعلاميين والشرطة من جهة وبين روابط الألتراس من جهة اخرى فالبعض يحاول استمالتهم وكسبهم والاخر يهاجهم هجوم عنيف، إلى أن قامت ثورة ٢٥ يناير (المنكوبة) فكانت روابط الألتراس جزء من الميدان وعنصر رئيسي في تأمينه ، حيث كان لهم دور فعال في يوم موقعة الجمل .
إلى أن كانت الحادثة المفجعة في بورسعيد بعد انتهاء مباراة المصري البورسعيدي والاهلي والتي راح ضحيتها حوالي ٧٢ شاب من مشجعي الأهلي والمنتمين لألتراس أهلاوي، وما تبعها من القبض على بعض جماهير المصري وصدور حكم بإعدام ١١ شخص وكان وقت صدور الحكم هناك اعتصاما لرابطة أولتراس جرين ايجلز المنتمية للنادي المصري البورسعيدي أمام سـجن بورسعيد وهو ما أدى لحدوث اشتباكات أدت الى مقتل ٥٣ شخصا من بورسعيد .
وعلي إثر ذلك توقف النشاط الرياضي في مصر بعد حادثـة بورسـعيد ثم عاد مرة أخـرى بدون جمهور عدا بعض المباريات وعندما قررت الدولة السماح للجماهير كانت أول مباراة بين الزمالك وانبي في استاد الدفاع الجوي وقبل المباراة حدثت اشتباكات أدت إلى مقتل عشرون من جماهير الزمالك وتوقف النشاط الرياضي مرة اخرى ثم عاد بدون جمهور، واستمر بدون مع دخول جائحة كورونا التي أدت إلى التباعد والعزل ، ثم رجعت في بداية افتتاح الدوري المصري في أواخر أكتوبر 2021.
ومن الملاحظ أن حركة الألتراس المصرية قد بدأت بوجه رياضي مبهر, لكنها بمرور الوقت تحولت إلى وجه عنيف قبيح, ولم تتوقف عن تبديل وجهها باستمرار فنجدها تنخرط في حركة اجتماعية احتجاجية أثناء الثورة مطالبة بالعيش والعدالة الاجتماعية, ثم مبرزة لوجه سياسي بمشاركتها في التظاهرات المطالبة بالحرية وإسقاط النظام, هذا بخلاف الوجه العنيف الذي برزت فيه كميليشيا مسلحة تتبادل العنف مع الأجهزة الأمنية، وهذه الوجوه والأدوار التي أبرزتها حركة الألتراس كانت تتبدل وتتغير باستمرار فالحركة التي بدت ذات شكل رياضي خالص في البداية بدأت تتنقل إلى أشكال أخرى اجتماعية وسياسية حيث تتمدد أحيانًا وتتبدل وجوهها وتتقمص أدوارًا جديدة بفعل الحراك الشعبي والجماهيري والمجتمعي بشكل عام, وفي أحيان أخرى تنكمش وتتراجع عن هذه الأدوار وتكتفي فقط بالوجه الرياضي في حالة استقرار المجتمع والشعور بالخطر الداهم الذي يمكن أن يهدد وجودها.
وتستخدم مجموعات الألتراس، مصطلحات خاصة بها لا يفهمها إلا أعضاء الألتراس، من بينها مصطلحي الباتش Batch ، أي “اللوجو” الخاص بالألتراس، وهو ً عبارة عن لافتة كبيرة يصل طولها إلى ١٠ أمتار أحيانا، تحمل شعار المجموعة وألوان الفريق. ويتم اختيار الشعار بعناية من قبل الأعضاء، ويعلق بالمدرجات للتعريف بهم. وهناك مصطلح التيفو Tifo ، وهي كلمة إيطالية تعني ” المشجع”، وهي عبارة عن دخلة ًتقوم بها مجموعة الألتراس لتعبر عن رأي أو فكر، وغالبا تكون في بداية المباراة .
وللألتراس أربعة مبادئ:
المبدأ الأول : عدم التوقف عن التشجيع والغناء طوال التسعين دقيقة من عمر المباراة أيا كانت النتيجة. ويقود التشجيع عادة قائد تشجيع «كابو – Capo » والذي يكون مسئولا عن اختيار الأغاني والهتافات وتوقيتها وحركات الأيدي والتشكيلات وعادة ما يخصص بالاستادات مكان مرتفع للكابو ليتمكن المشجعون من متابعته والالتزام بتعليماته أثناء سير المباراة، ولا تتوقف مجموعات الألتراس عن الغناء أثناء خسارة فريقها حتي بنتيجة ثقيلة فتشجيع الفريق واجبة للحفاظ علي هيبة اسم النادي ومكانة وقوة مدرجاته، ولإبراز الوفاء المنقطع النظير.
المبدأ الثاني : لا يجلسون طوال المباراة عدم الجلوس نهائيا أثناء المباريات: مجموعات الألتراس تحضر مباريات فريقها لهدف واحد فقط التشجيع والمؤازرة المتواصلة حتى صافرة نهاية المباراة، لا يذهبون من أجل متعة الفرجة والمتابعة اللذين يعدونهما من أفعال المشجعين العاديين غير المنتمين للألتراس، وفي الغالب يقضي أفراد المجموعة أغلب أوقات المباراة ظهورهم للملعب منهمكين في التشجيع والغناء فالاستاد بالنسبة لهم مكان للتشجيع فقط لا غير!
المبدأ الثالث : الترحال لحضور جميع المباريات الداخلية والخارجية أيا كانت التكلفة والمسافة: يعتبر الترحال «أو التنقل كما يطلق عليه في دول الشمال الأفريقي» خلف الفريق إحدى الواجبات الأساسية لمجموعات الألتراس والتي تقوم بتنظيم وحشد الجماهير لحضور المباريات خارج مدينة الفريق مستخدمة أرخص وسائل النقل، وتقوم مجموعات الألتراس بعمل cortege موكب أو مسيرة تضم أفراد المجموعة خلف الباشbatch أو اللافتة التي تحمل اسم وشعار المجموعة لإعلام أهل المدينة الأخرى أن لفريقهم مشجعين أقوياء يسافرون خلف فريقهم في أي مكان وأيا كانت التكلفة كما تساعد أيضا على زيادة شعبية الأندية وانتشار ثقافة الألتراس وحب كرة القدم بوجه عام.
المبدأ الرابع : الكورفا سود الولاء والانتماء لمكان الجلوس في الاستاد: لما كانت مهمة مجموعات الألتراس التشجيع وليس متابعة سير المباريات فكان لزاما عليهم اختيار منطقة مميزة داخل المدرجات يبتعد عنها المشجعون الكلاسيكيون وتنخفض فيها أسعار التذاكر، المنطقة العمياء أو الكورفاCurva بالإيطالية والفيراجVirage بالفرنسية هي ذلك المنحني خلف المرمي الذي اختارته مجموعات الألتراس ليكون مكانا خاصًا للتشجيع والمؤازرة وتعليق الباش Batch أولافتة المجموعة التي عادة ما تحمل اسم وشعار المجموعة وتحمل أكبر من ذلك «شرف المجموعة نفسها»، وتنقسم الكورفا إلي كورفا نورد Curva Nord أو الكورفا الشمالية والكورفا سود Curva Sud أو الكورفا الجنوبية… وللحديث بقية ..

نعود وننهي حديثنا عن قراءتنا الفلسفية لأسرار دولة الألتراس، حيث نقول: وهناك مصطلح روح الألتراس Spirit Ultras ؛ حيث تعتقد مجموعات الألتراس حول العالم في وجود ما يسمى بروح الألتراس، وهي روح يولد بها أعضاء الألتراس، ولا يكتسبونها مهما حدث، ويصفونها بأنها ” تلك الروح المقدامة المثابرة، العاملة في صمت وجهد؛ لتحقيق أهداف عظيمة، لا يتم إنجازها إلا إذا انصهرت أرواح أفراد المجموعة في كيان واحد تحت علم ناديها”، ضد الجميع من وسائل الإعلام التي تهاجمهم، ولذا تطلق ً باستمرار، وضد الفرق المنافسة، وأحيانا ضد المخربين من أبناء النادي أنفسهم مجموعات الألتراس على نفسها “خط الدفاع الأخير”، الذي يدافع عن كرامة واسم النادي الذي ينتمون إليه، ويحملون على عاتقهم الحفاظ على الصورة المشرفة لجماهير ذلك النادي الذي عشقوه وترجموا هذا العشق بأفعال يشهد الجميع بها.
ومجموعات أولتراس عادة ما يكون لها ممثل يتولى الاتصال مع أصحاب الأندية على أساس منتظم، ومعظم هذه الاتصالات تكون من أجل التذاكر، وتخصيص مقاعد معينة بمكان جلوس المجموعة أو ما يسمى الانعطاف أو (الكورفا أو الفيراج)، وأماكن لتخزين الأعلام والرايات (الدخلات في تونس و الجزائر والطلعات في المغرب). بعض النوادي توفر للأولتراس أرخص التذاكر وغرف تخزين اللافتات والأعلام، والوصول المبكر إلى الملعب قبل المباريات من أجل الإعداد للعرض. غير أن بعض المشجعين الذين لا ينتمون للأولتراس ينتقدون هذا النوع من العلاقة. وينتقد آخرون الأولتراس لعدم الجلوس على الإطلاق خلال عرض المباريات وإشهار الرايات والأعلام، حيث يمنع ذلك رؤية المباراة من قبل المشجعين الذين يقفون وراءهم. انتقد آخرون الأولتراس لقيام بعضهم باعتداءات جسدية أو تخويف من لا ينتمي للأولتراس.
وتعتمد مجموعات الألتراس على التمويل الذاتي من خلال بيع منتجات الألتراس مثل تي شيرت “، والإيشاربات، والقبعات …إلخ، ولا يجوز بأي حال من الأحوال أن تقبل ُ الألتراس أي إعانة من أي مصدر. أما مسألة عضوية الجماعة فتتم حينما يفتح باب العضوية سنويا ويحصل العضو على اسم ورمز يتم تسجيلهما على بطاقة، وحينما يكون العضو منضما لمجموعة فإنه يتم تسجيل اسم ورمز المجموعة أيضا على بانر (يطلق عليه باتش) رسمي خاص بالمجموعة.
ولا يوجد لمجموعات الألتراس رئيس بعكس جميع أنواع روابط التشجيع، بل تتكون من مجموعة من المؤسسين الذين سرعان ما ينزوي دورهم بعد أن تصبح المجموعة قادرة علي الوقوف علي أرض صلبة، ويدير العمل داخل الألتراس مجموعات عمل صغيرة الـTop Boys والتي تختص كل منها بتنظيم أنشطة المجموعة من تصميم وتنفيذ اللوحات الفنية وقيادة التشجيع داخل المدرجات وتنظيم الرحلات والإشراف علي مصادر تمويل المجموعة والتي يتسابق فيها أفراد الألتراس لتقديم كل إمكانياتهم وخبراتهم في الحياة العادية لخدمة المجموعة ولإنجاز العمل المكلف به علي أكمل وجه.
وتنظم الألتراس العديد من الحملات للمطالبة بحق تقرير المصير في قضية الجلوس الإلزامي للمشجعين أثناء المباريات، وضد الارتفاع الملحوظ في أسعار تذاكر المباريات والتي عانت منه جميع طوائف المشجعين وحتي في مصر التي أصبحت أسعار التذاكر فيها علي حسب مزاج الأندية ترتفع وتنخفض بدون سابق إنذار، كذلك انتشار استوديوهات التحليل في القنوات الفضائية والتي تنقل تحليلات ومناقشات للمباريات وتري مجموعات الألتراس خطورتها الكبيرة علي جماهيرية كرة القدم لتتحول من مباريات جماهيرية لبرامج ترفيهية منزلية تافهة تدفع المشجعين للمكوث داخل منازلهم والابتعاد عن مناصرة أنديتهم داخل المدرجات، لتخسر تلك الأندية الدعم المباشر من قبل مشجعيها والتي تري مجموعات الألتراس أنهم أساس اللعبة وأن كل ما يتعلق بالرياضة هو ملكية خاصة صنعت لمتعتهم وترفيههم ويقول جون كينج الصحفي الامريكي: «وسائل الإعلام المختلفة لا تعير اي اهتمام لعنصر الجمهور في لعبة كرة القدم رغم أنها بدون الجمهور لا شيء.. إنها تعبر عن الإخلاص والانتماء والذي بدونه ستكون كرة القدم عبارة عن 22 لاعبًا يركضون داخل قطعة أرض خضراء يضربون الكرة بالشلوط. يا له من شيء ممل حقا.. الجماهير هي التي تجعل من هذا الشيء الممل شيئا يستحق المشاهدة».
وتعتبر هذه الحملات وثقافة الألتراس بوجه عام إحدي الأسباب الخفية في هجوم وسائل الإعلام المختلفة علي مجموعات وفكر الألتراس الذي يتعارض بشكل أو بآخر مع مصالح القنوات الفضائية وما تقدمه من تحليل قبل وبعد المباريات والتي تجني عن طريقه أرباحا خرافية مستغلة شعبية كرة القدم.
والسؤال الآن: متي دخل الألتراس الدولة المصرية ؟
دخل الألتراس الدولة المصرية عن طريق جماهير الأهلي، حيث أرخ أعضاء جروب ألتراس أهلاوي بدايتهم كالمعتاد في عالم الألتراس بظهور أول بانر رسمي عليه شعار واسم الجروب، وفى حالة ألتراس أهلاوي كان هذا التاريخ فى ١٣ ابريل ٢٠٠٧، في المباراة ضد إنبى، فى بداية الدوري عام المصري. وحينما تم عمل بانر ً وتم رفعه فى مباراة الإسماعيلي وانبى، وتحديدا في ٢٧ أكتوبر ٢٠٠٧،أُعتبر هذا التاريخ ًعيدا رسميا لإنشاء الألتراس الإسماعيلي، والذى أضاف قيما كثيرة لحركة الألتراس المصرية، فكان أول من قام بعمل “بايرو شو”، وأضاف فى رسوم الدخلات، وكان صاحب أول cd تجارى لأغانى الجروب، وكان أول جروب يقوم بعمل عضويات للمنتمين له، فى إطار معرفة أعدادهم الفعلية وتنمية الموارد بجمع اشتراكات، كما كان أول جروب قام بعمل نظام فعلى داخل أركانه، واعتمد على فكرة اللجان المتخصصة وتحديد مهام كل فرد داخل الألتراس، كما كانوا أصحاب أول فكرة لإقامة “ستاند” للكابو في مصر، وهو أول جروب في مصر يهتم بالقضية الفلسطينية بإحياء ذكرى النكبة الـ٦٠؛ حتى أن الصيغة التعريفية التي طرحها الجروب لنفسه وقوانينه تم نسخها في العديد من المجموعات الأخرى، وقد رفعوا ً رموزا ثورية مثل جيفارا وأعلام فلسطين.
ومن هنا جاء الربط بين الانتماء وكرة القدم فكانت اللبنة الأساسية التي تقـوم عليها فكرة الألتراس هي الانتماء الشديد للنادي /الوطن، الذي تستشعره من أول لحظة تتحدث فيها مع أي فرد ينتمي للألتراس كفكرة وكتنظيم، فهذا الانتماء الشديد قد نجد تفسيره في في استقطاب دعاة الإسلام السياسي لكثير من شباب الألتراس مع بداية ثورات الربيع العربي في 2010، حيث تم اختراقها من من جانب الإخوان المسلمين عن طريق “خيرت الشاطر”، والسلفية الجهادية عن طريق “حازم صلاح أبو إسماعيل”، حيث جندوهم لخدمة أهدافهم، وأصبحت نواة حقيقية لهذه التنظيمات المتطرفة، وظهروا بكثافة فى اعتصامى رابعة والنهضة، وهتفوا ضد الدولة ومؤسساتها الحامية.
وبالوقائع والأدلة، ومن خلال المشاهدة على الأرض خلال المرحلة الانتقالية للدولة المصرية، وخلال حكم الرئيس المخلوع ” محمد مرسي”، فإن بعض روابط الألتراس أفسدت الرياضة في مصر، وحولت الألعاب الرياضية المختلفة وفى القلب منها كرة القدم من التسلية والترفيه، إلى خراب ودمار وموت؛ حيث إنه فى 2007 كان أولى أسباب انتكاسة الكرة المصرية بعد تكوين روابط الألتراس واستغلال الإخوان لهم، لإثارة الفوضى فى الملاعب، ونتذكر كوارثهم فى استاد بورسعيد أو الدفاع الجوى، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل ظهرت صور لهم مع الإخوان فى رابعة العدوية وفى ميدان النهضة، وفى أكتوبر 2012 صرح بهاء أبو رحاب رئيس اللجنة الرياضية فى جماعة الإخوان عن تواجدهم بداخل أفراد الألتراس فى مختلف الأندية وعلى رأسهم الأهلى والزمالك، وبات الأمر منذ تأسيس الألتراس فى أبريل 2007، أن اختفت الأسرة المصرية من المدرجات وهى التى كانت تجد فى المباريات متنفسا وفسحة ترفيهية عن الأسرة، وحل بدلا منها الشماريخ والسباب والشتائم.
وتكشفت وجوه بعض روابط الألتراس أنها ليست مجرد روابط لتشجيع كرة القدم، وأنها واجهات لجماعات متطرفة بشكل واضح جلى، خاصة عندما رفضوا ثورة 30 يونيو، وساندوا بكل قوة جماعة الإخوان الإرهابية، ومع مرور الوقت تحولت مدرجات الملاعب إلى منصات، ومنابر لتنظيمات إرهابية، تعادى الدولة، والمؤسسات الأمنية، وتعمل على إثارة الفوضى، وإسالة الدماء، وتوظفها “الإخوان” كمظلومية يتاجرون بها فى المحافل الدولية لإحراج مصر.
وقد بدا في مباراة الأهلي وكفر الشيخ الودية مطلع عـام ٢٠١٠ اصطدمت مجموعـة ألتـراس أهلاوي بالشرطة التي حاولت منع دخول الشماريخ، وتم القبض على سبعة مـن ألتراس أهلاوي وتوجيه تهم لهم بالإتلاف العمدى للمال العام، وإثارة الفوضى
وهنا بدأت المناوشات بين الدولة والشرطة والاعلام من جهه وبين روابـط الألتراس من جهة أخرى خصوصا إذا ما وضعنا في الاعتبار أن عقيـدة الألتراس تقـوم على التمرد على أي محاولات لفرض السيطرة عليهم خاصة من جانب السلطة، وعلاقتهم بالشرطة وأفراد الأمن أبرز مثال على هذا التمرد.
ثم ازدادت المناوشات بين الألتراس والداخلية، فألفت رابطة الوابت نايتس التابعـة لنـادي الزمالك اغنيتها الشهيرة (مش ناسيين التحرير) والتي تحتوي على سباب للداخلية واظهار عداءهم للثورة ثم أغنية أولتراس أهلاوي ( كان فاشل في الثانوية) والتي تحقر من شأن ضباط الداخلية ونعتهم بالفشل والجهل .
ثم كانت المشادة التي حدثت بين أعضاء من مجموعة ألتراس أهلاوي وعدد من النشطاء السياسيين في المسيرة التي دعت إليها المجموعة أمام وزارة الدفاع في الخامس عشر من شهر فبراير الماضي من أجل التذكير بأن المسؤول عن التخطيط لمجزرة بورسعيد هو المجلس العسكري بقيادة المشير محمد طنطاوي ورئيس الأركان الفريق سامي عنان، بالإضـافة إلى قيام مجموعة الوايتس نايتس بسب “باسم يوسف” في مباراة الزمالك مع فريق جازيللي في إستاد برج العرب.
ثم انتقلت الأحداث من التوتر بين الروابط وبعضها إلى التوتر بينها وبين أنـديتها خصوصا مع نجاح المستشار “مرتضى منصور” في انتخابات رئاسة نادي الزمالك واصطدامه بأولتراس وايت نايتس ودخوله في معارك قضائية معهم،وكانت البداية إقامتـه لدعوى قضائية لحظر روابط الاولتراس وهو ما أدى لصدور حكم قضائي في ١٦مـايو ٢٠١٥ بحظر روابط الاولتراس في مصر .
ثم سرعان ما هدأت الأمور وأدركت كل جماهير الألتراس أن الولاء لمصر هو الأساس ومن ثم انتهت كل الأزمات مع عودة جماهير الألتراس للمدرجات في أواخر أكتوبر 2021، ومع تجاوب الرئيس عبد الفتاح السيسي مع جماهير الألتراس من خلال مؤتمرات الشباب، فإننا نريد دولة ترعى الشباب ومستقبله، فمن يتكلم كثيرا لا يفعل شيئا، وفى نفس الوقت وجب التفاعل معهم وتوجيه طاقتهم للعمل والروح الرياضية والاعتدال في تقييم الأحداث بلا عنف، والأهم من كل ذلك هو تأمين مستقبلهم وضمان تشغيلهم إذا كنا حقا نعتبرهم أولادنا ..!

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى