في الواجهة

هيرش يهز البيت الأبيض ، وموسكو لم تفاجأ !

كريم المظفر

رغم التكتم الغربي الكبير على التحقيقات ، التي من المفترض أن تكون قد توصلت لجان التحقيق المشكلة في ألمانيا والسويد و الدنمارك ، إلى المتهم الرئيس في عملية تفجير خطوط نقل الغاز الروسي ( نورد ستريم 1 و 2 ) من روسيا الى المانيا ، والتي وقعت في سبتمبر من العام 2022 ، والذي وصفته صحيفة نيويورك تايمز “باللغز”، إلا أن صحفيا أمريكيا وحده من وجه أصابع الاتهام المباشرة في عملية التفجير الى الولايات المتحدة الأمريكية ، ليهتز عرش بيتها الابيض .
وتحدث الصحفي الأمريكي سيمور هيرش، الحائز جائزة بوليتزر ، المعروف بمنشوراته عن الجرائم الأمريكية في فيتنام وفي حروب الشرق الأوسط، وخاصة فضيحة التعذيب في سجن أبو غريب العراقي، والذي تمكن من الحصول على معلومات حول العملية ، من مصدر لم يذكر اسمه كان متورطا بشكل مباشر في الإعداد لها على حد تعبيره ، عن قيام الولايات المتحدة بعملية بحرية ظلت طي الكتمان ، ووجه الاتهام نحو واشنطن بالوقوف وراء تنظيم هجمات على خطوط أنابيب “السيل الشمالي1 و2”.
وقال الصحفي الأمريكي ” قام غواصون في البحرية يعملون تحت غطاء مناورات الناتو BALTOPS 22 التي حظيت بتغطية إعلامية كبيرة في منتصف الصيف بزرع عبوات ناسفة يتم تفعيلها عن بعد ، والتي دمرت ثلاثة من أربعة خطوط أنابيب الغاز الطبيعي نورد ستريم “، فيما قام النرويجيون بتفعيلها” ، موضحا في الوقت نفسه ، أن “طائرة تابعة للبحرية النرويجية أسقطت عوامة “سونار” في 26 سبتمبر الماضي لتفعيل المتفجرات” ، وخلص هيرش، في تقرير مفصل نشره حول العملية السرية، ان قرار بايدن بالتخلص من خطوط الأنابيب ، جاء بعد أكثر من تسعة أشهر من المناقشات بالغة السرية داخل مجتمع الأمن القومي في واشنطن ، حول أفضل السبل لتحقيق هذا الهدف، وفي معظم هذا الوقت ، لم يكن الأمر يتعلق بتنفيذ المهمة ، ولكن السؤال حول من يجب أن يعهد إليها ، وأشار إلى أن الموضوع الرئيسي الساخن للمناقشات كان ضرورة عدم ترك أدلة تشير إلى منفذي التفجيرات.
ورغم مطالبات عدد من البرلمانيين الأوربيين ومنهم ساندرا بيريرا البرتغالية، عضو البرلمان الأوروبي، من المفوضية الأوروبية ، تقديم معلومات عن ما وصل إليه التحقيق في حادث التفجير الذي طال أنابيب الغاز “السيل الشمالي 1 و2 ، ولم تستبعد ألمانيا و الدنمارك والسويد أن تكون عملية التخريب “مستهدفة” وبفعل فاعل ، إلا أن المستشار الألماني أولاف شولتس ، كان مضطرا للتبرؤ من إخفاء برلين لبيانات تتعلق بإنفجارات خط أنابيب “التيار الشمالي” ، وهو الأمر الذي شخصته وزارة الخارجية الروسية بوضوح ، وأشارت فيه إلى أن المرء يخرج بانطباع مفاده بأن السلطات الألمانية ، لديها ما تخفيه فيما يتعلق بتلك الإنفجارات ، إلا أن ممثلة مجلس الوزراء الألماني كريستيان هوفمان ، تؤكد إن ألمانيا ليس لديها معطيات ، أو تأكيد إستنتاجات الصحفي الأمريكي سيمور هيرش بشأن تفجيرات خطوط أنابيب “السيل الشمالي”.
البيت الأبيض أهتز للمعلومات التي قدمها الصحفي الأمريكي هيرش ، ورفض وبصورة قاطعة، المعلومات التي قالت إن عبوات ناسفة تحت خطوط “السيل الشمالي 2” تم زرعها في يونيو الماضي بغطاء تدريبات “بلوبس 22” الّتي نفّذها غواصو البحرية الأمريكية. ، وشدد على ان “هذه كذبة مفبركة وخرافة كاملة”، في وقت كان المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، قد أكد أن واشنطن تعتبر أي افتراضات بتورط الجانب الأمريكي في تفجيرات “السيل الشمالي”، لا أساس لها من الصحة، وستدعم تحقيق الدول الأوروبية في الحادث “وإن أي تلميح بتورط الولايات المتحدة في الأمر، لا أساس له على الاطلاق”، كما زعم أن روسيا “لديها تاريخ طويل في نشر المعلومات المضللة وتقوم بذلك مرة أخرى هنا”.
روسيا التي لم تفاجأ بتقرير الصحفي الأمريكي ، حذر نائب وزير الخارجية سيرغي ريابكوف فيها ، من العواقب التي ستلحق بواشنطن بعد نتيجة تحقيق سيمور هيرش بشأن تفجير خط أنابيب “السيل الشمالي” ، وقال إن تحقيق الصحفي سيمور هيرش ، أكد ” ما نعرفه وليس لدينا أي شك مطلقا به من أن الولايات المتحدة وربما دول (الناتو) الأخرى، متورطة في هذا العمل التخريبي البشع” ، فيما دعا الكرملين إلى تحقيق دولي مفتوح ومعاقبة المسؤولين” مشيرا إلى أن تحقيق الصحفي المعروف لم يلق تداولا واسعا في الغرب، وهذا أمر “مفاجئ” على حد تعبيره.
روسيا التي درست بعمق ما نشره الصحفي الأمريكي ، لم تفاجأ باستنتاجات الصحفي سيمور هيرش بشأن تورط النرويج في تفجيرات خط أنابيب الغاز “السيل الشمالي ، وأشارت المتحدثة بأسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا إلى أن أوسلو ، في سياساتها الخارجية، بما في ذلك في العلاقات مع روسيا، تتبع بلا شك خط الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ، وإن سلطات دول الشمال ليست مهتمة بتحديد الجناة الحقيقيين للهجمات الإرهابية على “السيل الشمالي”، وشددت على أن روسيا عرضت أكثر من مرة على سلطات الدنمارك والسويد، بما في ذلك من خلال رسائل من رئيس الوزراء ميخائيل ميشوستين، المساعدة في التحقيق في هذه الهجمات الإرهابية ، وقالت “إلا أن تلك الطلبات من المدعي العام لاقت الرفض من الإدارات المعنية في تلك البلدان” ، ومن الواضح أن سلطاتها غير مهتمة بإثبات الجناة الحقيقيين لما حدث، بل إنهم مهتمون، فيما يبدو، بالعكس، بإخفاء البيانات والحقائق والأدلة.
ومن الواضح أن جميع الحقائق المذكورة أعلاه يجب أن تخضع لتحقيق دولي، وفي الوقت نفسه، لا يمكن للمرء أن يعتمد على الموقف غير المتحيز للسلطات النرويجية أو استعدادها للتعاون البناء في هذا الشأن ، وتنطلق روسيا من حقيقة أن تحقيقا شاملا ومفتوحا فقط بمشاركة إلزامية من الوكالات الروسية المختصة وشركة (غازبروم) هو القادر على تزويد الجمهور ببيانات موثوقة وموضوعية عن أسباب ومرتكبي وعملاء التخريب”.
وأمام الصمت الغربي ، الذي لم يعلق سواء بالتأكيد أو النفي حول المعلومات التي وردت في تقرير الصحفي هيرش ، إلا الصين ، التي طالبت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الصينية ماو نينغ ، بأنه يجب محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية إذا ما ثبت تورطها في تفجيرات خط أنابيب “السيل الشمالي” ، و “يجب محاسبة مثل هذه الأفعال” ، والإشارة في الوقت نفسه إلى أنه إذا ما تم تأكيد ضلوع الولايات المتحدة الأمريكية بذلك، فإن واشنطن ملزمة “بتقديم تفسيرات مسؤولة للعالم”، مشددة على أن الانفجارات في “السيل الشمالي” كان لها “تأثير سلبي للغاية على البيئة العالمية وعلى السوق العالمية للطاقة”.
لقد كان نورد ستريم 1 خطيرًا بما فيه الكفاية ، وفقًا لحلف شمال الأطلسي وواشنطن ، وان نورد ستريم 2 ، إذا تمت الموافقة عليه من قبل المنظمين الألمان ، سيضاعف كمية الغاز الرخيص المتاحة لألمانيا وأوروبا الغربية ، وكانت واشنطن تخشى أن تكون دولًا مثل ألمانيا غير مستعدة لتزويد أوكرانيا بالمال والأسلحة اللازمة لهزيمة روسيا ، وفوض بايدن جيك سوليفان (مستشار الأمن القومي ) لتجميع مجموعة مشتركة بين الوكالات لوضع خطة ، ووفقًا لمصدر على دراية مباشرة بالعملية ، أصبح من الواضح للمشاركين أن سوليفان ، من بين أمور أخرى ، أراد من المجموعة تطوير خطة لتدمير خطي أنابيب الغاز نورد ستريم ، وأن هذا كان رغبة بايدن ، وكانت النرويج المكان المثالي لاستضافة البعثة ، فالقائد الأعلى لحلف الناتو هو ينس ستولتنبيرغ ، وهو مناهض قوي للشيوعية خدم ثماني سنوات كرئيس لوزراء النرويج ، لقد كان متشددًا في كل ما يتعلق ببوتين وروسيا ، وقال المصدر “إنه القفاز الذي يناسب اليد الأمريكية” ، بالإضافة إلى إن النرويجيين يكرهون الروس ، والبحرية النرويجية مليئة بالبحارة والغواصين الممتازين، يمكن للمرء أن يأمل في إبقاء المهمة سرية ، لأن لديهم دافعًا إضافيًا: في حالة تدمير نورد ستريم ، يمكن للنرويج بيع غازها بسعر أعلى بكثير.
وفي 26 سبتمبر 2022 ، قامت طائرة استطلاع تابعة للبحرية النرويجية P8 برحلة روتينية على ما يبدو وأسقطت عوامة سونار ، وانتشرت الإشارة تحت الماء ، أولاً إلى Nord Stream 2 ثم إلى Nord Stream 1 ، وبعد ساعات قليلة ، تم تفجير عبوة ناسفة قوية من طراز C4 ، وتم تعطيل ثلاثة من خطوط الأنابيب الأربعة ..
تورط الولايات المتحدة في تقويض نورد ستريم ، بأنه سر أدركه أي شخص عاقل في البداية ، ولاحظ الألمان أن الغرب لم يتمكن من إلقاء اللوم على روسيا في أعمال التخريب ، وبدأت الحقيقة تتكشف تدريجياً ، ويتساءل الروس كيف سيكون رد فعل برلين على التحقيق ؟ ، وهل تستمر حكومة أولاف شولتز في “الجلوس والصمت” والتضحية بالمصالح الوطنية لإرضاء واشنطن ؟ ، التي كذبت مرات ، وآخرها في العراق ، لم يعد من الممكن الوثوق به.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى