هل الأردن ضمن دائرة الاستهداف بعد مجيء اليمين الإسرائيلي المُتطرف؟
تمارا حداد. هل الأردن ضمن دائرة الاستهداف بعد مجيء اليمين الإسرائيلي المُتطرف؟
مرَ المشروع الصُهيوني بعدَة مراحل بدءاً بمرحلة المُؤسسين الذين اعتنقوا الفكر الصهيوني اليساري المُغلف بالوجهة الديمقراطية وإن كان الهدف واحد وهو الاستمرار في الإحلال والاستيطان مروراً بمرحلة تحول المشروع إلى اليمين من خلال نشر إيديولوجية حزب الليكود داخل الشارع الإسرائيلي انتقالاً إلى المرحلة الثالثة وهي انزياح المجتمع الإسرائيلي إلى اليمين المُتطرف ولم يبقى إلا الملامح الأخيرة للمشروع الصُهيوني وهي تعزيز رؤية اليمين الفاشي العنصري وترسيخ دولة الأبرتهايد.
سياسة اليمين المُتطرف حول الضفة الغربية والقدس وقطاع غزة لم تتغير وهي إطباق القبضة الأمنية على الضفة باستمرار الاستيطان واستمرار حصار القطاع وتهويد القدس بشكل شامل، لكن مجيء اليمين الأكثر تطرُفاً في الانتخابات المؤخرة ستنعكس آثارها السلبية ليس فقط على الجانب الفلسطيني وإنما على الجانب الأردني الوصي القانوني والسياسي على القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
إنَ مجيء الحكومة الأكثر تطرُفاً بالتحديد اذا استلم بن غفير وزارة الأمن الداخلي فإنه سيعمل على تغيير الواقع التاريخي والقانوني للقدس، فبن غفير يضغط لاستلام تلك الوزارة لسن قوانين عنصرية بالتحديد فيما يتعلق بالقدس والمقدسات فهو لا يسعى على تقسيم المنطقة المقدسة مكانياً أو زمانياً فقط وإنما يسعى على تغيير الوضع القائم لتحقيق ما يسمى “وحدة يهودية القدس” ومن ثم بناء الهيكل.
فالاحتلال يسعى إلحاق حقه في الوصاية على المقدسات وإدخالها في كنف وزارة الأديان الاسرائيلية مع الضغط على الأردن بأن يقبل بذلك ليشكل اعترافاً أُردنياً بالسيادة الاسرائيلية على كامل القدس، ولكن الأردن لن يقبل بذلك استناداً لدوره التاريخي والقانوني لمدينة القدس بناءً على الاتفاقيات الدولية الموقعة بإبقاء الوصاية الأردنية على المقدسات.
إن الخط الاستراتيجي الأساسي للفكر اليميني المُتطرف هو إبقاء القدس كاملة عاصمة اسرائيل الخالدة ومدينة واحدة تحت سيادة اسرائيل وغير قابلة للتقسيم، وستُحبط الحكومة المُقبلة كل محاولة للمساس بوحدة القدس وستمنع كل نشاط مطلق لا ينسجم مع السيادة المطلقة لاسرائيل على المدينة، وستضع الحكومة تحت تصرف بلدية القدس مصادرة مُعتبرة لحث البناء وترسيخ المكانة الاقتصادية والاجتماعية للقدس الواسعة.
إلى حين استكمال تهويد المدينة وطمس هويتها العربية الاسلامية من خلال الدمج بين شرق المدينة وغربها وإنجاز تطويق القدس بالحزام الاستيطاني وقطع التواصل الجغرافي بين المدن العربية. ومن منظور الاحتلال يسعى إلى تحقيق تواصل جغرافي بين منطقة القدس الامنية وشمال البحر الميت لتعزيز محيط القدس الدفاعي، وتقوية المدينة الاقتصادية مستقبلاً والحماية من أي تدهور أمني داخلي ممكن في مناطق الحكم الذاتي القريبة من القدس، كما أن سيحول دون تحويل الحل الديني او البلدي الى حل جغرافي، فالسيطرة الجغرافية سينتج عنها قطاع عربي منعزل في القدس الشرقية عن باقي الضفة ولا يمكن أن يتحول إلى عاصمة وطنية. وهدف الاحتلال تحديد حدود القدس الموسعة التي ترغب إسرائيل في إخضاعها لسيطرتها من جانب واحد دون مراعاة لأية قواعد أو اتفاقات.
لنستذكر ما قام به نتينياهو في كانون الثاني من العام 2018 بطرح مبادرته لشخصيات فلسطينية إسلامية ومسيحية غير معروفة لدى المقدسيين وتشكيل من قبلهم وفد وإرسالهم لإحدى الدول العربية لسحب الوصاية الأردنية ومن ثم إلغاء ملف القدس بشكل نهائي حينها تنتهي القضية الفلسطينية.
كان هدف سحب الوصاية الضغط على القيادة الأردنية لقبول صفقة القرن وتمريرها ضمن أمر واقع وهي الصفقة التي هندسها نتينياهو وترامب، لكن الشارع المقدسي علم بواقع سحب وتحويل الوصاية لإحدى الدول وظل متمسكاً بالوصاية الهاشمية لذلك في حينها فشلت فكرة سحب الوصاية الأردنية عن المقدسات الإسلامية والمسيحية وجاء ذلك لعدة أسباب:
• بيئة القدس لا تسمح بوصاية أخرى وبالتحديد كان مجيء سحب الوصاية في حينها كان بوقت مشبوه ومُرتبط بما يسمى “صفقة القرن” وتمريرها.
• إن القُدس في حينها شهدت صراعاً فلسطينياً وعربياً وإسلامياً هذا الصراع كان لصالح إبقاء الوصاية الأردنية بسبب رفض الشارع المقدسي بوجود صراعاً عربياً يُساهم في تعزيز السيطرة الكلية على القدس من قبل الاحتلال.
• في حينها كان هناك تأثير للحركة الإسلامية بشقيها الشمالي والجنوبي على الداخل المحتل بذلوا جهوداً في إفشال تمرير سحب الوصاية الأردنية وإعطاءها لدولة أخرى.
وبعد انتخابات نوفمبر 2022 عاد نتينياهو ومعه اليمين المُتطرف لاستكمال مشروعهم والغاء آخر خيط في ملف القضية الفلسطينية وتغيير الأمر الواقع بشكل كُلي.
الأردن يواجه تحديات عديدة أبرزها الواقع الاقتصادي والفقر وارتفاع مستويات البطالة ونُدرة المياه ومشاكل قضايا الطاقة والاقتصاد الزراعي وهي من المشاكل التي يستخدمها الأعداء لتمرير مشاريعهم التخريبية في الأردن كإنشاء خلايا تعمل سراً كما حصل في 2017 حيث تم إنشاء حزب ضم عسكريين متقاعدين وأُمناء عاميين لأحزاب وسياسيين ومهنيين ضم “680” عضواً في حينها روجوا فكرة “الوطن البديل” وأن الأردن قادر على استيعاب شهرياً 20 ألف فلسطيني من سكان الضفة الغربية ضمن مشروع اسرائيلي لتفريغ الأرض، وهذا الطرح يلتقي مع أطروحة اليمين المتطرف حول الأردن التي لن تتغير وإعلانه وطناً بديلاً للفلسطينيين لاعتقاد الاحتلال أن أرض اسرائيل هي الوطن التاريخي للشعب اليهودي وبالتحديد بعد إقرار من قبل اليمين قانون القومية الذي نص على أن الأرض لليهود ويعني أنه لا يريد غير اليهود في فلسطين وهمهم الوحيد كيفية التخلص من الفلسطينيين القاطنين في الضفة الغربية.
اليمين المتطرف يتعامل مع النظام الأردني الحالي كعقبة أمام استكمال المشروع الصهيوني وهو انجاز الترانسفير أو الوطن البديل بالإضافة الى رفض الاردن للتوجه الاسرائيلي لضم غور الاردن وشمال البحر الميت، واليمين المتطرف وفي ظل الانحيازات داخل المجتمع الاسرائيلي يُشجع على المس بالمصالح المباشرة للاردن في المياه والطاقة وإفشال أي مشروع يخدم المصالح الأردنية.
يعتبر الاردن المُعارض الفعلي ضد صفقة القرن والمدافع عن القضية الفلسطينية وهو ما يزعج تمرير الصفقة، الأمر الذي يجعل الأردن تحت مجهر الاستهداف من قبل الأعداء الظاهرين والأصدقاء الذي يكنون السوء للأردن.
الواقع الإيجابي بالأردن هو احترافية الأجهزة الأمنية العسكرية فيه جعله شريكاً مهماً في مكافحة الارهاب بالتحديد بعد رجوع القنابل الموقوتة أو المقاتلون الرحالون والعائدون من أجل الانتقام بعد فشل مشروعهم الفوضوي الخلاق في سوريا والعراق، هذا الأمر يُولد ردة فعل من قبلهم للانتقام من الأردن وهذا مستقبلا ما سيستغله المشروع الصهيوني وقت ما يشاء وايقاظ الخلايا النائمة إذا بقي الأردن على موقفه الصلب في الدفاع عن القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية.
وفي الختام، بعد فوز اليمين المتطرف سيُصبح الأردن في المقام الثاني بعد السلطة الفلسطينية الأكثر تضرراً من انزياح الشارع نحو الفاشية. حيث يعيش الأردن ضمن مجموعة من التهديدات الإقليمية التي يمكن أن تضعف استقراره الداخلي، ناهيك عن ان الأردن مستهدف من قبل البرامج والمخططات الإمبريالية لضربه وضرب النظام فيه.