أحوال عربيةأخبار العالمأمن وإستراتيجية

هل سيكون العام 2023 فعلا عام المقاومة الشعبية في سورية؟

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/

نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

كثيرا ما نسمعُ، أو نقرأ، عن دعوات للمقاومة الشعبية للاحتلال الأمريكي في سورية، وأن العام 2023 يجب أن يكون عام المقاومة الشعبية، وهذا أمرٌ جيدٌ، ونتمناهُ اليوم قبل الغد، كما كُنا نتمنى أن تكون هناك مقاومة شعبية للاحتلال الإسرائيلي للجولان( على غرار مقاومة حزب الله في جنوب لبنان) الذي مضى على احتلاله منذ عام 1967 وحتى 2023 ، 56 سنة..
لن أتساءل فيما إذا كانت الظروف والأوضاع السورية، في شتّى المجالات، تُمكِّنُ من قيام مقاومة شعبية، فهذا الأمرُ تعرفهُ قيادة البلد أكثر من الجميع.. ولكن لا يمكننا إلا أن نشدّ على يد القيادة في تشكيل أي مقاومة شعبية لأي احتلال للأراضي السورية.. وأنا أوّل من لديه الاستعداد لحمل البندقية إن انطلقت.. فمتى ستنطلق.. هنا السؤال؟
**
بعد اللقاءات السورية والتركية في موسكو يوم الأربعاء 28 كانون أول / ديسمبر، 2022 ، بدأنا نسمع عن مقاومة شعبية ضد قوات سورية الديمقراطية (قسد).. وهذا كان جزءا من حِوار في برنامج سياسي على الشاشة السورية، وكان هناك تركيزا على دور العشائر العربية في التصدّي لِما يُعرَف بقوات سورية الديمقراطية، واستعادة آبار النفط..
فهل تغيّرت الأولويات من مقاومة الأمريكان عسكريا إلى مقاومة قوات “قسد” عسكريا؟
بالتأكيد نريد استعادة آبار النفط، فهذه ثروة لكافة أبناء الشعب السوري، وليست مُلكا لأطرافٍ بعينها، حتى تتصرف بها بِمفردها، بينما بقية أبناء الشعب يعانون الأمرّين من نُدرة المحروقات..
ولكن يجب أن تبقى الأولوية لمقاومة الاحتلال الأمريكي، وحينما ينتهي هذا الاحتلال في سورية، تُصبِح المسألة سهلة لحل كافة الإشكالات والخلافات مع قوات سورية الديمقراطية في إطار الحل السياسي الشامل والموعود في سورية الذي يتحدّثُ عنه الجميع(روسيا أمريكا تركيا إيران) مُستندين إلى القرارات الأممية..
لا نريدُ مزيدا من الدماء بين أبناء الشعب السوري، ويجب حل كافة المسائل والقضايا الخلافية بالحوار واللقاءات والاجتماعات وإصغاء الجميع للجميع..
لا يخفى التأثير الأمريكي على قوات سورية الديمقراطية، فأمريكا هي من تسلحها وتساعدها وتحميها، وأردوغان لديه عقدة منها، ويعتبرها امتدادا لحزب “بي كي كي” لاسيما وحدات حماية الشعب (واي بي جي) التابعة أساسا لحزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (بي واي دي)..
أردوغان لم يجرؤ على القيام بأي عمل عسكري ضدها حتى اليوم نتيجة التحذيرات الأمريكية، فهل سيفلح بِدفعِ سورية للقيام بذلك، نيابة عنه؟
أعتقد أن أهلُ القرار في دمشق، أفطنُ من أردوغان، ومن الانخراط في مواجهةٍ عسكرية مفتوحة مع الولايات المتحدة، ويعُون بالمُطلق كافة أهدافهِ وغاياتهِ وخططهِ ونواياه، لاسيما أن أردوغان مُصنّفٌ في سورية بأنهُ الإرهابي والقاتل والمُجرم والغدّار وراعي الإرهاب والإرهابيين والدواعش، والعُثماني الجديد، والمُهرِّج الأول، ولِص حلب، والمُحتل الغاشم للأراضي السورية، وفرضِ سياسة التتريك، والمسؤول الأول عن سفك دماء آلاف السوريين، وعمّا لحق بسورية من دمار وخراب.. الخ ..
كل هذا كان يُغرس في أذهان وعقول السوريين على مدى عشر سنوات، فهل يُبدِّلُ الذئب طباعهُ حتى إن بدّل فروة جلدِه؟ وهل سيُبدِّل السوريون آرائهم بأردوغان بهذه السهولة والبساطة؟
وما الضمان أن لا يعود لطبيعتهِ الأساسية وينسف كل وعوده اليوم، بعد أن تمرّ مرحلة الانتخابات التركية، ويفوز مُجدّدا، لاسيما أنه مشهورٌ بتقلباتهِ السريعة ولا يُمكنُ ضمانَهُ، وأنّ كبار المُحللين السياسيين والاستراتيجيين والعسكريين وحتى دبلوماسيين أتراك، يرون أن مبادرات أردوغان تجاه سورية هي تكتيك له غايات انتخابية وأولها نزعُ كافة الأوراق من أيدي المُعارَضة بكل ما يخصُّ الملف السوري.. ولاسيما أن أردوغان أكّد مرات عديدة أنه لن ينسحب من سورية إلا إذا انسحبت كافة القوى الأجنبية (أي أمريكا وروسيا وإيران) وجرت انتخابات ديمقراطية تحت إشراف الأمم المتحدة..
**
قد يكون موقف أردوغان الجديد تكتيكا، وقد يكون استراتيجيا، لا نجزمُ بشيء.. فأردوغان غاضب جدا من الولايات المتحدة، بسبب دعمها لقوات سورية الديمقراطية، وعدم إصغائها له وتصنيفها كما يرغب، وعدم إعطائهِ الوزن والاهتمام الذي يَعتقِد أنهُ يستحقهُ كأقوى زعيم تركي بعد مصطفى كمال أتاتورك.. ولم تُصغي إليه في ملفات عديدة، ومنها عدم تسليم المُعارِض “فتح الله غولن” المُتّهم بتخطيط عملية الانقلاب على أردوغان.. ولذا يذهب باتجاه موسكو، وهو يُدرِك أن هذا يُزعِج أمريكا، والرئيس بوتين يحتضنهُ، ويسعى بشتى السبُل للمصالحة بينه وبين دمشق، ففي ذلك مصلحة روسية صرفة.. ويُزعِج أمريكا أيضا.. فلا يمكن أن نستبعد عقلية النكايات في العلاقات السياسية.. ولكن مهما بلغت التحليلات لا يمكن أن نتوقع أن أردوغان سيخرج من عباءة الناتو الذي تقودهُ أمريكا، أو سوف يصطفُّ في أي محور لمقاومة مشاريع أمريكا، فهو أكبر المُدافعين عن الناتو، وعن توسيع الناتو حتى شرقا ليشمل أوكرانيا..
تركيا اختارت الناتو، وهذا خيار شعبي وسياسي وعسكري ومصيري، ومهما تبدل الرؤساء في تركيا، فالجميع متمسك بعضوية الناتو، ويطمح بعضوية الاتحاد الأوروبي.. والنُخب في تركيا تعتبر تركيا امتدادٌ لأوروبا، بل ودولةٌ أوروبية ويجب أن تكون بالاتحاد الأوربي ..
الزمن هو من سيكشف كل شيء.. ولكن سياسة التتريك التي اتبعها أردوغان في كافة المناطق التي احتلها في شمال سورية، والشبيهة بسياسة التتريك في لواء اسكندرون السليب، تُشيرُ أن نواياهُ بعيدة المدى، وربما تُشبِه ذات النوايا التي تطبّقت في شمال قبرص..
**
وعودة إلى الدعوات لمقاومة شعبية في الشمال السوري، وتحفيز العشائر العربية، فقد لفتَ انتباهي
أن هناك من يدعُون المملكة العربية السعودية، لِتلعب دورا في إقناع شيوخ العشائر العربية، للانقلاب على قوات سورية الديمقراطية، وأن تلعب السعودية دورا مؤثّرا أكثر، ويكون هناك توازنا في العلاقات السورية العربية مقابل العلاقات السورية التركية..
أعتقد علينا هنا أن نتحلّى بالموضوعية، فكل دولة تضع خياراتها بنفسها، وبما يخدم مصالحها.. والعلاقات السورية التركية خيار سوري تركي، وليست خيار سعودي أو عربي..
ونحنُ نُدرِك ما هي الدوافع التي دفعت السعودية بالأساس لِدعمِ الُمعارضة السورية، لاسيما جيش الإسلام الذي كان على تخوم دمشق..
طبعا ليست الرغبة في قيام (الديمقراطية) فهذه الكلمة لا وجود لها في القاموس السعودي أصلا، وإنما تقاطُع المصالح فقط.. فالمعارضة لها مصلحة في تغيير “النظام” كي تستلِم الحُكم وتُقيم نظام الحُكم الذي تنشدهُ، والسعودية لها مصلحة في تغيير “النظام” أيضا، كي تأتي سُلطة بعيدة عن إيران، وتأخذ سورية بعيدا عن إيران..
فهل يا ترى تغيّرت دوافع السعودية؟.
لا يبدو أنها تغيّرت من حيث الجوهر حتى اليوم.. فالسعودية مشكلتها الأساس، وربما الوحيدة في هذا العالم هي مع نظام الحُكم في إيران.. فهي تعتبرهُ خطرا على أمنها القومي، وأمن المنطقة، من خلال التمدُّد في المنطقة، ودعمِ الحوثيين في اليمن، وتأسيس أحزاب وتنظيمات تراها السعودية لا تخدم مصالحها ولا مصالح حلفائها وأصدقائها..
بل إنْ ما أخذنا بِما تكتبهُ صحيفة الشرق الأوسط السعودية، والتي تعكس تماما وجهات نظر السياسة السعودية من كافة القضايا، فربما سنكتشف هجوما أكثر على دمشق.. وآخرها المقال الذي نُشِر في الأول من كانون الثاني 2023، وفيه انتقادات لاذعة.. وكأنهُ يقول مع بداية العام الجديد هذه هي سياستنا وهذا هو موقفنا من دمشق..
وقد جاء في مقدمة المقال:
(آجلا أم عاجلا ستُثبِت الأيام والأحداث أن مفتاح تقليم أظافر إيران في المنطقة، وإعادة المواجهة مع إيران إلى الداخل الإيراني، هو سورية، ولا غيرها من دول المنطقة، سواء العراق أو لبنان)..
إذا هذا ما تُفكِّر به السعودية، فكيف يمكن أن نطلب منها الضغط على شيوخ العشائر لِتميلَ نحو دمشق؟
في السياسة لا يوجد عطاء بدون أخذ.. فدمشق لها مشاغلها، والرياض لها مشاغلها.. فأعطني كي أعطيك..
وكل شيء واضح على السطح.. وما هو مطلوب منك، وما هو مطلوب مني.. ولا أحدا يعطي من طرف واحد.. وما تراه أنت صديق وحليف، قد يراهُ غيرك خصما وعدوا، والعكس صحيح..
نعم السياسة بازارات كما أي صفقات بيع وشراء في الأسواق..
**
الوضع السوري معقدٌ جدا، لأن اللاعبين كُثُراً ومصالهحم متضاربة، والسوريون منقسمون ومُشتّتون ومُسيَّرون..
ومهما بلغت مساعي أردوغان، وسِواه، فلا يمكن تجاهُل الولايات المتحدة، فهي على الأرض بقواعدها العسكرية المتعددة..
وحسب الدراسات، يوجدُ في سورية 28 موقع أمريكي، منها 24 قاعدة عسكرية، و 4 نِقاط تواجُد،
وفيما كانت وزارة الدفاع الأمريكية، قد أعلنت أن عدد الجنود الأمريكيين العاملين داخل الأراضي السورية، 503 جنود، باستثناء القوات المناوِبة، إلا أن بعض التقديرات تقول أن هناك ما يفوق ألفَي جندي، لا بل أن هناك ما يقارب 3000 جندي أمريكي يتواجدون في القواعد المنتشرة بمحافظات الحسكة، ودير الزور، وريف دمشق، في حين تتوزّع نقاط التواجد بين محافظتي دير الزور والحسكة.
وتتوزع القواعد العسكرية الأمريكيّة من جنوب شرق سورية، من معبر التّنف الحدودي القريب من الأردن، إلى الشمال الشرقي بالقرب من حقول الرميلان، وتحيط بكل منابع النفط والغاز السوري في شرق الفُرات..
**
ولذلك مواجهة الاحتلال الأمريكي لا تكون بالخطابات والتصريحات والتهديدات، إنها تحتاج إلى مقاومة شعبية حقيقية دائمة وفاعِلة.. وهذه تحتاج إلى من يرعاها ويمولها ويسلحها ويدربها ويقدم لها كل ما تحتاج لوجستيا..
ولا تكون أيضا بالدعواتِ إلى المزيد من الصبرِ والتحمُّل، والقول أن شعب فيتنام كان يأكل أوراق الشجر خلال حربهِ مع أمريكا، وصبَرَ وتحمّلَ..
نعم، شعبَ فيتنام كان يأكل أوراق الشجر، وهذا صحيح..
ولكن علينا أن نتذكّر أيضا أن قيادات شعب فيتنام ومسؤولي شعب فيتنام، كانوا أول من يفعل ذلك، وكانوا القدوة لأبناء الشعب على التضحية والصبر والتحمُّل ..لم يطلبوا من شعبهم الصبر على شيء لم يطبقونه على أنفسهم أوّلا ، فكانوا القدوة..
في فيتنام كانت هناك مقاومة بطولية وعنيفة وكان الثوار يعيشون في الغابات والكهوف والجبال مع قياداتهم..
مُناضلي شعب فيتنام لم يعيشوا بالبيوت الفاخرة حياة الرخاء بينما بقية الشعب يعيشون الفقر والجوع والحرمان.. لم يناضلوا من داخل المكاتب الفخمة المُدفّئة شتاء والمُكيّفة صيفا، والناس تعاني قيظ الصيف وبرد الشتاء.. كانوا أول من يُعاني وأكثر من يتحمّل..
الشعوب تتأثر دوما بمسؤوليها سلبا أم إيجابا..
فتعالوا جميعنا، نقلِّد ثُوار فيتنام، وقيادات فيتنام، ومسؤولي فيتنام، حينما كانوا يُقاومون الاحتلال الأمريكي لبلدِهم..
هل أنتم على استعداد؟ أنا شخصيا على استعداد.. ترجِموا الأقوال إلى أفعال.. وكونوا القدوة..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى