نهاية الدولة أم استحالة قيام دولة عربية ؟
خليل قانصوه
طبيب متقاعد
تساؤلات متضاربة تلح كما في كل مناسبة مثل حلول عام جديد ، على المرء الواقع في حيرة مزمنة فيما يتعلق بالهوية و الإنتماء ،لاسيما إذا كان من غيرذوي الإختصاص في علوم السياسة و الإجتماع و الجغرافيا السياسية . من البديهي في هذا السياق أن يهيم المهاجر المقتلع من بلاده الأصلية اقتلاعا ، في الأوضاع السائدة فيها ، لعله يستشف إشارات دالة على المصاير المحتملة التي تنتظر ليس أبناؤه و أحفاده بالدرجة الأولى ، فهؤلاء يختلفون عنه قطعا من حيث بلاد المنشأ و الثقافة ، ولكن أبناء جيله الذين صادفوا ظروفا غير ظروفه ، فلم يهاجروا و لم يقتلعوا من بلادهم الأصلية ، علما أن بعضهم اقتلع و دفن فيها .
ويأتي الإستقرار في مقدم هذه التساؤلات ، كونه لازما و ضروريا للإنتاج والإبداع بعد الإنتهاء طبعا من الترميم و إعادة الإعمار . فلو عدنا إلى التاريخ لاكتشفنا أن الدولة أو بتعبير أدق الأشكال الهشوشة التي اتسمت بها في بلاد العراق و سورية بما هي محور تفكرنا هنا ، كانت مرادفة غالبا للحاكم ، بمعنى أنها كانت أداة لخدمته الشخصية أو لخدمة مشروعه الخاص في بلاد يعتبرها ضمنيا ملكية له و و بالتالي يتوجب على الناس الذين يعيشون عليها الإنطياع له و القبول بحيز محدود من الحرية .
بكلام أكثر وضوحا و صراحة ، نحن حيال شبه دولة تمثل فيها أنانية الحاكم و المحكوم فلسفة السياسة التي تتبناها . فإذا اعترضت الحاكم أزمة أمنية أو وجودية ، أيا كان أصلها ، داخليا أو خارجيا ، طلب النجدة من جهات أجنبية و دفع لها أجرا من “ملكيته”واذا ضاق العيش بالناس أو بعضهم بحثوا عن عمالة لهم مع الاجانب الذين أتوا لمساعدة السلطان أو هاجروا أو صبروا . ينبني عليه أننا بعيدون كل البعد عن مفهومية الدولة الوطنية ، فهذه لم تقم لها في الواقع قائمة في بلادنا على مدى العصور .
تقودنا هذه المداورة إلى بحث عن أسباب هذا المأزق الإجتماعي هذا من ناحية أما من ناحية ثانية فإنها تحثنا على التفكربالشروط الملائمة لقيام هذه الدولة الوطنية إذا توافقنا على أن هذه الأخيرة ضرورية و لازمة .
من البديهي أنه لا يصعب على الباحث التعرف على هذه الأسباب و اكتشاف اسباب عجزه عن التصدي لها ، من خلال الإبحار في مجال الثقافة السائدة وتأثير الموقع الجغرافي بالإضافة إلى وجود ثروات باطنية كبيرة ( النفط ) بين أيدي حاكم البلاد ، أغنت عن العمل المنتج و سؤّغت الإقتصاد الريعي . يحسن التذكير بأن الثروة النفطية مولت بحسب إعتراف مراجع عربية و دولية ، حروب المعسكر الغربي تحت قيادة الولايات المتحدة انسجاما مع العقلية الإسرائيلية كل من العراق و سورية و لبنان . أما عن العجز فإننا نقتضب لنقول أنه كان هو أيضا ممولا و مدعوما كعامل أساس في المحافظة على دولة الحاكم الذي وجد دائما الأساليب والوسائل التي مكنته من شراء الأفراد و الأحزاب و الحركات التحريرية و التحررية و قلب ميزان القوى لصالحه لكي يبقى على كرسي عرشه على حساب الإنسان الفرد و الكينونة الجماعية إلى حد ان لا حرج في القول أن الحاكم في بلاد العرب هوعموما إلا ما ندر ، شخص يحتمل أن يكون غادرا بالناس مبددا للثروة الجماعية و للبلاد