في الواجهة

هل نحن على مشارف الساعة ؟

أحداث وأحاديث ماي

موسى عزوڨ
(لا تقومُ الساعةُ حتى يتقاربَ الزمانُ ، فتكونُ السنةُ كالشهرِ ، و الشهرُ كالجمعةِ ، و تكونُ الجمعةُ كاليومِ ، و يكونُ اليومُ كالساعةِ ، و تكونُ الساعةُ كالضَّرَمَةِ بالنارِ) حديث صحيح .
” يا يوم! …لك علينا دين أن نحيي ذكراك. ومن واجبنا أن ندون تاريخك في كل زمكان، لئلا يمسحه النسيان من النفوس.). الشيخ البشير عن 08 ماي
ما كاد الأسبوع الأخير من رمضان ينتهي ! بتعدد الأحداث فيه خارجيا وداخليا ( ففي الخارج الحرب الروسية الاكرانية بصبغة دينينة كاثوليك بروتستانت واعادة امجاد روما ، والقدس وتزامن أعياد الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام وبرمزية القدس ! …ثم الداخلية من النقاش حول زكاة الفطر بين المشروعية والصياغة والتضييق الارتدادي على السلفية التي انتخبت ليقرب أهل الزوايا في مناصب كانوا يطمعون انها لهم ….) . حتى بدأ أسبوع آخر “بأحداث واحاديث متعددة ايضا ، يصعب فعلا مواكبتها فضلا عن الاحاطة بها او الكتابة عنها ! خصوصا لمن يقرأ قبل أن يكتب ” . تميز هذا الأسبوع بالذكريات :
1- عيد استقلال مزعوم لمدعي وصلا بأرض لا تقدر له بذلك زاعما ببهتان انها بلا شعب ! جمع كل الخرافات واراد قلب الحقائق ، فكان الفأس أصدق انباء من الكتب في حده الحد بين تمزيق الوهم وكشف الحقائق ، لم اسمع في حياتي عن استقلال بنكهة معاكسة مثله ! استقلال ماذا عن ماذا ؟
2- ذكرى تأسيس جمعية العلماء المسلمين (يوم 05 ماي 1931 ) في ظل الاستدمار الفرنسي في نادي الترفي وسط العاصمة ! من كل أطياف ” علماء ” الجزائر سلفيين وإصلاحيين وطرقية علوية وإباضية!!! …المراجع شحيحة جدا فلا تجد جواب لسبب اختيار العاصمة بدل قسنطينة ! ولماذا نادي الترقي بالذات !! وهل كان القانون الاساسي مهيأ سلفا؟ ( يذكر انه تمت صياغته من طرف الشّيخ “محمّد البشير الإبراهيميّ” في خمسة (05) أقسام تتضمن ثلاثة وعشرون (23) فصل، أقرتّه الجمعيّة العامة بالإجماع بعد التأسيس في 05 ماي عام 1931 م، وقرّرت ترجمته إلى اللغة الفرنسية حيث جاء في ستة (06) أقسام تتضمن أربعة وعشرون 24 فصل، ليقدم للحكومة الفرنسية التي صادقت ووافقت عليه بعد خمسة عشر يوم فقط من تقديمه. وقد قامت المطبعة الجزائرية الإسلامية بطبعته وكان ثمن النسخة 2 فرنك.)
حيث تذكر أوثق المصادر ان الاجتماع في نادي الترقي (1931) ضم الشخصيات العلمية وأعيان مدينة الجزائر. وقد فكر هؤلاء في وضع هذا النادي الواقع في قلب العاصمة وإمكاناته في خدمة جمعية توحّد صفوف العلماء الجزائريين. وتشكلت لجنة من 4 أفراد لتجسيد هذه الفكرة، وهم: الفقيه الشيخ محمد العاصمي والشاعر محمد عبابسة والتاجر عمر اسماعيل والكاتب المناضل أحمد توفيق المدني. وتبرع رئيسها السيد إسماعيل بمبلغ قدره 1000 فرنك. ونشر الخبر في العديد من الجرائد العربية الصادرة في الجزائري ، واتصلت اللجنة بـ 120 شخصية علمية معروفة عبر القطر الجزائري. وكانت رسائل الدعوة قد كتبها الأستاذ أحمد توفيق المدني وأمضاها السيد عمر إسماعيل. ووافق أكثر من 100 عالم على المشاركة في الاجتماع العام في نادي الترقي في الموعد المحدد بـ 5 ماي 1931.
(وستلاحظ ان الشيخ مولود الحافظي مثلا كان حاضرا والذي سيغادر لاحقا ويؤسس جمعية السنة .من أجمل ما سمعت شفاهة من
الشيخ محمد الصغير بن لعلام ( عضو المجلس الإسلامي) محاضرة ببني ورثلان تحت عنوان : ” نبذة عن علماء منطقة بني ورثلان – دراسة نماذج – ” . بدأ حديثه لمن سأل عن ” سعيد أبهلول “1859 . من أكبر علماء بني ورثلان . ومن أول من وجهت له الدعوة لتأسيس الجمعية لكنه رفض . ثم انه قي رده على رسالة ” دعوة خاصة” من الشيخ الإبراهيمي, رد عليه بقوله أن المدعوين ليسوا جميعا علماء !!! ثم اعتذر بسبب كبر سنه. وهنا بدأت السلاسة حيث لا تحس انه ينتقل من فكرة الى فكرة والإثارة بإبراز أشياء جديدة فعلا ؟) :وهذه النقطة بالذات :” أن الدعوات للجمعية التأسيسية لجمعية العلماء وجهت لكل كاتب ؟ دون استثناء ” وهذا سبب إحجام كثيرين من جهة وخلق تناقضات وصراعات من جهة أخرى ؟ برز جليا في الاجتماع الثاني بعد عام 1932 وهي السنة التي انسحب فيها كثيرون وليس الشيخ المولود الحافظي فقط ؟
وحرص المنظمون لهذا المؤتمر التأسيسي على ابراز الوجه المعتدل للجمعية الجديدة للحصول على الترخيص والاعتماد من الإدارة الفرنسية. وحضر الجلسة الافتتاحية بعض المسؤولين الفرنسيين الرسميين كما تم اختيار شخصيتين معروفتين بثقافتهما المزدوجة العربية والفرنسية للإشراف على أشغاله وهما: الشيخ أبو يعلى الزواوي رئيسا ومحمد الأمين العمودي مقررا . وقدمت كجمعية “إرشادية تهذيبية”، غايتها محاربة الآفات الاجتماعية والامتناع عن المحرمات الشرعية وترك المنكرات العقلية واحترام القوانين الجارية، والابتعاد عن النشاطات السياسية.وبعد أربعة أيام من الأشغال، انتخب المؤتمرون مجلسا إداريا برئاسة الشيخ ابن باديس وعضوية نخبة من العلماء الجزائريين من مختلف التيارات( تداول صورة نادرة لمجلسها الإداري الأول 1931) ….اللباس التقليدي برنوس أبيض وقندورة بوعرضين والشاش في بياض زادها جمالا على جمال ، حسب ترتيب ” المهام ” بعد الانتخابات: 1- عبد الحميد بن باديس رئيسا (الرجل الرباني السلفي ” الجامع ” الشيخ الصنهاجي (1889- 16 أفريل 1940).ظهر في الصورة غير منفعل لكن ” خائف يترقب”. والذي تم اختيار يوم وفاته يوما للعلم( يذكر طالب الابراهيمي ان ذلك كان باختياره ! وبعفوية )
2- محمد البشير الإبراهيمي نائبه. (1889-1965). الأديب الأريب والثوري المحب.
3- محمد الأمين العمودي كاتب.4- الطيب العقبي نائبه. 4- مبارك الميلي أمين المال.5- إبراهيم بيوض نائبه.( اباضي).6- المولود الحافظي ,مولاي بن الشريف,الطيب المهاجي ,السعيد اليجري, حسن الطرابلسي ,عبد القادر القاسمي ,محمد الفضيل اليراتني ( لربعاناثيراثن) مستشار ) انتهى بتصرف.
حبي للجمعية ورجالها ” لا غبار عليه !” رغم اني لم انتم تنظيميا لها ( وهي ككثير من ما أحب !).- وحبي لها – إن أردتُ التنطع – هو كحب الأستاذ مالك بن نبي لها ( وكان لا يعتريه أدنى شك هو وصحبه الساعي أنهم الممثل الطبيعي للخط الإصلاحي للجمعية ولو لم ينتم إداريا لها ، ولهذا كان نقده لما اعتبره ” سقوط في براثين البوليتيك ” لاذعا للشيخين بن باديس والابراهيمي “، وفي جانب آخر لصديقه الأمين العمودي! لعدم نشره لمقاله متثيقفون أم ..؟1936) . نعم نريد لجمعيتنا الإصلاحية كل خير ، ونربد لها كل الحب ، وان تبتعد عن الشوائب ….ومنها آخر تعديل على مستوى القيادة وفيه ريبة . ولله الأمر من قبل ومن بعد.
وهل يمكن أن اكتب عن جمعية العلماء المسلمين دون ذكر ذلك الجهد المبذول في بناء الشخصية الوطنية والمحافظة على الهوية الوطنية بكل أبعادها في ظل مستدمر استئصالي غاشم ؟ كانوا علماء بحق ومسلمين بجدارة ! كان الشيخ الرئيس عبد الحميد بن باديس مفسرا للقرآن الكريم وللحديث الشريف وسماهم ” مجالس الذكر” واهتم بتعليم النشأ سليم العقيدة سلفيا ( وصفه الشيخ محمد الغزالي بالسلفي الكبير) صحفيا مناضلا بفن الممكن دون سياسة ! دون يأس ، وشاعرا دون غواية ، صاحب منهج مميز جدا في الإصلاح ( جزأرة )…وكل صفة من هذه قد تحتاج الى مقال…ونضاله المشهود قبل التأسيس مشهود معلوم خصوصا في مجال الصحافة بإحياء القيم العربية الإسلامية وبعث نهضة , فكانت جريدة النجاح 1925 والمنتقد والشهاب والإصلاح ..( يذكر ان عدد الصحف الصادرة في الجزائر يومها في حدود 35 ومعظمها بالعربية ؟ وركز على العربية الفصحى ) . كان من مقالات الشيخ المميزة مقاله في الشهاب :” مستقبل اللغة العربية في الجزائر “. ومن دقة ما كتب وهو الامازيغي الصنهاجي الذي لا يخدع في الهوية الجزائرية وهو ما تم صياغته في مقدمة الدستور حول الشخصية الجزائرية :” كانت امازيغية من قديم عهدها , لم تخرج بها عن امازيغيتها كافة الغزوات التي سبقت الاسلام , الى ان تصاهر العرب والبربر في ظل الاسلام , وامتزجوا معا بالحضارة العربية واللغة العربية …اشتراك الآلام والآمال.)
قبل الانتقال للحديث ذكرى مجازر 08 ماي 1945 تعالى معي لنصغي معا لتلك الكلمات السامقة بقلم الأديب المفوه والطبيب المعالج وهو يشخص مرض الظالم والمظلوم ! الرجل الثاني في الجمعية والقلب الإداري لها وثاني رئيس لها لمدة طويلة …والذي جعل من المدارس معاهد وربطهم بالزيتونة وأعطى دفعة ونفس ثاني لها انه الشيخ البشير وكلمته عن مجازر 08 ماي 1945 لنجعلها مدخلا للنقطة التي بعدها ( يجب أن تهيأ نفسك لقراءة درر من اللغة العربية ووصفة لسيكولوجية المستدمر و الجماهير:
1. أولا يجب أن تلاحظ أن الرسالة نشرت بجريدة البصائر( مجلة الجمعية التي يترأسها ).
2. يجب ان نقف طويلا عند تاريخ النشر والسياق : 10 ماي 1948؟
3. ستتمتع حتما بسرد رغم آلامه و أجراحه, ببنية قوية جدا لتشخيص ذلك اليوم المكفهر المظلم بالظلم والمخضب بالدم لا ارض تأويه ولا سماء تظله حتى شمسه غيبت ولم ينفعه الربيع وهو شهره…وهذا اليوم على كل حال ليس بالغريب على المستدمر” الأسود ”
4. تذكر سنة النشر !1948؟
حيث يختم بنداء استغاثة مع تحديد ذلك اليوم الذي له سمة لا تمح و ذكرى لا تنس مهما تعاقبت السنون , إلا هو فهو ثابت ويكفيه الاسم :” مجازر 08 ماي وكفى”. ويخاطبه بعد النداء كأنه يحدث بن ادم : ” يا يوم! …لك علينا دين أن نحيي ذكراك. ومن واجبنا أن ندون تاريخك في كل زمكان، لئلا يمسحه النسيان من النفوس.).استمع مستمتعا : ( مظلم الجوانب بالظلم، مطرز الحواشي بالدماء المظلومة، مقشعر الأرض من بطش الأقوياء، مبتهج السماء بأرواح الشهداء، خلعت شمسه طبيعتها فلا حياة ولا نور، وخرج شهره عن طاعة الربيع فلا ثمر ولا نور، وغبنت حقيقته عند الأقلام فلا تصوير ولا تدوين. يوم ليس بالغريب عن رزنامة الاستعمار الفرنسي بهذا الوطن فكم له من أيام مثله، ولكنّ الغريب فيه، أن يجعل -عن قصد – ختاما لكتاب الحرب، ممن أنهكتهم الحرب على من قاسمهم لأواءها، وأعانهم على إحراز النصر فيها. ولو كان ذا اليوم في أوائل الحرب لوجدنا من يقول: إنه تجربة كما يجرب الجبان القوى سيفه في الضعيف الأعزل.
يا يوم! … لله دماء بريئة أريقت فيك، ولله أعراض طاهرة انتهكت فيك، ولله أموال محترمة استبيحت فيك، ولله يتامى فقدوا العائل الكافي فيك، ولله أيامى فقدن بعولتهن فيك، ثم كان من لئيم المكر بهنّ أن منعن من الإرث والتزوج، ولله صبابة أموال أبقتها يد العائثين، وحبست فلم تقسم على الوارثين.
يا يوم!… لك في نفوسنا السمة التي لا تمحى، والذكرى التي لا تنسى، فكن من أية سنة شئت، فأنت يوم 8 ماي وكفى. وكل ما لك علينا من دين أن نحيي ذكراك. وكل ما علينا لك من واجب أن ندون تاريخك في الطروس، لئلا يمسحه النسيان من النفوس.) (انتهى شهد العسل.)
3- مجازر 08 ماي 1945:
ذكرى مجازر 08ماي 1945م التي استشهد فيها على الأقل 45000إنسان جزائري – مسالم بريء…مدني أغلبهم اطفال ونساء -!؟ رحمهم الله. كانت مطالبهم بسيطة وامالهم ابسط ؟
بدأت كثير من القناعات ” وأطماع الاندماجين ” تتلاشي وبدا يتشكل وعي باستحالة العيش المشترك مع المحتل ؟ وتزامن ذلك مع نزول الحلفاء في شمال افريقيا عام 1942 , وانهيار ” اسطورة الجيش الفرنسي الذي لا يقهر ” فقد سحقت القوات الألمانية ذلك سحقا ؟ و تجلى الضعف الرهيب للنعامة تحت الحماية الأمريكية ؟ ومن جهة اخرى وزعت المصالح الامريكية حوالي مليون نسخة من ميثاق الأمم المتحدة , وكان تاثير التوجه والنموذج الامريكي كبير جدا على ” الجزائريين ” شعبا وقادة .
وكان الدكتور.رابح بلعيد مثلا من الذين جذبهم بريق الحضارة الأمريكية وسافر اليها واستوطن بها , وهو اذ يكتب فعن استقلال تام عن الهيمنة الفرنسية , وقد كان كتابه عن : “الحركة الوطنية الجزائرية 1945-1954 طبعة 2016, بحجم 669 صفحة من أجود ما كتب عن المرحلة (الملاحق والوثائق بعدد55 ؟) , حيث ناقش بعمق ” كيف أثرت تداعيات مجازر 08 ماي 1945 في بلورة الأحداث والمواقف والتي أدت بتفاعل شخوصها ووقائعها إلى إحداث الفعل الثوري بحيثياته وملابساته وبالشكل الذي تحقق فعلا في نوفمبر 1954؟ “.
وكما لم يكن نوفمبر الثورة الا تراكمات لتجارب متعددة فكذلك كل الأحداث كان لها ظروف نشأة بعيدة بتراكماتها وظروف نضوج وتعجيل بكل اثارها . ومن ذلك موضوع الحال ‘ مظاهرات 08 ماي والمجازر ‘ ؟ ( ففي سنة 1944 تحالف ” انصار البيان والحرية” لفرحات عباس – بعد ان اكتوى بالاندماجية المستحيلة – و ” حزب الشعب ” لمصالي و ” جمعية العلماء ” للإبراهيمي على الاستقلال الذاتي ؟…- وفي 02 مارس 1945 مؤتمر أصدقاء البيان والحرية اقر برنامج حزب الشعب وشكل 165 فرع للحزب …ساهمت بقوة في تنظيم مسيرات ومظاهرات ( ماي 1945؟) بمناسبة عيد العمال وعيد هزيمة الفاشية والنازية ؟ …فالمظاهرات كانت لأيام ؟ ولم تكن ليوم واحد فقط كما يتوهم , كما لم تكن عفوية كما يصور او بتحفيز من البعض أطراف الصراع كما يشاع عادة . وان شكل القمع والتنكيل أوجه في اليوم الثامن من شهر ماي المشؤوم , و تم ذكر أسماء مدن ثلاث هي سطيف قالمة وخراطة ( بجاية ) , وان كان القمع مس كل بقعة من ارض الوطن الحبيب , وفي المد اشر ادهي وأمر حيث أبيدت قرى ومدا شر بأكملها ومورست المجازر الفظيعة دون حسيب ولا رقيب ولا حتى تصوير وتوثيق . وحسبنا الله ونعم الوكيل .
المجد والخلود للشهداء الابرار والعزة للمقاومين والمجاهدين
عزوق موسى محمد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى